الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد هذا أبيات كثيرة. وقد ذكرنا سبب حبسه مجملاً في الإنشاد الواحد والثلاثين بعد المائة، مع ترجمته من أنه كان قتل ابن عمه، وما خرج من الحبس إلا عند القود قصاصًا. وقد ذكرنا قصته مبسوطة في الشاهد الخمسين بعد السبعمائة مع شرح القصيدة من"شوهد الرضي".
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السابع والأربعون بعد المائتين:
(247)
أكثرت في اللَّوم ملحًّ دائما
…
لا تكثرن إنِّي عسيت صائما
على أن مجيء خبرها اسمًا مفردًا أقل مما تقدم. قال المصنف في"شرح أبيات بن الناظم": طعن في هذا البيت عبد الواحد الطراح في كتابه"بغية الآمل ومنية السائل" فقال: هو بيت مجهول، لم ينسبه الشراح إلي أحد، فسقط الاحتجاج به، ولو صحَّ ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتًا من كتاب سيبويه، فغن فيه ألف بيت قد عرف قائلوها، وخمسين بيتًا مجهولة القائلين، انتهى. أقول: الشاهد الذي جهل قائله إن أنشده ثقة كسيبويه وابن السراج والمبرد ونحوهم، فهو مقبول يعتمد عليه، ولا يضر جهل قائله، فإن الثقة لو لم يعلم أنه من شعر من يصح الاستدلال به ما أنشده. ومراد عبد الواحد
أنه لم ينسبه
الشراح إلي أحد ممن أنشده من الثقات، أو إلي قائل معين يحتج بكلامه.
ثم قال المصنف: وقد حرف ابن الشجري هذا الرجز فأنشده:
قم قائمًا قم قائما
…
إنِّي عسيت صائما
وإنما"قم قائمًا" صدر رجز آخر يأتي في باب الحال يأتي في باب الحال، ولا يتركب قوله:
"إنيّ عسيت صائمًا" عليه، بل أصله:
أكثرت في العذل ملحًّا دائما
…
لا تكثرن إنِّي عسيت صائما
فإن معناه: أيها العاذل الملحُّ في عذله، إنه لا يمكن مقابلة كلامك بما يقابله من السب، فإنني صائم. وهو مقتبس من الحديث:"فليقل إني صائم" ويروي: "لا تلحني" مكان "لا تكثرون" وهو بفتح التاء، يقال:
لحيته ألحاه لحيًا: إذا لمته، والشاهد في قوله:"صائمًا" فإنه اسم مفرد جيء به خبرًا ل"عسى" كذا قالوا،
والحق خلافه، وإن"عسى" هنا فعل تام خبري، لا فعل ناقص إنشائي، يدلك على أنه خبري وقوعه خبرًا
ل"إن" ولا يجوز بالاتفاق: إن زيدًا هل قائم? وأن هذا الكلام يقبل التصديق والتكذيب! وعلى هذا فالمعنى: إني رجوت أن أكون صائمًا، فصائمًا خبرًا ل"كان" وأن والفعل مفعول ل"عسى"، وسيبويه يجيز حذف أن والفعل إذا قويت الدلالة على المحذوف، ألا ترى انه قدر في قوله:"من لد سولاً": من لد
أن كانت سولاً، ومن وقوع عسى فعلا
خبريًا قوله تعالى: {هلْ عَسَيْتُم إنْ كُتِبَ عَلْيكُم القتالُ أنْ لا تُقاتِلوا} [البقرة/246] ألا ترى أن الاستفهام طلب، فلا يدخل على الجملة الإنشائية، وأن المعنى: فقد طمعتم أن لا تقاتلوا إن كتب عليكم القتال. وما يحتاج إلي النظر قول القائل: "عسى زيد أن يقوم" فإنك إن قدرت عسى فيه فعلاً إنشائيًا،
كما قال النحويون، أشكل، إذ لا يسند فعل الإنشاء إلا إلي منشئه، وهو المتكلم، كبعت واشتريت وأقسمت وقبلت وحررتك، وأيضًا فمن المعلوم أن زيدًا لم يترج وأن المترجي المتكلم، وإن قدرته خبرًا
كما في البيت والآية، فليس المعنى على الإخبار، ولهذا لا يصح تصديق قائله ولا تكذيبه، فإن قلت: نخلص من هذا الإشكال أنهم نصوا على أن"كان" وما أشبهها أفعال جارية مجرى الأدوات، فلا يلزم فيها حكم سائر الأفعال؛ قلت: قد اعترفوا مع ذلك بأنها مسندة، إذ لا ينفك الفعل المركب عن الإسناد إلا إن كان زائدًا أو مؤكدًا، على خلاف في هذين أيضًا. وقالوا: إن"كان" مسندة إلي مضمون الجملة، وقد بينا أن الفعل الإنشائي لا يمكن إسناده لغير المتكلم، وإنما الّذي يخلص من الإشكال أن يدعّى أنها هنا حرف بمنزلة لعل، كما قال سيبويه والسيرافي بحرفيتها في نحو: عساي وعساك وعساه. وقد ذهب أبو بكر وجماعة إلي أنها حرف دائمًا، وإذا حملناها على الحرفية زال الإشكال؛ إذ الجملة الإنشائية حينئذ
اسمية لا فعلية، كما تقول: لعل زيدًا يقوم فاعرف الحق ودع التقليد، واستفت نفسك وإن أفتاك الناس.
هذا آخر كلام المصنف، وهو غاية في التحقيق الّذي لا يبقي في النفس شبهة، والله أعلم.
وقال أبو حيان في" تذكرته": جمد عسى لأن الترجي في الحقيقة راجع إلي نفس المتكلم لا إلي المخبر عنه، وعسى قريب المعنى من لعل، وهو حرف لأن كلاً منهما يدل على تجويز الفعل وتوقع حدوث منه، من أجل ذلك أدخلوا عسى على"لعل" في نحو: