الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي ذكره من علة الامتناع هو ما نقله عن الفارسي، وهو ما يلزم من تهيئة حتى للعمل في الاسم من
حيث
هو مفرد، ثم قطعها عنه، ولأنه يلزم إعمال العامل المعنوي، وترك العامل اللفظي مهيئًا للعمل، واللفظي أقوى من المعنوي وعممتهم، بالخطاب، أي: شملتهم، بالندى متعلق به، والندى: العطاء، والغواة: جمع غاوٍ، من الغواية، وهو الضلال، والرشد بفتحتين: كالرشاد، وهي الاهتداء.
حيث
أنشد فيه، وهو الإنشاد الثامن والتسعون بعد المائة:
(198)
لدى حيث ألقت رحلها أمُّ قشعم
على أن حيث قد تخفض بغير "من"، فإنها هنا قد خفضت بإضافة لدى إليها، قال أبو حيان في "الارتشاف": إنها جرت "بمن" كثيرًا، وبـ "في" شاذًا، نحو:
فأصبح من حيث التقينا شريدهم
وبـ "على"، قال:
سلام بني عمرو على حيث هامكم
والباء، نحو:
كان منّا بحيث يعكى الإزار
وبإلى نحو:
إلى حيث ألقت رحلها أمُّ قشم
وأضيف لدى إليها في قوله: "لدى حيث ألقت رحلها أم قشم". انتهى.
وقال في "تذكرته": وقد تخرج عن الظرفية فتصير مبتدأ ويدخل كأنّ. قال: وإذا قيل: حيث نلتقي طيب؛ حكم على حيث بالرفع، لأنه اسم المكان الذي خبره طيب، وهو نائب عن موضعين أسبقهما محدود، خبره طيب، وآخرهما مجهول ناصبه نتتقي، تلخيصه: الموضع الذي نلتقي فيه طيب، قال الشاعر:
كأن حيث تلتقي منه المحل
…
من جانبيه وعلان ووعل
ثلاثة أشرفن في طود عتلّ
أنشد هذا الشعر هشام وقال: ثلاثة خبر كأن. انتهى. وقال أبو علي في "كتاب الشعر": أنشد بعض البغداديين:
كأن منها حيث تلوي المنطقا
…
حقفا نقًا مالًا على حقفي نقا
وقال: جعل حيث اسمًا. فإن قلت: إن حيث إنما جاء اسمًا في الشعر،
وقد يجوز أن تجعل الظروف أسماء في الشعر؛ فالقول: إن ذلك قد جاء اسمًا في غير الشعر نحو ما حكيناه عن قطرب، وقد حكى أحمد بن يحيى عن بعض أصحابه أنهم قالوا: هي أحسن الناس حيث نظر الناظر، يعني الوجه. انتهى. قال أبو حيان في "تذكرته" بعد إنشاد هذا البيت عن أبي علي: حيث: اسم كأن، وحقفا: الخبر، وهذا يؤذن بجواز استعمال حيث مبدأ، فيقال: حيث نجلس طيب، وحيث نجلس نقوم، أي: مكان جلوسك مكان قيامنا. انتهى.
والمصراع من معلقة زهير بن أبي سلمى، وقبله:
لعمري لنعم الحيُّ جرَّ عليهم
…
بما لا يواتيهم حصين بن ضمضم
وكان طوى كشحًا على مستكنَّة
…
فلا هو أبداها ولم يتقدَّم
وقال سأقضي حاجتي ثمَّ أتّقي
…
عدوّي بألف من ورائي ملجم
فشدَّ ولم تفزع بيوت كثيرة
…
لدى حيث ألقت رحلها أمُّ قشعم
لدى أسد شاكي السّلاح مقذَف
…
له لبد أظفاره لم تقلَّم
جريء متى يظلم يعاقب بظلمه
…
سريعًا وإلا يبد بالظلم يظلم
أراد بالحي: حي مرة من بني ذبيان، وجر: فعل ماض من الجريرة، وهي الجناية، ويواتيهم: يوافقهم، وحصين بن ضمضم: ابن عن النابغة الذبياني، وكانت جنايته أنه لما اصطلحت قبيلة ذبيان مع قبيلة عبس، امتنع حصين هذا من الصلح، واستتر من القبيلتين، لأن ورد بن حابس العبسي كان قتل هرم بن ضمضم، وهو أخو حصين، فحلف حصين لا يغسل رأسه حتى يقتل وردًا أو رجلًا منهم، ثم أقبل رجل من بني عبس، فنزل بحصين بن ضمضم، فلما علم أنه عبس قتله، فكاد الصلح ينتقض، فسعى بالصلح، وتحمل الدية الحارث بن عوف وهرم بن سنان
المريّين، ولهذا مدحهم زهير بقوله: لنعم الحي
…
وقد تكلمنا على هذه القصيدة، وعلى سببها في الشاهد السادس والخمسين بعد المائة من شواهد الرضي. وقوله: وكان طوى كشحًا .. إلخ، اسم كان ضمير حصين، والكشح: الخاصرة، يقال: طوى كشحه على كذا، أي: أضمره في نسفه، والمستكنة: المستترة، أي: أضمر على غدرة مستترة، وقوله: فلا هو أبداها، أي: ما أظهر الغدرة المسكنّة، ولا تقدم فيها قبل الصلح. وقد شرحنا هذين البيتين بأوفى مما هنا في الشاهد السادس والأربعين بعد المائتين من شواهد الرضي.
