الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الدماميني: لا يتعلق قوله: "بآئسة" بلهوت الملفوظ به، للزوم الفصل بالأجنبي وهو المعطوف، وإنما يتعلق بمحذوف، أي: لهوت فيها بآنسة، وهذه الجملة صفة لليلة. انتهى. وجملة "كأنها خط تمثال" صفة آنسة، شبهها بصورة الصنم المنقوشة في حسن المنظر وتناسب الأعضاء. وترجمة امرئ القيس تقدمت في الإنشاد الرابع.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس بعد المائتين:
(206)
ربَّما أوفيت في علم
…
ترفعن ثوبي شمالات
على أن ربّ فيه للتكثير أيضًا، وأنشده سيبويه وقال: التوكيد ضرورة وزعم يونس أنهم يقولون: ربما تقولن ذاك، وكثر ما تقولن ذاك. انتهى. وقال ابن بري في "شرحه شواهد الإيضاح": كأنه شبه ربما بما النافية تشبيهًا لفظيًا فصار ترفعن، وإن كان موجبًا كأنه منفي وقال: إنما ذلك لأن التقليل يضارع النفي. انتهى. واستشهد به أبو علي على أنه قد وقع الماضي بعد ربما على ما ينبغي في رب قبل كفها، لأنها موضوعة للإخبار عما مضى، قال أبو علي: وهذا موضع التكثير به أولى من التقليل، ومثله:
وإنا لممَّا نضرب الكبش ضربة
…
على رأسه تلقي اللسان من الفم
وقوله:
قد أترك القرن مصفرَّا أنامله
يريد أن الجمع موضوع للتقليل، وهي هنا تقتضي التكثير، لأن ذلك أمدح وأدل على الجرأة. قال: ولا تكون "ما" ههنا إلا كافة. انتهى. والبيت من أبيات لجذيمة الأبرش ملك الحيرة. قال الآمدي في "المؤتلف والمختلف": جذيمة الأبرش الملك كان شاعرًا وكان أبوه مالك بن فهم ملكًا على العرب بالعراق عشرين سنة، وكان يقال لجذيمة: الوضاح، لبرص كان به وملك بعد أبيه ستين سنة، وكان ينزل الأنبار، وهو القائل:
ربّما أوفيت في علمٍ
…
ترفعن ثوبي شمالات
في فتوٍّ أنا كالئهم
…
في بلايا عورة باتوا
ثم أبنا غانمين معًا
…
وأناس بعدنا ماتوا
ليت شعري ما أماتهم
…
نحن أدلجنا وهو باتوا
في أبيات، ولجذيمة في "كتاب الأزد" أشعار. انتهى. وصف سرية أسرى بها، أو انقطاعًا عرض له من جيشه في بعض مغازيه، فكان ربيئة لهم، ولم يكل ذلك إلى أحد، أخذًا بالحزم والثقة.
قال الأعلم: وصف أنه يحفظ أصحابه في رأس جبل إذا خافوا من عدو، فيكون طليعة لهم، والعرب تفخر بهذا، لأنه دال على شهامة النفس وحدة النظر. والعلم: الجبل، والشمالات: جمع الشمال من الرياح، وخصها لأنها تهب بشدة في أكثر أحوالها، وجعلها ترفع ثوبه لإشراف المرقبة التي يربا فيها لأصحابه. انتهى كلامه.
وليس في أبياته ما يدل على أن أصحابه في رأس جبل يخافون عدوًا، وهذا ذم، وإنما المعنى: أنا أنظر لهم وأصعد على موضع عال أرقب لهم وأنظر من يأتيهم، وأوفيت على الشيء: أشرفت عليه، وتقديره: أوفيت على مكان عال في جبل، والشمال بالفتح، ويكسر: الريح التي تهب من ناحية القطب، قال ابن بري: وقوله: ترفعن ثوبي شمالات، كلام منقطع مما قبله، كأنه استأنف الحديث، ولا تكون في موضع حال، لأن هذه النون لا تدخل على الحال. وقوله: أوفيت، أي: أوفيت مرقبة أو شرفًا في علم، لأنه يقال: أوفيت الجبل، وأوفيت فلانًا بمكان كذا. وقوله: شمالات: إشارة إلى شدة الريح واختلافها، ولذلك جمعها. انتهى كلامه.
