الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخبر ههنا، لأن ما بعده يعمل فيما قبله، ولم يجز وقوع إن المكسورة لما ذكرنا. ومن مسائل سيبويه أيضًا: كيف أنت صانع، منع منها أيضًا، لما ذكرنا من صحة الفرق المقتضي صحة عمل العامل فيما قبل المبتدأ، أي: من دخول إن بعدها، وفساد عمله فيما قبل إن.
وأما وقوع المفتوحة "بعد حيث" فلا أعلمه ورد أيضًا عن العلماء ولا عن العرب، ولكني عثرت عليه في عبارات الفقهاء والمتكلمين، وبعض متأخري النحاة على سبيل التعليل، يقولون: من حيث أنه كذا وكذا، يريدون: من أجل كذا كذا، وليس ذلك من عباراتهم مما يجعل أصلًا يرجع إليه أو يعتد به، إلا أن المفتوحة وإن كانت مع ما بعدها في تأويل المفرد، فإنها تقع موقع الجملة من المبتدأ والخبر، وتفيد إفادتها فيما يتعدى إلى مفعولين من باب ظننت، فيشبه أن يكون لهذا المعنى استجاز من استجاز إيقاعها بعدها، على أن الجملة من المبتدأ والخبر بعدها أصل فيها، وهي من عواملها الأصلية، والجملة الاسمية في حيث فرعية محمولة على الجملة الفعلية، فيجب على هذا الوجه أن لا يجوز أيضًا، والله أعلم، هذا آخر كلام أبي اليمن الكندي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد بعد المائتين:
(201)
إذا ريدة من حيث ما نفحت له
…
أتاه بريّاها خليل يواصله
على أن الجملة التي تضاف إليها حيث محذوفة، والتقدير: إذا ريدة نفحت له من حيث هبت، وذلك لأن ريدة فاعل بفعل محذوف يفسره نفحت، فلو كان نفحت مضافًا إليه حيث، لزم بطلان التفسير، إذ المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، فلا
يفسر عاملًا فيه، وهذا من كلام أبي حيان في "شرح التسهيل" قال: جعل "ما" عوضًا، كما جُعل التنوين في حينئذٍ عوضًا.
وقد تكلم أبو علي في كتاب "إعراب الشعر" على هذا البيت على هذا النمط، ثم أجاز أن تكون حيث مضافة إلى جملة نفحت، وهذا نصه: قال أبو حية النميري يصف حمارًا: إذا ريدة من حيث ما نفحت له
…
البيت، يقال: ريح رادّة، وريدة، وريدانه لليّن، ورياها: ريحها، وخليل: يعني أنفه، يقول: تأتيه الريح لتنسّمه إياها بأنفه، فإذا هذه التي هي ظرف من الزمان، لأن المعنى: إذا نفحت ريح تنسّها، وإذا كان كذلك كانت ريدة مرتفعة بفعل مضمر يفسره نفحت، مثل:(إذا السماء انشقت)[الانشقاق/1] ونحو ذلك، ومن: متعلقة بالمحذوف، فسره نفحت، وما أضيف إليه "حيث" محذوف كما يحذف ما يضاف إليه "إذ" في يومئذٍ للدلالة عليه، وأنه قد علم أن المعنى: إذا نفحت من ما نفحت، وإن شئت قلت: إن حيث مضافة إلى نفحت، وريدة مرتفعة بفعل مضمر دلّ عليه نفحت، وإن كان قد أضيف إليه حيث، كما دلّ الفعل الذي في صلة أن في قولك: لو أنك جئتني لأكرمتك، وأغنى عنه، فكذلك هذا الفعل المضاف إليه حيث، أغنى عن ذلك الفعل، لمّا دلّ عليه، كما قلنا في لو، ألا ترى أن المضاف إليه مثل ما بعد الاسم الموصول في أن كل واحد منهما لا يعمل فيما قبله، ومع ذلك فقد أغنى الفعل الذي في صلة أن عن الفعل الذي تقتضيه لو، وإن كان قبل الصلة، فكذلك الفعل المضاف إليه حيث. انتهى كلام أبي علي، ونقلته من نسخة بخط تلميذه ابن جني، ومن نسخة أخرى صحيحة قرئت على أبي علي وعليها خطه. وكذلك جوزه الدماميني، قال: وما استند إليه من أن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، فلا يفسر عاملًا؛
تظور فيها، لأن الظاهر من كلامهم أن امتناع تفسير ما لا يعمل، مخصوص بباب الاشتغال، وقد قدم المصنف في الفصل الذي عقده لخروج إذا عن الاستقبال عند إنشاد قوله:
آليت حبَّ العراق الدَّهر أطعمه
أن ما لا يعمل لا يفسر في هذا الباب عاملًا، فقيده بباب الاشتغال، وقد خرّج كثيرون مثل قوله تعالى:(وكانوا فيه من الزّاهدين)[يوسف/20] وجعلوا أحدًا في قوله تعالى: (وإن أحدٌ من المشركين استجارك)[التوبة/6] فاعلًا بفعل محذوف يفسره الفعل المتأخر، مع أنه لا يصحُّ أن يعمل فيه الرفع على الفاعلية وهو متأخر، ثم لو سلم عموم هذا الحكم، لأمكن جعل حيث مضافة إلى الجملة الواقعة بعدها، وهي: نفحت، وريدة: فاعلًا بفعل محذوف يفسره السياق، لا نفحت بخصوصه. انتهى.
والريدة، بفتح الراء وسكون المثناة التحتيّة: ريح لينة الهبوب، وما: زائدة، ونفحت: هبّت، والرّيا: الرائحة التي تملأ الأنف.
وأبو حية: بتشديد المثناة التحتّية، اسمه الهيثم بن الربيع، وينتهي نسبه إلى نمير بن عامر بن صعصعة، قال صاحب "الأغاني": وهو شاعر مجيد متقدم، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، ومدح الخلفاء فيهما جميعًا، وكان فصيحًا مقصدًا راجزًا من ساكني البصرة، وكان أهوج جبانًا بخيلًا كذابًا معروفًا بذلك أجمع، وتوفي في بضع وثمانين ومائة. حدّث يومًا قال: عنَّ لي ظبي يومًا فرميته، فراغ عن سهمي فعارضه السهم، ثم راغ فعارضه، فما زال والله يروغ ويعارضه حتى صرعه ببعض الجبانات. وإلى هذا السهم لمَّح ابن نبانة المصري بقوله: