الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجنون وليلي يرعيان البهم وهما صبيان، فعلقها [علاقة الصبا] وقال:
تعلَّقت ليلي وهي غر صغيرة
…
ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغير ين نرعى البهم ياليت أنَّنا
…
صغيران لم نكبر ولم تكبر البهم
ثم نشأ، وكان يجلس معها ويتحدَّث في ناس من قومه، وكان ظريفاً جميلاً رواية للشعر حلو الحديث، فكانت تعرض عنه وتقبل بالحديث علي غيره، حتى شقَّ ذلك عليه وعرفته، فقالت:
كلانا مظهر للنّاس بغضاً
…
وكل عند صاحبه مكين
تبلِّغنا العيون بما رأينا
…
وفي القلبين ثمَّ هوًى دفين
ثم تمادي به الأمر حتى ذهب عقله، وهام مع الوحش، وصار لابليس ثوباً إلا خرقه، ولا يعقل [شيئاً] إلا أن تذكر له ليلي، فإذا ذكرت عقل وأجاب عن كل ما يسأل عنه، وتقدمت ترجمته في الإنشاد السابع عشر.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن عشر بعد المائتين:
(218)
ولا سيناَّ يوم بدارة جلجل
وصدره:
ألا ربَّ يوم صالحٍ لك منهما
وهو من معبقة امرئ القيس، وقد لخص المصنف كلام أبي حيان في "شرح التسهيل" وجميع ما ذكره في "ولاسيما" منه، قال ناظر الجيش: وأما بيت امرئ القيس فتخرج رواياته علي ما تقدم من التقرير، والرفع فيه قوي أيضاً، لأن "ما" لم تقع فيه على العاقل، ولم تقصر الصلة، بل طالت بذكر "دارة جلجل" وجوز المصنف فيه – يعني: ابن مالك – نصيب "يوماً" علي الظرف، وجعله صلة لما، قال: وبدارة جلجل صفة لـ "يوماً"، أو متعلق به، لما فيه من معنى الاستقرار، قال: فإن "ما" المذكورة قد توصل بظرف، كقولك: يعجبني الاعتكاف، لاسيما عند الكعبة، والتهجد لاسيما إذا قرب الصبح، ومنه قول الشاعر:
يسرُّ الكريم الحمد لاسيما لدى
…
شهادة من في خيره يتقلَّب
وأما الوصل بجملة فعليه، فكقولك: يعجبني كلامك لاسيما تعظ به، ومنه قول الآخر:
فق النّاس ف الخير لاسيمَّا
…
بنيلك من ذي الجلال الرِّضى
انتهى. وضمير "منهما" في البيت راجع إلي امرأتين في بيت قبله، وقد شرحنا تسعة أبيات مع البيت الشاهد، وبسطنا الكلام عليها في الشاهد الرابع والأربعين بعد المائتين من شواهد الرضي، ولكن ينبغي أن نذكر هنا خبر يوم دارة جلجل، وهو بضم الجيمين، قال أبو عبيدة البكري في "معجم ما استعجم":
قال أبو عبيدة: دارة جلجل: موضع بديار كندة، وقال أبو الفرج: قال الكلبي: هو عين عند كندة. انتهي. والمشهور أنه اسم غدير، قال ابن الأنباري في شرح معلقة امرئ القيس كان من حديثه على ما حدث به ابن وألان عن أبي شقفل رواية الفرزدق أنه قال: لم أر أروى من الفرزدق لأخبار امرئ القيس وأشعاره، وخرجنا يوماً إلي المربد بعقب طش قد وقع، واتصل به خبر نسوة أشراف قد خرجن إلي منتزه لهنً، فقال: سر بنا، حتى قرب من مجتمعهن. فخلفني وصار إليهنَّ، فلما رأينه قلن: قد عملنا أنا لن نفوتك، فلم يزل يومه الأطول يحدثهنَّ ويفاكههنَّ وينشدهن إلي أن وَّلى النهار، ثم انصرف إليَّ، فقال: سر بنا فلم أر يوماً قط أشبه بيوم دارة جلجل من يومنا هذا، ثم أنشأ يحدث حديث يوم دارة جلجل، فقال: حدثني الثقة أن حيَّ امرئ القيس تحمَّلوا، وهو يومئذ شابً حديث السن، يهوى ابنة عّمٍ له يقال لها: فاطمة، ويكني عنها بعنيزة، وتخلف النساء وفيهن فاطمة، وارتحل امرؤ القيس ليرى الحيُّ مسيرة إلي أن نأى عن الحيِّ، فأخفى المسير وارتحل النساء بعدهم فمررن علي الغدير ولا يدربن أن وراءهن أحداً فنزلن، وعند الغدير شجرة، فأنخن إبلهنً إلي تلك الشجرة، ونزعن ثيابهنً فدخلن الغدير، وجاء امرؤ القيس فأخذ ثيابهنً، وقال: لا تأخذ امرأة منكن ثيابها حتى تخرج كما هي، فناشدته الله وطلبن إليه، حتى طال يومهن وخشين أن يفوتهن المنزل، فجعلن يخرجن واحدة واحدة حتى بلغ إلي فاطمة، فرآها واستمتع بالنظر إليها، ثم قلن له: قد اتعبتنا فاجلس، فجلس ينشدهنَّ ويحدثهنَّ ويشرب من شراب كان معه، فقالت إحداهنَّ: أطعمنا لحماً، فقام إلي مطيته فنحرها وأطعمهن من لحمها، وشرب حتى انتشى، حتى إذا أرادوا الرواح قالت امرأة منهنً: أتدعن امرأ القيس يهلك؟ فقالت فاطمة: فكّكن رحله واحملنه معكنَّ، وأنا أحمله معي في هودجي، ففعلن، فجعل يميل رأسه إليها فيقبلها، وجعل هودجها