قال السيوطي: قال صاحب "المصباح في شرح أبيات الإيضاح": يحتمل بقاء رب هنا على معناها من التقليل، لأن جذيمة ملك جليل لا يحتاج مثله إلى أن يتبدل في الطلائع، لكنه قد يطرأ على الملوك خلاف العادة، فيفخرون بما ظهر منهم عند ذلك من الصبر والجلادة. انتهى. ومنه أخذ الدماميني قوله: أقول: الافتخار بالتقليل قد يقع، لا من حيث قلته، بل من حيث كونه عزيز المنال، لا يوصل إليه إلا بشق الأنفس، فالظفر به مع هذه الحالة يناسب الافتخار، وحينئذٍ، فقول المصنف: إن التقليل لا يناسب الافتخار، إن قصده كليًّا منعناه، وإن قصده جزئيًا باعتبار البيتين اللذين أنشدهما وأمثالهما؛ فلا تعقب عليه، إذ ما وقع به الافتخار في البيت الأول هو لهوه بامرأة جميلة، وما افتخر به صاحب البيت الثاني هو إيفاؤه في جبل عالٍ، ورفع ريح الشمال لثوبه، وكل منهما ليس أمرًا عزيز المنال، ولا يحصل إلا بشق النفس، والافتخار بمثل ذلك لا يكون إلا
بالكثرة، ولا يكون مجرد الحصول في الجملة. انتهى. وقال صاحب "المصباح": والأكثرون رووا البيت هكذا، ورواه أبو الفرج الأصبهاني:"ترفع أثوابي شمالات" وهي رواية حسنة جدًا، ورواه ابن حزم:"رب ليل قد سريت به" فغير صدره، قال: وفي قوله: ترفعن ثوبي: إشارة إلى أن قميصه لا يلصق بجلده لخمصه، وهذا مدح عندهم، لا سيما من كان عندهم من أهل النعمة. انتهى.
وقوله: في فتوٍّ .. إلخ، هو جمع فتى، وهو السخيّ الكريم، والشاب أيضًا، جمع على فعول، وفي بمعنى مع، متعلقة بأوفيت، وكالئهم: اسم فاعل من كلأه الله يكلؤه، مهموز بفتحتين، أي: حرسه وحفظه، وقوله في بلايا عورة .. إلخ، البلايا: جمع بلية، وفي: متعلقة بباتوا، والعورة بالفتح: موضع خلل يتخوف منه في ثغر أو حرب، وبات: له معنيان أشرهما اختصاص الفعل بالليل، كما اختص الفعل في ظل بالنهار، فإذا قلت: بات يفعل كذا؛ فمعناه: فعله بالليل، ولا يكون إلا مع سهو، والثاني بمعنى صار، يقال: بات بموضع كذا، أي صار، سواء كان في ليل أو نهار، والمغنيان هنا محتملان. وروى صاحب "الأغاني" هذا البيت كذا:
في شباب أنا رابئهم
…
هم لدى العورات صمّات
ورابيء: اسم فاعل من ربأت القوم بالهمز ربءًا وارتبأتهم، أي: رقبتهم، وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف. والربيء والربيئة: على وزن فعيل وفعيلة: الطليعة، والمربأة على مفعلة، وكذلك المربأ: المرقبة. وصمات: جمع صامت، وصمتهم للجراسة. ورواه الجوهري:
في فتوّ أنا رابئهم
…
من كلال غزوة ماتوا
والكلال: التعب، وجملة ماتوا: صفة ثانية لفتو، وأراد بالموت: مقاساة الأهوال والشدائد، وقوله: ثم أبنا غانمين: من آب يؤوب؛ إذا رجع. ورواه صاحب "الأغاني":
ثمَّ أبنا غانمين وكم
…
من أناس قبلنا ماتوا
وقوله: نحن أدلجنا، يقال: أدلج إدلاجًا: إذا سار الليل كله. وروى صاحب "الأغاني":
ليت شعري ما أطاف بهم
…
نحن أدلجنا
…
إلخ
ورواه غيره:
"ليت شعري ما أصابهم"
وجذيمة الأبرش: بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة، قال الجاحظ في "البيان": عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي إن جذيمة الوضاح هو الأبرش التنوخي الأزدي، وهو آخر من ملك من قضاعة بالحيرة، وهو أول من حذا النعال، واتخذ المنجنيق ووضعه على الحصون، وأول من أدلج من الملوك، وأول من رفع له الشمع، وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأيًا، وأبعدهم مغارًا، وأشدهم نكاية، وأظهرهم حزمًا، وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق، وضم إليه العرب، وغزا بالجيوش، وكان به برص، وكانت العرب تكني عن أن تسميه به وتنسبه إليه إعظامًا له، فقيل: جذيمة الوضاح، وجذيمة الأبرش. وكانت منازله فيما بين الحيرة والأنبار و"بقة" و"هيت" وناحيتها، و"عين التمر" وأطراف البر، وتجبى إليه الأموال، وتفد عليه الوفود، وكان غزا طسمًا وجديسًا في منازلها من "جو" وهي اليمامة، فوافق خيول ابن أسعد أبي