الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تنبو سيوف بَّني قشيرٍ
…
ولا تمضي الأسنّة في صفاها
واقتصر عليها أبو زيد في "نوادره" وكذا ابن السيد في "شرح أدب الكاتب" يريد أن سيوفهم قاطعة لا تنبو عن شيء، وأسنة غيرهم لا تؤثر فيهم، فإنهم كالصخرة الملساء، وهي الصفا.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والعشرون بعد المائتين:
(223)
في ليلةٍ لا ثرى بها أحداً
…
يحكي علينا إّلا كواكبها
لما تقدَّم قبله، واستشهد به سيبويه علي أن "كواكبها" بالرفع بدل من الضمير في يحكي الراجع إلي أحد، وسيأتي، إن شاء الله، الكلام عليه في باب الاستثناء من الباب الخامس، وقد نسب خدمة الكتاب هذا البيت إلي عدي بن زيد، وقد تصفحت ديوانه مرتين فلم أجده فيه، وإنما هو لأحيحة بن الجلاح الأنصاري من أبيات أثبتها الأصفهاني له في كتاب "الأغاني" وهي:
يشتاق قلبي إلي مليكة لو
…
أمسى قريباً لمن يطالبها
ما أحسن الجيد من مليكة
…
والسلبَّات إذ زانها ترائبها
ياليتني ليلةً إذا هجع
…
الناس ونام الكلاب صاحبها
في ليلةٍ لا تري بها أحداً
…
يحكي علينا إلاّ كواكبها
لتبكني قينة ومزهرها
…
ولتبكني قهوة وشاربها
ولتلكني ناقة إذا رحلت
…
وغاب في سربخٍ مناكبها
ولتبكني عصبة إذا اجتمعت
…
لم يعلم النّاس ما عواقبها
واسم أمسي: ضمير القلب، ولو: للتمني، ومن: موصولة بمعنى التي، وملكية: بوزن المصغر، "وما" تعجبيّة، واللبة، بفتح اللام: موضع القلادة من الصدر، والترائب: جمع تربية، وهي عظام الصدر ما بين الترقوتين إلي الثدي، وصاحبها: خبر ليت، وليلة: ظرف لصاحبها، وإذا: بدل اشتمال منها، والضمير مقدر، أي هجع الناس فيها، وفي ليلة: بدل من إذا هجع .. الخ، وجملة لا نري .. الخ: صفة ليلة، ونرى بالنون ويروى بالتاء، وجملة "يحكي علينا": صفة لأحد، وروي بدله: يسعى علينا، من سعى به إلي الوالي: إذا وشى به ونمَّ عليه، وقوله: لتبكني: أمر غائب، وفاعله قينة، بفتح القافـ، وهي الأمة، مغنّية كانت أم لا، والمزهر، بالكسر: عود اللهو، والقهوة، والخمر، والسَّربخ، بفتح السين وسكون الراء المهملتين، وفتح الموحدة بعدها خاء معجمة: الأرض الواسعة. وقوله: ما عواقبها، ما، استفهامية مبتدأ، وعواقبها الخبر، أو بالعكس، والجملة في موضع مفعولي يعلم المعلق عن العمل بالاستفهام.
قال صاحب"الأغاني" إن تبعاً الأخير، وهو أبو كرب، أقبل من اليمن يريد الشرق، فمر بالمدينة، فخلف بها ابنه ومضي حتي نزل بالمشقر، فقتل ابنه غيلة، فكرً راجعاً إلي المدينة وهو مجمع علي إخراجها، واستئصال أهلها وسبي الذرية وقطع نخلها، فنزل بسفح أحد، ثم أرسل إلي أشراف أهل المدينة ليأتوه، فكان ممن أرسل إليه زيد بن ضبيعة، وابن عمه زيد بن أميّة: وابن عمه زيد بن عبيد، وكانوا يسمون الأزياد، وأحيحة بن الجلاح، فخرجوا إليه، وخرج أحيحة ومعه قنية وخباء وخمر، فضرب الخباء وجعل فيه القنية
والخمر، ثم استأذن علي تبع فأذن له وأجله معه علي زربية تحته، وتحدث معه وسأله عن أمواله بالمدينة فجعل يخبره عنها، فخرج من عنده فدخل خباءة فشرب الخمر، وقرض أبياتاً وأمر القينة أن تغنيه بها، وجعل تلَّع علمية حرساً، وكانت قينته تدعي ملكية، فقال: يشتاق قلبي إلي مليكة .. إلي آخر الأبيات المتقدمة، فلم تزل القينة تغنيه بذلك يومه وعامة ليلته، فلما نام الحرس قال لها: إني ذاهب إلي أهلي، فشدّي عليك الخباء، فإذا جاء رسول الله فقولي: هو نائم، فإذا أبوا إلا أن يرقظوني فقولي: قد رجع غلي أهله، وأرسلني إلي الملك برسالة، فإن ذهبوا بك إليه فقولي له: يقول لك أحيحة: اغدر بقينة أودع، ثم انطلق فتحصن في أطمه الضحيان، فأرسل تبع من جوف الليل إلي الأزياد فقتلهم، وأرسل إلي أحيحة ليقتله فقالت القينة: هو راقد، وترددوا إليها مراراً، ثم قالوا: لتوقظنَّه أو لندخلنَّ عليك، قالت: إنه قد رجع إلي أهله، وأرسلني إلي الملك برسالة، فذهبوا بها إليه، وأبلغته الرسالةـ فجرّد له كتيبة فحاصروه ثلاثاً، فكان يقاتلهم بالنهار، ويرميهم بالنبل والحجارة، ويرمي إليهم في الليل بالتمر فقالوا للملك: بعثنا إلي رجل يقاتلنا بالنهار، ويضيفنا بالليل! فتركه، وأمرهم أن يحرقوا نخلهـ وشبت الحرب بين أهل المدينة وبين تبَّع، فبينا يريد تبَّع إخراب المدينة أتاه حبران من اليهود، فقالا: أيها الملك انصرف من هذه البلدة فإنها محفوظة، وإنها مهاجر نبي من بني إسماعيل اسمه أحمد يخرج من هذا الحرم، فكفَّ عن أهلها. إلي هنا كلام "الأغاني" باختصار.
والأكم بضمتين: جمع أطمة، بفتحات، وهي حصون لأهل المدينة، والضحيان، بفتح الضاد المعجمة وسكون الحاء المهملة بعدها مثناة تحتية: اسم حصن لأحيحة، وله حصن آخر اسمه المستظل.