الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشعار قبائل العرب، البيت الأول من رواية أبي زيد مع بيت آخر، ونسبها إلي الحريش العنبري، وهما:
يا أيُّها المتخلّي غير شيمته
…
إنَّ التَّخلُّق يأتي دونه الخلق
إنَّ ابتداعك ما لم تأته صلف
…
ومن خليقتك الإخلاف والملق
ونسب ابن قتيبة في كتاب "الشعراء" البيت الأول مركباً مع بيتين مسبوقين ببيت إلى العرجي، وهو عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان، وكان ينزل بموضع قبل الطائف يقال له: العرج، فنسب إليه وهو أشعر بني أمية، وهي:
سمَّيتني خلقاً لخلَّةٍ قدمت
…
ولا جديد إذا لم يلبس الخلق
يا أيُّها المتحلّي غير شيمته
…
ومن خلائقه الإقصار والملق
ارجع إلى خلقك المعرف ديدنه .. إنَّ التَّخلُّق يأتي دونه الخلق
انتهي، والله أعلم بحقيقة الحال.
وسالم بن وابصة من الطبقة الأولى من التابعين، كان شاباً في خلافة عمر، وكأن والي الرقة ثلاثين سنة، ومات في آخر أيام هشام بن عبد الملك.
وأنشد بعده وهو الإنشاد السابع والعشرون بعد المائتين:
(227)
أبي الله إلاّ أنَّ سرحه مالكٍ
…
علي كلَّ أفنان العضاه تروق
على أن ابن مالك قال في "شرح التسهيل": علي فيه زائد، لأن راق متعدية مثل أعجب، تقول: راقني حسن الجارية، وأعجبني عقلها، وفي الحديث:"من حلف علي يمي" والأصل: حلف يميناً، قال النابغة:
حلفت يميناً غير ذي مثنويّةٍ
انتهي. وزيّفة المصنف بأن راقه الشيء بمعنى أعجبه، لا معنى له هنا، لأن علي إذا كانت زائدة يكون مجرورها مفعول تروق، فيكون حاصل البيت: إن شجرة مالك العظيمة تعجب أغصان شجرة العضاه، وهذا لا معنى له، وإنما المراد تعلو علي سائر غصون الغطاه، قال الدماميني: قلت: وفي "الصحاح" أن حميداً كنى بالسرحة عن امرأة، وإذا كان كذلك أمكن أن تكون أفنان الغضاه كناية عن نسوة أخر، فيصح إسناد الإعجاب إليهن، فيبقي تروق على معناه من غير تضمين، وعلى الجملة فالبيت محتمل ولا سبيل إلي الجزم بكونه دليلاً علي زيادة على فيه. انتهي.
وتزييف المصنف مأخوذ من كلام أبي حيان، قال في "شرح التسهيل": ولا دليل لابن مالك فيما استدل به، لأنه يحتمل التضمين، فضمن تروق معنى
تفضل وتشرف، وأيضاً فنسبة إعجابها كل أفنان العضاه لا يصح إلاّ بمجاز بعيد، لأن الأفنان لا تعجب، فلو قلت: أعجبت شجرتك هذا الشجر، لم يصح إلا بتكلف جعل الشجر منزلاً منزلة العاقل حتى يصير يعجب، وأما من "حلف علي يمين" فإن صحَّ أنه لفظ الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو مضمن معني جسر بالحلف علي يمين. انتهي.
والجيد أن يؤول الحلف بالمحلوف عليه، وقال ناظر الجيش: ما ذكره الشيخ من التضمين لا يدفع ما قاله المصنف من الزيادة، غاية الأمر أن الذي ذكره توجيه آخر، وأما نص سيبوية على أن على لا تزاد، فيحمل على أن مراده أنها لا تزاد في الأشهر والأغلب، ولا يمنع ذلك من أنها قد يندر زيادتها، هذا كلامه، وتعسفه ظاهر، وابن مالك تابع لابن عصفور، فإنه حكم في كتاب "الضرائر" بزيادة على في هذا البيت ضرورة، أو تابع لابن السيد في توجيه كلام ابن قتيبة في "أدب الكاتب" فإنه حكم بزيادتها في البيت، قال في شرحه: ومعنى تروق: تعجب، وإنما جعل على في هذا البيت زائدة، لأن راق يروق لا تحتاج في تعدِّية إلي حرف جر، إنما يقال: راقني الشيء يروقني، فالمعنى: تروق كل أفنان، وقد يجوز أن يقدر في البيت محذوف، كأنه قال: أبي الله إلا أن أفنان سرحة مالك، وقد يكون قوله: علي كل أفنان العضاه، في موضع خبر أن، كما تقول: أبى الله إلا أن فضل زيد علي كل فضل، أي: ظاهر علي كل فضل، ويكون "تروق" خبراً ثانياً لـ "أنَّ" أو في موضع نصب على الحال، فالأفنان على هذا القول جمع فنن، وهو الغصن، وعلى القول
الذي حكاه ابن قتيبة، وهو قول يعقوب، ينبغي أن يكون جمع فنّ، وهو النوع، كأنه قال: تروق كل أنواع العضاه، وقد يمكن أن يقدر في صدر البيت من الحذف ما ذكرناه، فتكون الأفنان الأغصان، كما أنه لا يجوز في القول الثاني أن تكون الأفنان الأنواع، ولا تقدر محذوفاً.
والبيت لحميد بن ثور الهلالي، والسرحة: شجرة من العضاه تطول في السماء، وجمعها سرح، وظلها بارد في الحرّ يستظل بها من الحر، ولذلك قال الشاعر:
فيا سرحة الركبان ظلَّك بارد
…
وماؤك عذب لو يباح لشارب
والسرحة في هذا البيت وبيت حميد كناية عن امرأة وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه عهد إلى الشعراء أن لا يشبب رجل منهم بامرأة، وتوعدهم على ذلك، فكان الشعراء يكنون عن النساء بالشجر وغيرها، ولذلك قال حميد قبل هذا البيت:
سقى السَّرحة المحلال والأبرق الذي
…
به الشَّري غيث دائم وبروق
وهل أنا إن علَّلت نفسي بسرحةٍ
…
من السَّرح موجود عليَّ طريق
إلي هنا كلام ابن السيد. وروى الجواليقي في "شرح أدب الكاتب" البيت الأول: "سقى السرحة المحلال بالبهو التي" .. وقال: السرحة: شجرة من شجر العضاه، قال بعضهم: السرحة هنا بأرض بني هلال، وهي:
مبدئ من مبادئهم، ومنزل من منازلهم وليست بها سرحة أضخم منها، والمبدى: ما تباعد من الماء، وكنى بها عن امرأة، والعرب تكني بالسرحة عن المرأة، والمحلال: الذي يختار للنزول، والبهرة: أرض لينة سهلة واسعة، والشري: شجر الحنظل، ولا ينبت إلا بأطيب الارض، ويروى: "بها السرح، والدجن: إلباس الغيم السماء، ويقال: هو الغيم، ويقال: المطر، وقيل: ظلمة الليل وظلمة الغيم، وهو أحسن الأقوال، وقوله: سرحة مالك، يعني: امرأة مالك، والعضاه: كل شجر من شجر البر له شوك، وتروق: تفضل، [وإنما جعل أفنانها تفضل] أفنان العضاه، لأن العضاه لها شوك، والسرحة لا شوك لها، ولذلك سميت سرحة لسولتها، ولأن منبتها السهل، روي أن عمر بن الخطاب لما نهي الشعراء أن يشببوا بالنساء كنى عنها بالسرحة. انتهي.
وحميد بن ثور: صحابي من بني هلال بن عامر، وقال الأصفهاني في كتاب "الأغاني": حميد بن ثور عبد الله بن عامر بن ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر، وهو من شعراء الإسلام، وقرنه ابن سلام بنهشل بن حرَّي وأوس ابن مغراء، وقد أدرك الجاهلية أيضاً. وأخبرني وكيع قال: حدثني عبد الله ابن أبي سعد، وعبد الله بن شبيب قالا: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحرامي قال: حدثنا محمد بن فضالة النحوي قال: تقدم عمر بن الخطاب إلي الشعراء أن لا ينسب رجل بامرأة إلا جلده، فقال حميد بن ثور، وكانت له صحبة، فذكر شعراً فيه: