الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان أخاك، أخاك: اسم إن، حيث: خبر إن، وأبوك رفع بالراجع من كان، والتقدير: إن أخاك في المكان الذي فيه أبوك، وإذا قيل: إن حيث أبوك قائم أخاك جالس، نصب الأخ بـ "إن"، وجالس: خبر إن، ورفع قائم بالأب، وحيث نائبة عن محلين: أحدهما صلة لجالس، وهو الأسبق، وآخرهما صلة قائم، ويجوز: إن حيث أبوك قائمًا أخاك جالس، الأخ وجالس على ما كانا عليه في الجواب الأول، وقائمًا نصب على الحال من أبيك، وحيث متضمنة لمحلّين: أولهما صلة جالس، وآخرهما رافع للأب. ويجوز: إن حيث أبوك قائمًا أخاك جالسًا، أخاك: اسم إن، وحيث: خير إن وهي رافع الأب، وقائمًا: حال الأب، وجالسًا حال الأخ. ويجوز: إن حيث أبوك قائم أخاك جالسًا، أخاك: اسم إن، وحيث متضمن محلين: أولهما خبر إن، وآخرهما صلة قائم، وقائم رفع بأبيك، وجالسًا نصب على الحال من أخيك. وإن فتحت ثاء حيث، وأضيفت قيل: إن حيث أبيك قائمًا أخاك جالس، وجالسًا، على التفسير المتقدم، وإذا قيل: إن حيث زيد ضربت عمرًا، ففيها وجهان؛ رفع زيد وصب عمرو، ونصب زيد وعمرو، فعلى الأول أبطل إن في ظاهر الكلام، ونصب عمرًا بضربت، ورفع زيدًا بحيث، لنيابة حيث عن محلين، أسبقهما يطلبه الضرب وآخرهما يرفع زيدًا، وتقديرها: إن في المكان الذي فيه زيد ضربت زيدًا، والكسائي يقول: ليس لإن اسم ولا خبر، لأنها مبطلة عن ضربت، إذ لم تكن من عوامل الأفعال، والبصريون يضمرون الهاء مع إن، ويجعلون الجملة الخبر، والفراء يقول: ضربت، سد مسد ضاربًا، انتهى ما أورده أبو حيان.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الموفي المائتين:
(200)
ببيض المواضي حيث وليِّ العمائم
وصدره:
ونطعنهم حيث الحبا بعد ضربهم
على أن إضافة حيث إلى المفرد نادرة، وليّ: مجرور بإضافة حيث إليه، وهو مصدر لوى العمامة على رأسه، أي: لفَّها، ومكان لفِّ العمائم هو الرأس؛ وكذا قوله: حيث الحبا، حيث: مضافة إلى الحبا، وهو مفرد والمراد بالمفرد هنا ما ليس جملة، والحبا: مجرور بكسرة مقدرة، لأنه مقصور، وهو جمع حبوة، وهو ما يحتبى به. ووقع في نسخ "شرح الكافية" للرضي:"الكلى" بدل الحبا، وبروايته تمم الدماميني المصراع الثاني، وهو جمع كلية، والمراد على الروايتين الأوساط، والمشهور الرواية الأولى عند شراح "المفصل" ورواه ابن المستوفي في "شرح شواهده" مثلهم، وقال: يجوز أن يكون مضافًا إلى الحبا على حد: حيث وليِّ العمائم، إلا أنه لا يظهر فيه الإعراب، والحبا: جمع حبوة، وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بعمامته، وقد يحتبي بيديه، وفيها ضم الحاء وفتحها، وقال الجوهري: والجمع حبأ، مكسور الأول عن يعقوب، والذي أنشده شخنا البحراني وكتبه بخطه: الحبا: بضم الحاء وبالألف، وهذا البيت لا يحسن أن يكون من باب ما يفتخر به، لأنهم إذا ضربوهم مكان لي العمائم ولم يموتوا، واحتاجوا إلى أن يطعنوهم مكان الحبا، وعادة الشجاع أن يأتي بالضرب بعد الطعن؛ فهذا منهم جبان خائف غير متمكن من قتل قرنه،
وإنما الجيد قول بلعاء بن قيس من بني ليث بن كنانه:
وفارس في غمار الموت منغمس
…
إذا نألّى على مكروهه صدقا
غشيته وهو في جاواء باسلة
…
عضبًا أصاب سواء الرأس فانفلقا
بضربة لم تكن منّي مخالسة
…
ولا تعجَّلتها جبنًا ولا فرقا
فانظر كيف وصف قرنه بما وصفه به: ووصف موضعه وبالغ في وصفهما، [ووصف ضربته بما يدل على جرأته وشجاته. انتهى. ووقع في رواية العيني:"ونطعهم تحت الحبا". وبه كمل السيوطي] المصراع قال العيني: إن حيث لم يضف فيه إلى جملة فيكون معربًا، ومحله النصب على الحالية، قال السيوطي: بل على الظرف لضرب، فإنها ظرف مكان كما أن تحت ظرف مكان لنطعنهم.