وقوله: وقال سأقضي حاجتي .. إلخ، فاعل قال: ضمير حصين، وحاجته: ما كان أضمره في نفسه من قتل عبسي، وورائي، أي: أمامي، وملجم: يروى بكسر الجيم، أي: بألف فارس ملجم فرسه، ويروى بفتح الجيم، أي: بألف فارس ملجم، وأراد بها فرسانها، قال الأعلم: أي: سأدرك ثأري، ثم أتقي عدوي بألف فارس، أي: أجعلهم بيني وبين عدوي، يقال: اتقاه بحقه، أي: جعله بينه وبينه. وجعل ملجمًا على لفظ ألف فذكره، ولو كان في غير الشعر لجاز تأنيثه على المعنى. انتهى.
وقوله: فشدَّ، أي: حمل حصين على ذلك الرجل العبسي فقتله، ولم تفرع بيوت كثيرة، أي: لم يعلم أكثر قومه بفعله، وأراد بالبيوت أحياء وقبائل، يقول: لو علموا بفعله لفزعوا، أي: لأغاثوا الرجل العبسي ولم يدعوا حصينًا يقتله، وإنما أراد زهير بقوله هذا أن لا يفسدوا صلحهم بفعل حصين. وقوله: حيث ألقت رحلها، أي: حيث كان شدة الأمر، يعني موضع الحرب، وأم قشعم: كنية الحرب، ويقال: كنية المنّية، والمعنى: أن حصينًا شد على
الرجل العبسي فقتله بعد الصلح، وحين حطَّت رحلها الحرب وسكنت، ويقال: هو دعاء على حصين، أي: عدا على الرجل بعد الصلح، وخالف الجماعة، فصيره الله إلى هذه الشدة، ويكون معنى ألقت رحلها على هذا: ثبتت وتمكنت، هذا كلام الأعلم في "شرح الأشعار الستة" وتفزع على روايته بالبناء للفاعل، وقال التبريزي في شرح المعلقة: معناه: شد على عدوه وحده فقتله، ولم تفزع العامة بطلب واحد، وإنما قصد الثأر، أي: لم يستعن على قتله بأحد، ونقل صعوداء في "شرح ديوان زهير" عن قوم: أن أم قشعم على هذه الرواية هي أم حصين، أي: فلم تفزع البيوت التي بحضرة بيت أمه، لأنه أخذ ثأره، فلدى على قول الأعلم ظرف متعلق بشدَّ، وعلى قول صعوداء يكون لدى متعلقًا بمحذوف على أنه صفة ثابتة لبيوت، أو حال منه، وروى الزوزني:"ولم يفزع بيوتًا" على أن فاعله ضمير حصين، وقال أي: لم يتعرض لغيره عند ملقى رحل المنية، وملقى الرحال: المنزل، لأن المسافر يلقي به رحله، أي: أثاثه ومتاعه، أراد: عند منزل المنية، وجعله منزل المنية لحلولها فيه، فعلى هذا يكون لدى متعلقًا بـ "يفزع" مضارع فزع بمعنى أغاث أو علم، والمشهور رواية:"فشد ولم ينظر بيوتًا كثيرة" فيكون فاعل ينظر ضمير حصين، ثم اختلفوا، فرواه صعوداء بفتح أوله، وقال: لم ينظر، أي: لم ينتظر، يقال: نظرت الرجل، أي: انتظرته، وعلى هذا يكون المعنى: لم ينتظر حصين أن ينصره قومه على أخذ ثأره، وروى أبو جعفر: ولم ينظر، يضم أوله وكسر ثالثه، وقال: معناه: لم يؤخر حصين أهل بيت قاتل أخيه في قتله، لكنه عجل فقتله، فيكون ينظر مضارع
أنظره بمعنى أمهله وأخره، وعلى هذين الوجهين يكون لدى متعلقًا بشد، وكذلك على قول من فسر أم قشعم بالعنكبوت، وهو أبو عبيدة، أو بالضبع، كما نقله صعوداء، ويكون المعنى: فشد على صاحب ثأره بمضيعة من الأرض. قال صعوداء: أم قشعم عند الأصمعي: الحرب الشديدة، ومن جعلها العنكبوت أو الضبع فمعناه: وجده بمضيعة فقتله. وقال ابن الأثير في "المرصع": أم قشعم هي: المنية، والداهية، والحرب، والنسر، والعنكبوت، والضبع والذئب واللبوة، وفسر بأحد هذه الأشياء قول زهير: لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم. هذا كلامه.
وقوله: أسد شاكي السلاح .. إلخ. هذا البيت في الظاهر غير مرتبط بما قبله، ولا يعرف متعلق لدى أسد، وقد فحصت عنه فلم أجد من ربطه بما قبله، مع أنه من أبيات علم المعاني، أورد شاهدًا جواز الجمع بين التجريد والترشيح، وقد رجعت إلى "معاهد التنصيص" للعباسي، فلم أر فيه غير هذه الأبيات، ولم يتكلم عليها بشيء، ففزعت إلى قريحتي، وأعملت الفكرة، فأرشدني الله إلى وجهه، وهو أن لدى أسد متعلق بألقت رحلها على تفسير أم قشعم بالحرب، ومعنى ألقت رحلها: حطت رحلها الحرب وسكنت، فيكون الإلقاء عبارة عن السكون والهدوء، كما قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقرَّ بها النَّوى
…
كما قرَّ عينًا بالإياب المسافر