الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"قفا" في الإضافة فإنما كما أبدلت الألف منها فيمن قال: رأيت هذان، أي للتقارض، وقالوا أيضًا: عليك وإليك، وقد اطرد هذا في بعض اللغات نحو: هويّ ونويّ وقفيّ، فأبدلت الياء من ألف هواي ونواي وقفاي، كما أبدلت الألف منها في حاحيت وعاعيت، حيث أريد إزالة التضعيف فيه، كما أريد من نظيره من الواو وهو ضوضيت وقوقيت، هذا كلامه.
وقد روى الزجاجي في آخر"أماليه الكبرى" هذا الرجز كذا:
يا ابن الزُّبير طالما عصيكا
…
وطالما عنَّيكا إليكا
لنضربن بسيفنا قفيكا
…
..... .....
أورده في باب التاء والكاف في المكني، يقال: ما فعلت وما فعلك، وقال: يريد: عصيت وعنيت، انتهى.
ومعنى عنيتنا: أتعبتنا بالمسير إليك، والنون في لنضربن: نون التوكيد الخفيفة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخمسون بعد المائتين:
(250)
فقلت عساها نار كأسٍ وعلَّها
…
تشكّي فآتي نحوها فأعودها
على أن خبر عسى قد ظهر مرفوعًا. في"شرح التسهيل": بعض العرب صرح بعد"عسى" المتصل بها ضمير النصب بالاسم مرفوعًا مكان"أن يفعل" فقال: فقلت عساها نار كأس. . البيت، وقالوا: هذا قاطع ببطلان مذهب أبي الحسن الأخفش، إذ قال:"نار" بالرفع، ولو كان في موضع نصب لقال:"نارًا"
بالنصب، ومن ثم قال صاحب"البسيط": ولو ظهر الخير بغير أن يفعل لافتضح الأخفش، انتهى.
قال الدماميني: والبيت يحتمل وجهين آخرين، أحدهما: أن يكون"نار كأس" اسم عسى، والضمير المنصوب نائبًا عن ضمير الرفع وهو مثل: عسى زيد قائم، على ما حكاه ثعلب، وعلى كلا الوجهين لا يتم الرد. انتهى. أقول: لا يصح الأول لأن المراد الإخبار عن النار التي رآها بأنها نار كأس، لا العكس، وكذا لا يصح الثاني لأن أبا حيان قال: هذا شيء، لا يعرفه البصريون، ولو كان كما زعم لكان ثابتًا في نظمهم أو نثرهم، ولا نحفظه جاء من كلامهم، انتهى.
وعلى تقدير ثبوته فهو نادر جدًا، وتخريج المصنف إياه على إضمار ضمير الشأن في عسى، قال الرضي: هذا الإضمار ليس بمشهور من أفعال المقاربة إلا في كاد، ومن [الأفعال] الناقصة إلا في كان وليس، انتهى.
والبيت من قصيدة لصخر بن الجعد الخضري ومطلعها:
تذكَّرت كأسًا إذ سمعت حمامةً
…
بكت في ذرا نخلٍ طوالٍ جريدها
دعت ساق حرِّ فاستجيب لصوتها
…
موَّلهة لم يبق إلاّ شريدها
فيا نفس صبرًا كلُّ أسباب واصلٍ
…
سيملى لها أسباب صرمٍ يبيدها
وليلٍ بدت للعين نارٌ كأنَّها
…
سنا كوكبٍ لا يستبين خمودها
فقلت عساها نار كأسٍ وعلَّها
…
تشكِّي فأمضى نحوها فأعودها
فتسمع قولي قبل حتفٍ يصيبني
…
تسرُّ به أو قبل حتفٍ يصيدها
كأن لم نكن يا كأس إلفي مودَّةٍ
…
إذ النّاس والأيّام ترعى عهودها
وأنشد هذه الأبيات أبو حيان في"تذكرته". كأس: اسم امرأة، وذرى: جمع ذروة-بالكسر- وهي أعلى الشيء، وطوال بضم الطاء: بمعنى الطويل، وساق حر: ذكر القمري، وقوله: فاستجيب بالبناء للمفعول، ومولهة: حال من ضمير دعت، وهي الشديدة الحزن والجزع، وأراد بشريدها روحها الشارده. وقوله: سيملى، بالبناء للمفعول، وصرم بالفتح مصدر، وبالضم: الاسم من صرمه صرمًا-من باب ضرب- إذا قطعه، ويبيدها: مضارع أباده، أي: أتلفه، وقوله: وليل بدت، الواو: واو رب، وبدت: ظهرت، والسنا، بالقصر: الضوء، واستبان: ظهر، وخمدت النار: سكن لهبها وبقي جمرها، يريد أنها توقد طول الليل، وذلك مدح عند العرب يدل على كرم صاحبها، وعلّها: لغة في لعلها، وتشكى: أصله تتشكى بتاءين من الشكوى، وهو الوجع والمرض، والحتف: الموت والهلاك.
قال صاحب"الأغاني": صخر بن الجعد الخضري: أحد بني جحاش بن سلمة ابن ثعلبة بن مالك بن طريف بن مالك بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر، وكان مالك بن طريف شديد الأدمة، وخرج ولده ليلة فقيل لهم: الخضر، والعرب تسمى الأسود الأخضر، وهو شاعر فصيح من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وقد كان تعرض لابن ميادة لمّا انقضى ما بينه وبين الحكم الخضري من المهاجاة، ورام أن يهاجيه فترفع بم ميادة عنه، وكان صخر مغرمًا بكأس بنت بجير بن سعد بن كعب بن جندب ينسب بها، فلقيه أخوها وقّاص وكان شجاعًا، فقال له: يا صخر إنك نسبت بابنة بجير، ولعمري ما بها عنك مذهب، ولإ لنا عنك مرغب، فإن كانت لك بابنة عمك حاجة فهلمّ أزوجكها، وإن لم يكن لك فيها حاجة فلا أعلم ما عرضت لها ولا أسمعه منك، فو الله إنفعلت ذلك