الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأحيحة بن الجلاح: بضم الهمزة وبالحاءين المهملتين، والجلاح: بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره حاء مهملة، وكان أحيحة سيد الأوس في الجاهلية، وكانت أم عبد المطلب بن هاشم تحته، والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة صحابي شهد بدراً، وقتل يوم بئر نعونة، وقد بسطنا الكلام علي هذه الأبيات، وعلي الأطم، وعلي ترجمة أحيحة بن الجلاح في الشاهد السابع والعشرين بعد المائتين من شواهد الرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والعشرون بعد المائتي:
(224)
على م تقول الرُّمح يثقل عاتقي
…
إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرَّت
علي أن على فيه للتعليل، كذا في "شرح التسهيل" لابن مالك، قال أبو حيان: هذا مذهب الكوفيين والقتبي، واستدلوا بقول الراعي:
رعته أشهراً وخلا عليها
…
فطار النَّيُّفيها واستغاراً
أي: خلا لها، وتأوله البصريون علي تضمين "خلا" معني وقف، لأنه إذا خلا لها فقد وقف عليها، يصف إبلا سمنت بسرعة، والنَّنيُّ: الشحم. انتهي.
والبيت من أبيات لعمرو بن معدي كرب، أوردها أبو تمام في "الحماسة" وهي:
ولما رأيت الخيل زوراً كأنَّها
…
جداول زرعٍ أرسلت فاسبطرَّت
فجاشت إليَّ النَّفس أوَّل مرَّةٍ
…
فردَّت علي مكروهها فاستقرَّت
علام تقول الرُّمح يثقل عاتقي
…
إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرَّت
لحى اله جرماً كلّما ذرَّ شارق
…
وجوه كلاب هارشت فاز بأرَّت
فلم تغن جرم نهدها إذ تلاقيا
…
ولكنَّ جرماً في اللَّقاء ابذعرَّت
ظللت كأنَّي للرِّماح دريَّة
…
أقاتل عن أبناء جرمٍ وفرَّت
فلو أنَّ قومي انطقتني رماحهم
…
نطقت ولكنَّ الرَّماح أجرَّت
هذا ما في "الحماسة" وفي ديوانه أكثر من هذا، قال الطبرسي في "شرح الحماسة" إن جرماً ونهداً، وهما قبيلتان من قضاعة، كانتا من بني الحارث بن كعب، فقتلت جرم رجلاً من أشراف بني الحارث، فارتحلت عنهم، وتحولت في بني زبيد، فخرج بنو الحارث يطلبون بدم أخيهم، فالتقوا فعبأ عمرو جرماً لنهد، وتعبأ هو وقومه لبني الحارث، ففرت جرم واعتلت بأنها كرهت دماء نهد، فهزمت يومئذ بنو زبيد، فقال عمرو هذه الأبيات يلومها، ثم غزاهم بعد فانتصف منهم.
وقواه: زوراً: جمع أزور، وهو المعوجّ الزّور – بالفتح – أي: الصدر، يقول: رأيت الفرسان منحرفين للطعن، وقد خلَّوا أعنة دوابّهم، وأرسلوها علينا كأنها أنهار زرع أرسلت مياهها فاسبطرت، أي: امتدتـ والتشبيه وقع علي جري الماء في الأنهار لا علي الأنهار، فكأنه شبه امتداد الخيل في انحرافها عند الطعن بامتداد الماء في الأنهار، وهو يطرد ملتوياً ومضطرباً، وهذا تشبيه بديع. وقوله: فجاشت، أي: ارتفعت من فزع، وهذا ليس لكونه جباناً، بل هذا بيان حال النفس، ونفس الجبان والشجاع سواء فيما يدهمها عند الوسية
الأولي، ثم يختلفان، فالجبان يركب نفرته، والشجاع يدفعها قيثبت.
قال أبو عبيدة: قال عبد الملك بن مراوان: وجدت فرسان العرب سنة نفر ثلاثة منهم جزعوا من الموت عند اللقاء ثم صبروا، وثلاثة لم يجزعوا، قاله عمرو: فجاشت إليّ النفس أول مرة .. البيت، وقال ابن الإطنابة:
وقولي كلَّها جشأت وجاشت
…
مكانك تحمدي أو تستريحي
وقال عنترة:
إذ يتَّقون بي الأسنَّة لم أخم
…
عنها ولكنّي تضايق مقدمي
فأخبر هؤلاء الثلاثة أنهم هابوا ثم أقدموا. وقال عامر بن الطفيل:
أقول لنفسٍ ما أريد بقاءها
…
أقلّي المراح إَّنني غير مدبر
وقال قيس بن الخطيم: وزإني في الحرب الضَّروس موكَّل
…
بإقدام نفس ما أريد بقاءها
وقال العباس بن مرادس:
أشدُّ علي الكتيبة لا أبالي
…
أحتفي كان فيها أم سواها
فأخبر هؤلاء أنهم لم يجزعوا.