انتهى. فسلم كونها معربة، ورد كونها حالًا، لأن المعنى لا يقتضي الحالية، وإنما المعنى على الظرف.
ولم يفهم ابن الملا كلام العيني فزيفه بأن قوله مردود، إذ لا معنى لجعل إعرابها محليًّا مع الحكم عليها بأنها معربة، فإن مراد العيني ما نقله المصنف عن أبي الفتح من أنها إذا أضيفت إلى مفرد أعربت، فتكون منصوبة لفظًا على الظرفية، وعاملها المقدر منصوب على الحالية، كما قالوا مثله في: رأيت الهلال بين السحاب، وقد صرح العيني به قبل هذا عند قوله:
أما ترى حيث سهيل طالعًا
إلا أنه لم يصب في الحالية، كما أنه لم يصب في شرح "بيض المواضي" في قوله: البيض بفتح الباء: الحديد، والمواضي: السيوف، أراد ضربهم بحديد السيوف في رؤوسهم. انتهى. وإنما البيض بالكسر: جمع أبيض، وهو السيف والماضي: القاطع، كما جوزه ثانيًا. ويأتي في شرح البيت الثاني بعد هذا النقل عن الفارسي بأن حيث عند إضافتها إلى المفرد مبنية أيضًا.
ونطعنهم: بضم العين هنا، قال صاحب "المصباح": طعنه بالرمح طعنًا من باب قتل، وطعنت فيه وعليه بالقول من باب قتل أيضًا، ومن باب نفع لغة، وأجاز الفراء يطعن في جميع معانيه بالفتح، لمكان حرف الحلق، وضربهم: مصدر مضاف إلى المفعول والفاعل محذوف، أي: ضربنا إياهم.
والبيت لا يعرف قائله، وقال أبو حيان في "تذكرته": أنشده ابن أسد الفارقي في كتاب "الإبانة" من تأليفه شرحًا لـ"لمع" ابن جني. واعلم أن
الزمخشري قال في "المفصل": وقد روى ابن الأعرابي عجزه: "حيث لي العمائم"، قال التاج التبريزي في "شرح الكافية الحاجبية": إنما لم ينشد البيت بتمامه للاختلاف في صدره، فبعضهم رواه كما تقدم، وبعضهم قال: البيت إنما هو:
ونحن سقينا الموت بالشام معقلًا
…
وقد كان منهم حيث ليّ العمائم
انتهى. وقال ابن المستوفي: وما أنشده ابن الأعرابي فقد قال الأندلسي: وجدت أنا تمامه في بعض حواشي [المفصل] وهو:
ونحن قتلنا بالشَّام مغفّلًا
…
وقد كان منَّا حيث لي العمائم
قال: ولا أعلم صحته، وأوله على ما أنشدنيه شيخنا محمد بن يوسف البحراني:
ونطعنهم حيث الحبا بعد ضربهم
…
البيت
وأقول: البيت الذي رواه ابن الأعرابي غير ذلك، قال الصاغاني في "العباب": وروى ابن الأعرابي بيت كثير.
وهاجرة يا عزُّ يلطف حرُّها
…
لركبانها من حيث ليّ العمائم
نصبت لها وجهي وعزَّة تتَّقي
…
بجلبابها والسِّتر لفح السَّمائم
ويروى: "من تحت لوث العمائم". انتهى. ولعل الزمخشري لم ينشده لرجحان الرواية الثانية عنده.
تتمة: قال المصنف بعد إنشاد المصراع: والكسائي يقيسه. قال الدماميني في "المزج": ويمكن أن يخرَّج عليه قول الفقهاء: من حيث أن كذا، بفتح همزة أن، والأولى عندي أن يخرج على أن حيث مضافة إلى الجملة على الجادّة، وأن ومعمولاها بتأويل مصدر هو مبتدأ تلك الجملة، والخبر محذوف، وحذف خبر المبتدأ بعد حيث غير عزيز، هذا كلامه.
وأقول: لم يسمع في كلام العرب إضافة حيث إلى الجملة المصدرة بأن، وقد سأل بعضهم عن هذه المسألة الإمام العلامة تاج الدين أيا اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي البغدادي نزيل الشام، فقال: هل يجوز أن تلي "حيث" إن المكسورة، أو أنّ المفتوحة؟ وهل ورد في أشعار العرب وقوع إنّ وأنّ بعدها، أو ذكر علماء العربية ذلك في كتبهم أو لا؟ ولمَ وجب إضافتها إلى الجملة، وهي ظرف مكان، وظروف المكان لا تضاف إلا إلى المفرد؟ فأجاب بقوله: هذه المسألة لم يرد فيها نص عن علماء العربية من طريق الرواية، ولا تضمنتها كتبهم المطولة ولا المختصرة، ولا وردت أشعار العرب البتة فيما علمته وسمعته، على أن أبا علي الفارسي ذكر حيث في باب مفرد لها من كتابه المسمى "كتاب الشعر في أبيات الإعراب المسوقة على كتاب الإيضاح" ولم يعرض لإضافتها إلى إن المكسورة، ولا إلى المفتوحة البتة، ولو أن من ينكر جواز إيلائها "أن" يستدلُّ بعدم ورودها في كلامهم وأشعارهم، وأنها لو كانت جائزة لم يخل السماع منها؛ لكان ذلك وجهًا واضحًا ودليلًا كافيًا، وسأذكر فيها ما هو متعلق بها، وخاص بالسؤال عنها من غير خروج إلى ذكر شيء من بقية وجوهها المذكورة، لئلا يتشعب الكلام إلى غير جواب السؤال:
أما وجوب إضافتها إلى الجملة، وهي ظرف مكان على خلاف ما هو الواجب لها ولأمثالها من ظروف المكان؛ فلأنهم لما شبوها بحين، ألزموها الإضافة إلى الجملة البتة، ولم يضيفوها إلى المفرد تارة وإلى الجملة أخرى كيوم وليلة ونحوهما، لأنهم أرادوا توكيد هذا المعنى وتمكينه فيها، ولو أضافوها تارة إلى الجملة، وأخرى إلى المفرد، مع ما ذكرنا من كونها ظرف مكان، ومن شرط ظروف المكان أن لا تضاف إلى الجملة؛ لقلَّ تمكنها في الإضافة، ولجاز أن لا يعرف في أكثر الأحوال حال إضافتها إليها، لما ذكرنا من كونها ظرف مكان، ولكن لما عرض فيها ما ذكرنا، احتاطوا لها في تمكين هذا المعنى فيها، بأن اقتصروا بها على الإضافة إلى الجملة البتة، ليقوى العلم بما آثروه فيها من مشابهتها في ذلك لحين، ويكثر اللفظ بها مضافة إلى الجملة، ليتحقق الداخل بالعرض والتشبيه فيها، ولهذا قال أبو علي: وقد زعم الأخفش أن حيث قد تكون اسمًا للزمان، وأنشد:
للفتى عقل يعيش به
…
حيث تهدي ساقه قدمه
فجعل حيث حينًا. انتهى كلامه. وليس ذلك إلا لقوة شبه "حيث" بحين، فهذا وجه لزومها ما ليس لها بحق الأصل، ولا لأمثالها، وخروجها عن قياس نظائرها. ولمّا لم يجز في حين ولا في نظائرها المضافة إلى الجملة أن تليها "أن" وكانت حيث بمشابهتها لها قد نقلت من أصلها إليها، وأعطيت حكمها؛ وجب أن لا يجوز إيلاؤها أن البتة حملًا لها عليها. واعلم أن إضافة حيث إلى الجملتين
ليست على حد المساواة بين الفعلية والاسمية، بل الفعلية أولى بها، وهي الأصل فيها، والاسمية فرع عليها فيها، وذلك من أجل طلبها للفعل كما تطلبه إذا، وتتضمن معنى الشرط والجزاء على ما ذكره سيبويه فيها وفي "إذا" في صدر "الكتاب" في "باب ما ينتصب في الألف" فليطلب من هناك. فحيث من هذا الوجه بمنزلة حرف الاستفهام في أنها بالفعل أولى، مثل إذا، إلّا أن الألف أولى منها بالفعل من أجل أنهما اسمان
يجب لهما بحق الاسمية أن يليهما الاسم، فلا يقويان في طلب الفعل قوة حرف الجزاء، وأما مشابهة حيث لحرف الجزاء، فلأنهما تطلب الجواب وتصلح للمستقبل على ما ذكره سيبويه في الباب المذكور، ولهذا المعنى جوزي بها مع "ما" في قولهم: حيثما تكن أكن، ففيها هذا المعنى الذي يقربها من حرف الجزاء، إلا أن إذا أقرب منها، لكونها موضوعة للاستقبال كحرف الجزاء، فالجملة الفعلية أولى بها من هذا الوجه، ثم يليها الجملة الاسمية مجردة من الدواخل عليها، لتكون على مساواة الجملة الفعلية ووزانها، وإذا كان الأمر فيها على ما بينَّا فوقوع إن بعدها لا يجوز بما يحدثه دخولها فيه من المباينة وفقد المساواة بين الجملتين، وذلك أنها تحدث بدخولها تضمن معنى استئناف الكلام بعدها، والانقطاع عما تقدمها. وأعلم أنه لا يمتنع أن يعمل ما بعد المبتدأ فيما قبله، كقولك: يوم الجمعة أنت ذاهب، وذلك لقوة المبتدأ وتصرفه، لأنه نظير الفاعل في قوته، فلذلك صلح أن يقع موقع الخبر، ويتقدمه الخبر كقولك: في الدار زيد، ولا يجوز مثل ذلك مع دخول إن، لضعف الحرف عن منزلة المبتدأ، ولهذا ليس كل موضع يصلح أن يقع فيه المبتدأ والخبر، يصلح أن تقع إن فيه. هذا قول الخليل وسيبويه، وعليه الاعتماد، وبما شذ فيه قول ضعيف فهو مردود على قائله، أو محمول على الشذوذ الذي لا يعتد به.
ومن مسائل "الكتاب" قولهم: كما أنت هنا، أجاز سيبويه وقوع المبتدأ