الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتمثيله بما ورد في الحديث يدل على أنه أراد في الاستثناء، وقد اختلف النحويون في جواز دخول ما المصدرية على حاشا في الاستثناء، فمنع من ذلك سيبويه، قال سيبويه: لو قلت: أتوني ما حاشا زيداً، لم يكن كلاماً، وأجاز ذلك على قلة، وقد سمع ذلك من كلامهم، ومن ذلك قول الشاعر: رأيت الناس ما حاشا قريشاً
…
البيت. انتهى. وأخطأ العيني في زعمه أن: "ما" في البيت نافية، كما في الحديث على تخريج المصنف، فإن مراد الشاعر تفضيل قومه على ما عدا قريشاً، لا على قريش أيضاً. ورأيت: علمت، والمفعول الثاني محذوف، أي: دوننا، وجوز الدماميني أن يكون جملة: فإنا نحن .. إلى آخره، والفاء زائدة، وفيه نظر، لأنه كان يجب فتح إن، لوقوعها موقع المفعول، وليس هذا مما يجب أن يكون جملة، وزعم العيني، وتبعه السيوطي أن رأيت من الرأي، ولهذا اكتفى بمفعول واحد، وأقول: هذا لا معنى له، فتأمل. والفعال بفتح الفاء، قال ابن الشجوي في "أماليه": هو كل فعل حسن من حلم أو سخاء أو إصلاح بين الناس أو نحو ذلك، فإن كسرت فاءه صلح لما حسن من الأفعال، وما لم يحسن.
قال العيني، وتبعه السيوطي: إنه للأخطل من قصيدة، وقد راجعت ديوانه مراراً فلم أجده فيه، والله أعلم.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والثمانون بعد المائة:
(183)
ولا أرى فاعلاً في النَّاس يشبهه
…
ولا أحاشي من الأقوام من أحد
على أن أحاشي فيه ليس مضارع "حاشا" الاستثنائية، قال أبو حيان في "شرح التسهيل": وقوله: وليس "أحاشي" مضارع حاشي المستثنى بها، خلافاً للمبرد، استدل المبرد على فعلية حاشا بقول النابغة: ولا أرى فاعلاً
…
البيت. قال المصنف في الشرح: هذا غلط، لأن حاشا إذا كانت فعلاً، وقصد بها الاستثناء؛ فهي واقعة موقع إلا، ومؤدبة معناها، فلا تتصرف، كمالا تتصرف عدا وخلا وليس ولا يكون، بل هي أحق بمنع التصرف، لأن فيها مع مساواتها للأربع شبهاً بحاشا الحرفية لفظاً ومعنى، وأما أحاشي فمضارع حاشيت، بمعنى: استثنيت، وهو فعل متصرف مشتق من لفظ حاشا، كما اشتق سوفت من لفظ سوف، ولوليت من لفظ لولا، ولاليت من لفظ لا، وأيهت من لفظ إيها، وأمثال ذلك كثيرة. انتهى.
والبيت من قصيدة طويلة للنابغة الذبياني، مدح بها النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وتنصل بها عما قذفوه به، وهي من القصائد الاعتذاريات، وتقدم شرح أبيات منها في الإنشاد الثالث والعشرين، وشرح أبيات أخر منها في الإنشاد الواحد والتسعين. وبعده:
إلَاّ سليمان إذ قال إلا له له
…
قم في البريَّة فاحددها عن الفند
وقوله: ولا أحاشي، أي: لا أستثني أحداً ممن يفعل الخير، فأقول: حاشا فلان. ومن زائدة، وقوله: إلا سليمان؛ هذا استثناء من قوله: من أحد، أو بدل من موضع أحد، والمراد به سليمان بن داود عليهما السلام. وقوله: إذ قال الإله له، يريد: لكونه نبياً، وإنما خصه بالذكر لأنه كان له الملك مع النبوة، يريد: لا يشبه أحد ممن أوتي الملك إلا سليمان بن داود. وقوله: فاحددها، أي: امنع البرية، والحد: المنع، والفند، بفتح الفاء والنون: