الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى حاصل من غير حذف، لأن لهوك بالآنسة في ذلك اليوم وتلك الليلة ظفر بها وتمتع، انتهى، وقد أطنب أبو حيان بنقل الخلاف وأطاب.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع بعد المائتين:
(209)
فويق جبيل شامخ لن تناله
…
بقنَّته حتَّى تكلَّ وتعملا
على أن تصغير جبيل للتقليل، قال الدماميني: التصغير في كل من فويق وجبيل راجع إلى التقليل، ولا يجوز أن يراد به التحقير، لمنافاة وصفه بما ذكر للحقارة، انتهى.
وعند الكوفيين: التصغير في هذا البيت والذي بعده للتعظيم، قال الرضي في "شرح الشافية": قيل: يجيء التصغير للتعظيم، فيكون من باب الكناية، يكنى بالصغر عن بلوغ الغاية، لأن الشيء إذا جاوز حده جالس ضده، وقريب منه قول الشاعر:
دويهية تصفرُّ منها الأنامل
ورد بأن تصغيرها على حسب اعتقاد الناس لها، وتهاونهم بها، إذ المراد بها الموت، أي: يجيئهم ما يحتقرونه، مع أنه عظيم في نفسه تصفر منه الأنامل، واستدل بقوله: فويق جبيل
…
البيت، ورد بتجويز كون المراد دقة الجبل وإن كان طويلًا، وإذا كان كذا فهو أشد لصعوده، انتهى.
وقال ابن يعيش: للتصغير معان ثلاثة: تحقير ما يتوهم أنه عظيم كرجيل، وتقليل ما يتوهم أنه كثير كدريهمات، وتقريب ما يجوز أن يتوهم أنه بعيد، كبعيد العصر وقبيل الفجر، وأضاف الكوفيون تصغير التعظيم، كقوله: دويهية تصفر منها الأنامل، والمراد تعظيم، إذ لا داهية أعظم من الموت، وقال الآخر: فويق جبيل
…
البيت، قال: جبيل، ثم قال: شاهق الرأس، وهو العالي، فدل على أنه أراد تفخيم شأنه، وهذا ليس من أصول البصريين، وجميع ما ذكروه راجع إلى معنى التحقير فأما قولهم: دويهية، فالمراد أن أصغر الأشياء قد يفسد الأمور العظام، فحتف النفوس قد يكون بصغير الأمر الذي لا يؤبه له، وأما: فويق جبيل، فالمراد أنه صغير العرض دقيق الرأس شاق المصعد، لطوله وعلوه، انتهى، وكذا قال ابن السكيت في شرح البيت، قال: يقول: هو صغير العرض ذاهب في السماء، وهو أشد لصعوده، ويروى: سامق الرأس، وشاهق الرأس، وشامخ الرأس، والجميع واحد، انتهى.
والبيت في وصف نبعة قوس، من قصيدة ذكر فيها انواع سلاحه، قال بعد ستة أبيات من أولها:
وإنِّي امرؤ أعددت للحرب بعد ما
…
رأيت لها نابًا من الشَّرِّ أعصلا
أصمَّ ردينيَّا كأنَّ كعوبه
…
نوى القسب عرَّاصًا مزجَّى منصَّلا
وأبيض هندَّيًا كأنَّ غراره
…
تلألؤ برق في حبي تكلَّلا
ومبضوعة من رأس نبع شظية
…
بطود تراه بالسَّحاب مجلَّلا
على ظهر صفوان كأنَّ متونه
…
عللن بدهن يزلق المتِّنزلا
يطيف بها راع يجشِّم نفسه
…
ليكلئ فيها طرفه متأمِّلا
فلاقى أمرًا من ميدعان وأسمحت
…
قرونته بالبأس منها وعجَّلا
فقال له هل تذكونَّ مخبِّرًا
…
يدلُّ على غنم ويقصر معملا
على خير ما أبصرتها من بضاعة
…
لملتمس بيعًا بها أو تبكُّلا
فويق جبيل
…
البيت
فأصر ألهابًا من الطَّود دونها
…
يرى بين رأسي كلِّ نيقين مهبلا
فأشرط فيها نفسه وهو معصم
…
وألقى بأسباب له وتوكَّلا
وقد أكلت أظفاره الصَّخر كلَّما
…
تعيا عليه طول مرقى تسهَّلا
فما زال حتَّى نالها وهو معصم
…
على موطن لو زلَّ عنه تفصلا
فلمَّا نجا من ذلك الكرب لم يزل
…
يمظِّعها ماء اللِّحاء لتذبلا
فلمّا قضى ممّا يريد قضاءه
…
وصلَّبها حرصًا عليها فأطولا
أمرَّ عليها ذات حدِّ دعا لها
…
رفيقًا بأخذ بالمداوس صيقلا
فجردها صفراء لا الطُّول عابها
…
ولا قصر أزرى بها فتعطَّلا
ثم وصفها بعشرة أبيات فقال:
فذاك عتادي في الحروب إذا التظت
…
وأردف بأس من حرب وأعجلا
قوله: وإني امرؤ أعددت، أي: هيأت عدة، وأعصل، بمهملتين، أعوج، قال ابن السكيت في شرحه: يقول: هي حرب قدمت وأسنت، فهو أشد لها، وقوله: أصم ردينيا
…
إلخ، هو مفعول أعددت، والأصم: المصمت الذي لا جوف له، أي: رمحًا أصم، والرمح الرديني: منسوب إلى ردينة، بالتصغير وهي امرأة كانت تقوم الرماح، وكان زوجها سمهر أيضًا يقوم الرماح، ويقال لرماحه: السمهرية، قال ابن السكيت: الكعب: الأنبوب، ويسمون العقدة كعبًا، وهو المراد هنا، والقسب:[تمر] يابس، نواه ضامر صلب، والعراص بمهملات: الشديد الاضطراب، والمزجي: الذي له زج، بضم الزاي وتشديد الجيم، وهي الحديدة التي في أسفل الرمح تغرز في الأرض، والمنصل: الذي جعل له نصل، وهو السنان.
ثم وصف الرمح بأبيات أخر، وقال: وأبيض هنديًا
…
الخ، معطوف على أصم، أي: وأعددت أيضًا سيفًا هنديًا، والغرار، بكسر المعجمة: حد السيف، والحبي: ما حبا من السحاب، أي: ارتفع وأشرف، وتكلل السحاب صار بعضه فوق بعض، وهو أشد لإضاءة البرق.
ثم وصف السيف بأبيات، وقال: ومبضوعة؛ معطوف على أصم أيضًا، أي: وأعددت قوسًا مبضوعة، أي: مقطوعة، والفرع: أعلا الشجر، والشظية، بفتح الشين وكسر الظاء المعجمتين: الشقة والفلقة، وهي صفة لمبضوعة، والباء في بطود: متعلقة بمحذوف حال من رأس فرع، وجملة تراه: صفة لطرد،
والرؤية بصرية، ومفعولها الهاء الراجعة إلى طود، ومجللًا: حال من الهاء، وهو اسم مفعول من جلله بمعنى غطاه وألبسه، وبالسحاب متعلق به.
وقوله: على ظهر صفوان
…
الخ قال ابن السكيت: يقول نبتت على حجر يزلق الرجل المتنزل لملاسته، وعللن: سقين مرة بعد مرة، وقوله: يطيف بها راع
…
الخ، قال ابن السكيت: يطيف بهذه القوس المبضوعة راع، أي: حافظ، ليجعل طرفه كالئًا يحفظ منها منظرًا، والكالئ: الحافظ، وقوله: فلاقى امرًا من ميدعان، قال ابن السكيت: فعجل به اليأس، أي: لم يتحبس به اليأس، هذا الذي رآها لاقى امرًا من ميدعان، وهي حي من اليمن من أزد السراة، وقد استشعر اليأس منها، فاستشار الآخر، فقال: هل تذكر رجلًا يصيب الغنم، ويقصر العمل، أي: يجيء بعمل قصير، أراد أنهما تشاورا، فدله على الذي رأي فعجلا، يقول: كأنه نسي أنه يئس منها، فلما دله عليها عجل إلى ما قال، وأسمحت قرونته وقرينته جميعًا، وهي النفس، باليأس، أي: تابعته نفسه على اليأس ولم تنازعه، وهذا مثل قولك: لقي فلان فلانا ونسي ما أتى إليه، أي: وقد نسي، انتهى كلامه.
وقوله: فقال له، هل
…
الخ، أي: هل تذكرن رجلًا يدل على غنيمة ويقصر معملًا، أي: ويقل العمل والعناء، وقوله: على خير ما أبصرتها
…
الخ، قال ابن السكيت: أي: فقال: هل تدل على خير ما أبصرتها؟ أي خير ما أبصرت من بضائع الناس، والتبكل: التغنم، يقال: تبكل، أي: تغنم، إن أراد بيعًا أو غنمًا، وقال: المتبكل الذي يباكل بها الناس، يقول لهذا: سوف أبيعك، ولهذا: سوف أعيرك، انتهى.
وقال أبو حنيفة في "كتاب النبات": ميدعان حي من أزد السراة، وهم أهل جبال شجيرة، يقول: إما لأن يبريها، وإما لأن يتخذها معاشًا لصيد أو
غزو، والتبكل: التكسب من هنا وههنا، وأصل البكل: الخلط، والقواسون يطلبون هذه العيدان العتق من مظانها، أي: من منابتها حيث كانت من السهول والوعور، ويستدلون عليها الرعاء وقناص الوعول، ويجعلون فيها الجعائل، وربما أبصروا الشجرة منها بحيث لا يستطيعه راق ولا نازل، فيتدلون عليها بالحبال في المهاوي والمهالك، كما يتدلى من يشتار العسل على الرقاب، وأخبرني بعض الأعراب قال: يطلب القواسون هذه العيدان العتق، فإن وجدوها مستحكمة اقتطوها، وإن لم تكن مستحكمة حوضوا حولها، وحملوا إليها الماء، فربما ربوها كذلك سنين حتى تستحكم، قال: وإذا وجد الرعاء منها شجرة دلوا عليها القواس، وأخذوا على ذلك ثوابًا، فقلت له: وكم يبلغ القوس عندكم؟ فقال: تبلغ إذا كانت جيدة خمسمائة درهم، وقد ذكر أوس بن حجر كل ذلك في وصفه القوس، فقال في منعة منبت عودها: ومبضوعة من الرأس فرع، إلى آخر أبيات ثلاثة، ثم ذكر استرشادها من عسى أن يدله، فقال: فلاقي امرًا من ميدعان، إلى آخر أبيات ثلاثة، ثم وصف امتناع منبتها، وتدليه عليها بالحبال: فويق جبيل شاهق الرأس، إلى آخر الأبيات.
وقوله: فويق: مصغر فوق، وهو ظرف متعلق بأبصرتها من قوله: على خير ما أبصرتها، في البيت المتقدم، والبلوغ: الوصول، وكل يكل، من باب ضرب، كلالة، أي: تعب وأعيا، ويتعدى بالألف، وتعمل: أي تجتهد في العمل، فهو مضمن معنى الاجتهاد، ولهذا لم يتعد، وأصله التعدي، يقال: عملته أعمله عملًا، من باب فرح، أي: صنعته، والاجتهاد مقدم في المعنى على الكلال، ولا مانع من تأخره لفظًا، لأن الواو لمطلق الجمع لا تفيد ترتيبًا، وروي:
"وتعملا" بضم التاء وكسر الميم، والمعنى: وتجهد نفسك أو غيرك، فالمفعول محذوف، وأصل أعمل تعديه إلى مفعولين، تقول: أعملته كذا، أي: جعلته
عاملًا له، والنيل، الإصابة والوصول إلى الشيء، وقنة الجبل، بضم القاف وتشديد النون: أعلاه، كقلّته باللام.
وقوله: فأبصر ألهابًا .. إلخ؛ جمع لهب بكسر اللام وسكون الهاء، قال الجوهري: هو الفرجة، والهواء يكون بين الجبلين، وأنشد هذا البيت، والطود: الجبل، ودونها أي: دون المبضوعة، ودون هنا بمعنى أمام، وفاعل أبصر ضمير الرجل من ميدعان، والنيق بكسر النون: المشرف من الجبل، والمهبل بفتح الميم وكسر الموحدة: الهوى والمهلك.
قال أبو حنيفة: ثم ذكر تدليه عليها بالحبال، ومخاطرته بنفسه فقال: فأشرط فيها نفسه .. إلى آخر أبيات ثلاثة، وقال ابن السكيت: أشرط نفسه: جعلها علمًا للموت، ومنه أشراط الساعة، ويقال: أشرط نفسه في ذلك الأمر، أي: خاطر بها، والمعصم والمعتصم واحد، وهو: المتعلق، أي: متعلقًا بالحبل فذلك الذي ألقى من أسباب حباله، والسبب: الحبل ويصلح أن يكون سبًا بالكسر، وقال أبو ذؤيب:
تدلَّى عليها بين سبٍّ وخيطة
فالسب: الحبل، والخيطة: الوتد. انتهى. وتوكل: اعتمد الله.
وقوله: وقد أكلت أظفاره .. إلخ، قال ابن السكيت: يتوصل من مكان، ثم ينزل بعده، وروي:"طول مرقى توصلًا" أي: توصل من مكان، إلى مكان، كقولك: اجعل هذه وصلة، وقوله: فما زال حتى نالها، قال ابن السكيت: معصم: مشفق، والموطن: الموضع الذي صار إليه، انتهى.
وتفصل: تقطع، وقوله: فأقبل لا يرجو .. إلخ، قال ابن السكيت: يقول: عسى أن أفلت وأنجو.
وقوله: فلما نجا من ذلك الكرب؛ هو الشدة، ويمظعها بالظاء المعجمة والعين المهملة، واللحاء بكسر اللام: قشعر العود، قال ابن السكيت: يمظّعها: يشربها، يقال: مظع الأديم الودك، أي: شربه، يقول: لم يزل يسقيها ماء لحائها ليكون أجود لها، ولو قشر اللحاء عنها لأفسدها.
وقوله: فلما قضى مما يريد .. إلخ، صلبها: يبسها، يقال: تمرة مصلبة، أي: يابسة، وأطول: أطال. وقوله: أمرّ عليها .. ، قال ابن السكيت: الرفيق: الحاذق، والمداوس: المصاقل، واحدها مدوس، وهو الذي يصقل به.
وقوله: فجردها صفراء، قال ابن السكيت: يقول: لو كانت قصيرة لتعطلت وكانت أصغر من أن يرمى عنها، ولم تعب من طول، فتعطل: تترك لا تتخذ قوسًا.
وقوله: فذاك عتادي .. إلخ، الإشارة للرمح والسيف والقوس، والعتاد: العدة، والتظت: التهبت.
ويعجبني قوله بعد هذا بأربعة أبيات:
وإنِّي وجدت النَّاس إلا أقَّلهم
…
خفاف العهود يسرعون التَّنقُّلا
بني أمّ ذي المال الكثير يرونه
…
وإن كان عبدًا سيِّد الأمر جحفلا
وهم لمقلِّ المال أولاد علَّة
…
وإن كان محضًا في العشيرة مخولا
وليس أخوك الدائم العهد بالّذي
…
يذمُّك إن ولّى ويرضيك مقبلا