والفاء زائدة، وجاشت: جواب لما، أو هي عاطفة، والجواب محذوف، أي: طاعنت فجاشت، كذا قالوا، وهذا تعسف نشأ من أبي تمام، فإنه حذف بين الجواب اختصاراً كعادته، ولكن كان اللازم لشراحه مراجعة الأصل، والجواب هو قوله:
هتفت فجاءت من زبيد عصابه
…
إذا طردت فاءت قريباً فكرَّت
وقوله: علام تقول، على: متعلقة بتقول، وما: استفهامية، ولهذا حذف ألفها، والعاتق: ما بين المنكب والعنق، وهو موضع الرداء، وقد أورده المصنف في شرحه شاهداً علي إعمال "تقول" عمل "تظن".
قال ابن جني في "إعراب الحماسة": يروى برفع الرمح وبنصبه، فأما الرفع فعلى ظاهر الأمر، وأمّا النصب فعلى استعمال القول بمعنى الظن، وذلك مع استفهام المخاطب، وأمّا إذا وإذا في البيت؛ فكل واحدة منهما محتاجة إلي ناصب هو جوابها، وشرحه: أن إذا الأولى جوابها محذوف، كأنه قال: إذا أنا لم أطعن وجب طرحي الرمح عن عاتقي، فدله قوله: علام تقول الرمح .. الخ، على ما أراده، وإذا الأولى وما ناب عن جوابها في موضع جواب إذا الثانية، كأنه قال: إذا الخيل كرت وجب إلقائي الرمح مع تركي الطعن به، وقال التبريزي: إذا الأولي: ظرف ليثقل، والثانية: ظرف لأطعن، وهذا أسهل وأقرب من قول ابن جني، قال الجواليفي في شرح خطبه "أدب الكاتب"قال قوم: يقال: طعن بالرمح يطعن، بضم العين، طعناً وطعن عليه في علم أو نسب أو ما أشبهه يطعن – بفتح العين – طعناناً، وينشدون قول الشاعر:
وأبي ظاهر الشَّناءة إلاّ
…
طعناناً وقول مالا يقال
وقال آخرون: يطعن ويطعن طعناً وطعناناً فيها [جميعاً] قال الكسائي: لم أسمع أحداً من العرب يقول: يطعن بالرمح ولا في الحسب، إنما سمعت يطعن، وقال الفراء: سمعت أنا: يطعن بالفتح. انتهي.
وقوله: لحى الله: أصل اللحي نزع قشر العود، دعا عليهم بالهلاك، وذرَّت الشمس: طلعت، وشارق: الشمس، ووجوه منصوب عليالشتم، والهراش: المهارشة بالكلاب: وهو تجريش بعضها علي بعض وازبأرّت: انتفشت حتى ظهر أصول شعرها وتجمعت للوثب، وهذه الحالة أشنع أحوال الكلاب، وهذا تحقيق للمشبه وتصوير لقباحة منظره، شبه وجوههم بوجوه الكلاب في هذه الحالة.
وقوله: فلم تغن جرم .. الخ، أي: لم تقوم جرم نهداً بل فرت منها، انهزمت، وصطلت نهد بنار الحرب، ومسَّت حاجتها إلي من ينصرها، وأضاف "نهدها" إلي ضمير جرم، لأن اعتمادهم كان عليها، واعتقادهم الاكتفاء بها. هذا كلامه، وهو ناشئ عن عدم الالتفات إلي منشأ الشعر، وإضافة نهد إلى ضمير جرم للملابسة، فإن جرماً أعدت لمقاتلة نهد، كما أم زبيداً أعدت لمقاتلة بني الحارث.
وقوله: ظللت كأني .. الخ، أي: بقيت نهاري منتصباً في وجوه الأعداء، والطعن يأتي من جوانبي أذب عن جرم، والدرّية: هي الحلقة التي يتعلم عليها الطعن، وأما الدريئة، بالهمز، فهي الدابة التي يستتر بها من الصيد، يقال: درأتها