الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صيفي، وقيل: الحارث، وقيل: عبد الله، وقيل: صرمة، وقيل غير ذلك، واختلف في إسلامه، فقال أبو عبيد القاسم بن سلام في ترجمة ولده عقبة بن أبي قيس: له ولأبيه صحبة. وذكر عبد الله بن محمد بن عمارة بن القداح بأسانيد عديدة: كان أبو قيس يحض قومه على الإسلام، وذلك بعد أن اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وسمع كلامه، وكان يتأله في الجاهلية ويدعي الحنيفية، وكان يقول: ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد بن عمرو بن نفيل، وكان يذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يهاجر إلى يثرب، وشهد وقعة بعاث، وهو يوم للأوس على الخروج، وكانت قبل الهجرة بخمس سنين. وزعموا أنه لما حضره الموت أرسل إليه النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول له:(قل لا إله إلا الله، أشفع لك بها) فسمع يقول ذلك، وقيل: قال: والله لا أسلم إلى سنة، فمات قبل الحول على رأس عشرة أشهر من الهجرة بشهرين. وقد جاء عن ابن إسحاق أنه هرب إلى مكة، فأقام بها مع قريش إلى عام الفتح. انتهى باختصار، وعلى هذا، فكان ينبغي لابن حجر أن لا يذكره في القسم الأول، وهم الذين جزم بصحبتهم.
وكون هذا الشعر له جزم به الدينوري، وصاحب (الأغاني) ونسبه الزمخشري في (شرح شواهد الكتاب) إلى أبي قيس بن رفاعة الأنصاري، ونقله السيوطي عنه. وأقول: لم يوجد في كتب الصحابة من يقال له: أبو قيس بن رفاعة، وإنما الموجود قيس بن رفاعة، وهو واحد أو اثنان أورده ابن حجر في (الإصابة).
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الستون بعد المائتين:
(260)
لذ بقيسٍ حنين يأبى غيره
…
تلفه بحرًا مفيضًا خيره
على أن غيرًا بنيت على الفتح لإضافتها إلى مبنى وهو الضمير مع أنها فاعل
يأبى. واختار ابن مالك في شرح (التسهيل) أن حركات هذه الأسماء التي ادعي البناء فيها إعرابية، قال: لأن الإضافة فيها قياسية، فلا ينبغي أن تكون سبب بناء، لأنها من خصائص الأسماء، فحقها أن تكف سبب البناء وتغلبه، لأنها تقتضي الرجوع إلى الأصل، والسبب الكائن معها يقتضي الخروج عن الأصل، وما يدعو إلى مراجعة الأصل راجع على ما يدعو إلى مفارقته. وإذا ثبت هذا، وجب توجيه ما أوهم بناء غير، وشبهه بالإضافة إلى مبنى بما لا يخالف الأصول، ويؤول:(ما جاء غيرك) على (ما جاء جاءٍ غيرك) فحذف جاء، وانتصب غيرك على الحال، أو على الاستثناء. و (لم يمنع الشرب منها مانع غير أن نطقت) وسوغ الحذف وهو فاعل، لأنه بعد النفي والعموم فيه مقصود، وحذف مثل هذا بعد النفي والنهي كثير، فمنه:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) أي: ولا يشرب شارب ومثله قول الراجز:
ما سار في سبل المعالي سيره
…
ولا كفى في النائبات غيره
أي: ما سار سائر ولا كفى كاف. ومثله:
فأن كان لا يرضيك حتَّى تردَّني
…
إلى قطريٍ لا إخالك راضيا
أي: لا يرضيك مرض. وقال تعالى: (ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل
الله أمواتًا) [آل عمران/ 169] في قراءة الياء، أي: ولا يحسبن حاسب انتهى المقصود منه.
وما قاله في الرجز لا يتأتي له في قوله
…
لذ بقيس حين يأبى غيره
إلا أن يؤوله حين لا يمتنع إلا غيره. وقال أبو حيان: وما ذهب إليه من حذف الفاعل ونحوه منزع كوفي وليس مذهب البصريين. انتهى. وقال تلميذه ناظر الجيش: هذا عجيب من الشيخ، فإن المصنف استدل على حذف الفاعل بعد النهي بالآية الشريفة، وبعد النفي بالحديث الشريف، فكان الواجب أن يجيب عن الاستدلال المذكور، ولا شك أن ما استدل به ظاهر الدلالة في المراد لا دافع له، فوجب القبول! انتهى.
وقوله: لذ بقيس
…
إلخ، لذ: فعل أمر من لاذ به يلوذ، أي: تحصن بقيس، ويأبى: يمتنع، وفي بعض الروايات (ينأى) أي: يبعد، وتلفه: جواب الأمر، وهو مضارع ألفاه، أي: وجده، قيل: ويجوز أن يكون بالقاف، وخيره: مفعول مفيض.
تم بعونه تعالى الجزء الثالث
ويليه
الجزء الرابع وأوله
الإنشاد الواحد والستون
بعد المائتين