الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس يأتيك منهيها/ قد قال: ليس بآتيتك الأمور، وحينئذ جاز أن يقول: ولا قاصر عنك مأمورها، ويكون المأمور مضافاً إلى ضمير الأمور، وعند سيبويه وغيره: أن المضاف إلى الشيء إذا كان بعضاً له، جاز أن يجعل الخبر عن بعضه على لفظ الخبر عن جميعه، فمن ذلك قولهم: قد ذهبت أصابعه، ومثل هذا فعل سيبويه في البيت، كأنه لما كان يريد المنهي، ولو قال: وليست بآتيتك الأمور وهو يريد المنهي، لجاز. إلى هنا كلام ابن خلف. والله أعلم.
وأنشد بعده وهو الإنشاد الثاني والثلاثون بعد المائتين:
(232)
وما أصاحب من قومٍ فأذكرهم
…
إلّا يزيدهم حبًّا إليًّ هو
على أن ابن مالك قال: أصله يزيدون أنفسهم، فحذف أنفس فصار: يزيدونهم حبًا إليَّ هم، فـ"هم" الأخيرة: فاعل، وهم الأولى في الأصل: مضافًا إليه، أو "أنفس" المحذوف هو المفعول المضاف، و"هم" في المواضع الثلاثة: ضمير قوم الشاعر، ولا يجوز أن يكون هم في يزيدهم مفعولًا، وهم الأخيرة فاعلًا.
قال ابن مالك في "شرح التسهيل": وظن بعضهم أن هذا جائز في غير الشعر، لأن قائله لو قال: يزيدونهم، لصح، فيجعل المتصل هو الواو فاعلًا، والمنفصل توكيدًا، وهذا وهم، لأن ذلك جمع بين ضميرين متصلين لمسمى واحد، أحدهما فاعل والآخر مفعول، وذلك لا يكون في غير فعل قلبي. انتهى.
قال أبو حيان: الذي ظنه هذا الظان صحيح، وما رد به المصنف فاسد، لأنه اعتقد أن الفاعل بيزيد هو المفعول به، وليس كذلك، بل الفاعل بيزيد عائد على قوم، "وهم" المتصل بيزيد عائد على من سبق ذكره في الشعر من الذين فارقهم، فاختلف مدلولا الفاعل والمفعول. انتهى. وهذا هو الحق لا شبهة فيه، وإليه أشار ابن عصفور في كتاب "الضرائر" قال: ومنه وضع ضمير الرفع المنفصل بدل ضمير الرفع المتصل، نحو قول المرّار بن منقذ:
لم آت بعدهم حيًّا فأخبرهم
…
إلّا يزيدهم حبًّا إليَّ هم
يريد: إلا يزيدونهم حبًا إلي، فوضع الضمير المنفصل، وهو: هم، موضع الضمير المتصل، وهو: الواو، للضرورة، وقول طرفة:
أصرمت حبل الحي أم صرموا
…
يا صاح بل صرم الحبال هم
يريد: بل صرموا الحبال، فوضع أيضاً الضمير المنفصل موضع الضمير المتصل لما اضطر إلى ذلك. انتهى.
وقول المصنف: فغن مراده أنه ما بصاحب قوماً .. الخ، أراد به معنى البيت وإيضاح المراد منه، كصنيعه في شرح أبيات الناظم قال: معنى البيت أنه ما يصاحب من بعد قومه قوماً، فيذكر قومه، إلا يزيد أولئك القوم قومه حبًا إليه، إمًا لما يرى من تقاصرهم عن قومه، أو لما يسمع منهم من الثناء عليهم، والذكر على الأول بالقلب، وعلى الثاني باللسان، ويشهد للأول أنه يروى:"فأخبرهم".
ويجوز في: فأذكرهم، و: فأخبرهم، الرفع عطفًا على أصحاب، والنصب في جواب النفي، لأن انتقاض النفي إنما هو بالنسبة إلى المعمول، ونظيره: ما تأتينا فتحدثنا إلا في الدار. انتهى. وبما ذكرنا تدفع مناقشة الدماميني بأنه قدر في البيت ما لا دليل عليه، لأنه قدر "لهم" بعد فأذكرهم، وقدر "ثناءهم" على قومه، ليكون ذلك سببًا لزيادتهم إياه حبًا في قومه، وهو في غنية عن ذلك، إذ يجوز أن يكون المراد أنه إذا صاحب قوماً فذكر قومه، أي: تذكرهم، زاد هؤلاء القوم المصاحبون قومه حبًا إليه، لما يشاهده من انحطاط مرتبة هؤلاء عن مرتبة قومه، ففيه إشارة إلى فضل قومه على كل من يصاحبه من الأقوام. انتهى.
فإن قصد
إيضاح المعنى لا بيان المقدر فيه.
قال المصنف: وزعم أبو حيان أن ابن مالك حرف صدر عذا البيت، وأن صوابه:
لم ألق بعدهم حيًّا فأخبرهم
ولا مستند له في ذلك، إلا أنه وجده في "حماسة أبي تمام" هكذا، والذي أورده ابن مالك هو رواية ابن قتيبة في "طبقات الشعراء" ورواه المبرد أيضًا كذلك. انتهى. والحي: القبيلة، وخبرت الشيء أخبره، من باب قتل؛ بمعنى علمته، والاسم: الخبر، بالضم.
والبيت من قصيدة طويلة للمرَّار بن منقذ العدوي، تقدم شرح أبيات منها مع ترجمته في الإنشاد الثاني والخمسين، وهذه أبيات من أولها إلى الشاهد:
لا حبَّذا أنت يا صنعاء من بلدٍ
…
ولا شعوب هوًى مني ولا نقم
ولن أحبَّ بلادًا قد رأيت بها
…
عنسًا ولا بلدًا حلَّت به قدم
إذا سقى الله أرضًا صوب غاديةٍ
…
فلا سقاهنَّ إلّا النّار تضطرم
وحبَّذا حين تمسي الرِّيح باردًة
…
وادي أشيٍّ وفتيانٌ به هضم
الحاملون إذا ماجرَّ غيرهم
…
على العشيرة والكافون ما جرموا
والمطعمون إذا هبَّت شاميًة
…
وباكر الحيَّ من صرَّادها صرم
وشتوةٍ فلَّلوا أنياب لزبتها
…
عنهم إذا كحلت أنيابها الأزم
حتّى انجلى حدُّها عنهم وجارهم
…
بنجوةٍ من حذار الشَّرِّ معتصم
هم البحور عطاءً حين تسألهم
…
وفي اللِّقاء إذا تلقى بهم بهم
وهم إذا الخيل جالوا في كواثبها
…
فوارس الخيل لا ميلٌ ولا قزم
لم ألق بعدهم حيَّا فأخبرهم
…
إلّا يزيدهم خبًّا إليَّ هم
كم فيهم من فتًى حلٍو شمائله
…
جمِّ الرَّماد إذا ما أخمد البرم
قال التبريزي: صنعاء مدينة اليمن، وشعوب، بفتح الشين، ونقم، بضم النون والقاف: موضعان باليمن، وعنس بفتح العين، وسكون النون، وقدم، بضم القاف وفتح الدال: حيتان باليمن، وأشيّ: بضم الألف وفتح الشين المعجمة، وتشديد الياء؛ قال أبو عبيد البكري: هو
واد أو جبل في بلاد [بني] العدوية من بني تميم، وقال عمر بن شبة: بلد قريب من اليمانة، وأنشد هذا البيت، وهضم، بضمتين: جمع هضوم، وهو الذي ينفق في الشتاء، أي: حبذا هم في برد الشتاء إذا اشتد الزمان، لأنهم يطعمون فيه، والحاملون: من الحمالة، بالفتح، وهو الدية التي يحملها قوم عن قوم، وجرَّ: من الجريرة، وهي الجناية، وجرم فلان: أذنب كأجرم والاسم: الجرم بالضم، قال التبريزي: وشآمية انتصب على الحال. أقول: يريد أن فاعل هبت الريح المفهومة من المقام، ويجوز رفع شآمية على الفاعل، أي: إذا هبت ريح شآمية، وهي المنسوبة إلى الشام. والصرد: جمع صارد، من صرد، كفرح: وجد البرد سريعًا، والضمير للريح. وصرم، بكسر ففتح: جمع صرمة، وهو القطع، وأصله في أقطاع الإبل، وشتوة: أي: رب شتوة، وفلّلوا: كسروا، ةاللزبة، بفتح اللام وسكون الزاي بعدها موحدة: السنة المجدبة، وجعل الأنياب مثلًا لشدائدها. والكلوح: بدوّ الأسنان عند العبوس، والأزم، بضم الألف والزاي: جمع أزوم، من أزم يأزم أزمًا؛ إذا عض بالفم كله عضًا شديدًا، وأزم العام: اشتد قحطه، والنجوة: المكان المرتفع لا يبلغه السيل، صربه مثلًا للملجأ الذي التجؤوا إليه في فنائهم حذارًا من الشر، وعطاء: تمييز أو مفعول له، واللقاء: ملاقاة الأقران في الحرب، وبهم: بضم ففتح جمع بهمة، بضم فسكون، وهو: الشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى من شدة بأسه. والكاثبة: أعلى الظهر من الدابة، وميل: جمع أميل، وهو الذي لا يثبت على ظهر الفرس، وهو خبر مبتدأ محذوف، أي: لاهم ميل، وفزم،