الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والثمانون بعد المائة:
(189)
ليس العطاء من الفضول سماحةً
…
حتَّى تجود وما لديك قليل
على أن حتى فيه بمعنى "إلاّ" قال أبو حيان في "شرح التسهيل": ومثال المرادفة لـ"إلاّ أن" ما أنشده المصنف مستشهداً به على أن حتى بمعنى "إلا أن" قول الشاعر: ليس العطاء من الفضول
…
البيت. والذي ذكره معظم النحويين في معنى حتى إذا انتصب ما بعدها أن تكون للغاية أو للتعليل، فهي تنصب عندهم على أحد هذين المعنيين، وإما أن تكون بمعنى "إلا أن" فتكون للاستثناء، وذكر هذا المصنف، وقد أغنانا ابن المصنف عن الرد على أبيه في ذلك، فقال: وأرى أنك لو جعلت "إلى أن" مكان "حتى" يعني في البيت الذي أنشده والده؛ لم يكن المعنى فاسداً. انتهى. وإذا احتمل أن تكون حتى فيه للغاية، فلا دليل في البيت على أن حتى بمعنى إلا أن.
وقال ابن هشام في حديث "كل مولود يولد على الفطرة" بعد بحث كثير قال: وعندي أنه يجوز أن يكون "على الفطرة" حالاً من الضمير، و "يولد" في موضع الخبر بسبب هذه الإفادة، وحتى بمعنى "إلا أن" المنقطعة، كأنه قال: إلا أن يكون أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه، والمعنى: لكن أبواه يهوّدانه أو ينصرانه. وقد ذكطر النحويون هذا المعنى في أقسام حتى، ومنه قول امرئ القيس:
والله لا يذهب شيخي باطلا
…
حتَّى أبير مالكاً وكاهلا
المعنى: إلا أن أبير، وهو منقطع بمعنى: لكن أبي. وقال سيبويه: وأما قولهم: والله لا أفعل إلا أن تفعل، فـ"أن تفعل" في موضع نصب، وليس بمبتدأ والمعنى: حتى تفعل، وكأنه قال: أو تفعل، وقد بين أن أو تفعل إذا نصب الفعل بعدها بمعنى إلا أن؛ فهذا بيان من كلامهم. انتهى كلام أبي حيان.
وقوله: وإذا احتمل أن تكون حتى فيه للغاية، فلا دليل على أن حتى بمعنى "إلا أن" قال تلميذة ناظر الجيش: لا شك أن تقدير "إلى" يلزم منه أن يكون مقصود الشاعر أن السماحة إنما يوصف بها من كان له مال كثير، فكان يجود منه إلى أن قل ماله، ثم إنه استمر يجود مع قله ماله، والظاهر أن مقصود الشاعر: أن السماحة لا يوصف بها إلا من يجود مع كونه قليل المال في الأصل، وجاد منه ابتداء، وإذا كان كذلك، تعيّن في البيت تقدير إلا أن، وامتنع تقدير إلى أن. على أن الشيخ قال: وقال ابن هشام في حديث "كل مولود يولد على الفطرة" .. إلى قوله فهذا بيان من كلامهم، ويكفي هذا نقل الشيخ عن ابن هشام، وما ذكره ابن هشام من كلام سيبويه في صحة ما ذكره المصنف، فكيف يقول الشيخ: وإما أن يكون بمعنى إلا أن فيكون للاستثناء [ذكر] هذا المصنف، ثم يقول: وقد أغنانا ابنه عن الرد على أبيه في ذلك؟ ! . انتهى.
وقال الدماميني: الفضول: جمع فضل، وهو الزيادة، والمراد زيادات المال: وهي: ما لا يحتاج إليه منه، والسماحة: الجود، والمعنى: إن إعطاءك من زيادات مالك، لا يعد سماحة، إلا أن تعطي في حال قلة المال. والاستثناء على هذا منقطع والمصنف استظهره، مع أنه يحتمل للغاية، أي: إنّ انتفاء كون عطائك معدوداً من السماحة ممتد إلى زمن عطائك في حال قلة مالك، يثبت حينئذ أن إعطاءك من الفضول سماحة، باعتبار أن الجود مع الإقلال، يدل على أن السماحة غريزة لك، فيكون ما أعطيته مع وجود الثروة سماحة أيضاً، ويحتمل
التعليل، بأن يكون المراد بأني أحكم أن إعطاءك من الفضول ليس سماحة كي أبعثك بذلك على الجود مع الإقلال. انتهى.
قال ابن الملا: وأنت تعلم أن ظهور معنى لا ينافي احتمال غيره، وإنما ينافي الاحتمال القطع. انتهى.
وقال ابن وحيي: ولا يخفى أن الغاية والتعليل في غاية من البعد، وإن ذهب إلى معنى الغاية ولد ابن مالك. انتهى.
والبيت ثالث أبيات ثلاثة للمقنع الكندي، أوردها أبو تمام في باب الأضياف. والمديح من "الحماسة" وهي:
نزل المشيب فأين تذهب بعده
…
وقد أر عويت وحان منك رحيل
كان الشّباب خفيفة أيّامه
…
والشَّيب تحمله عليك ثقيل
ليس العطاء
…
البيت.
وكذا أوردها حسن بن صالح العدوي اليمني في كتاب "العباب شرح أبيات الآداب" وروى السيوطي البيت الأول كذا:
ذهب الشَّباب فأين تذهب بعده
…
نزل المشيب وحان منك رحيل
وأما العيني، فقد قال: هذا البيت لم أقف على قائله، ولا على تتمته.
ولا يخفى أن البيت الشاهد، لا مناسبة له بالبيتين قبله. وكأن أبا تمام حذف ما قبله المناسب له حسب اختياره، كما فعل في غيره، لكن شراحه لم ينبهوا عليه، وأنا لم أقف على شعر المقنع، من غير طريق أبي تمام.
قال المرزوقي: يقول واعظاً لنفسه: قد مسك الكبر، فأي طريق تسلك، وأي مذهب تذهب، وقد رجعت عن جهالتك، وارتدعت عن
كثير مما كنت تلابسه بغباوتك، وقرب منك التحول من دار الفناء إلى دار البقاء، وقد كانت أيام الشباب طيبة الممر خفيفة المستقر، وايام الشيب البادي كريهة الظهور ثقيلة الأعباء والحمول، فعليك بما يجمع لك إلى الحمد ذخراً، وإلى ثناء الناس وشكرهم أجراً، وأعلم أن البذل مما يفضل عنك ليس بسماحة، إنما الجود أن تعطي من قليلك، وتنفق من كفايتك. وقوله: وما لديك قليل، يجوز أن يريد: والذي لديك، ويكون "ما" مبتدأ، ولديك صلته، وقليل خيره، ويجوز أن تكون "ما" نافية، وقليل، اسمه، ولديك، خبره. والمعنى: حتى تجود بكل شيء لك، فلا يبقى قليله أيضاً. انتهى. وتبعه التبريزي والطبرسي.
قال ابن قتيبة في كتاب "الشعراء": المقنع الكندي هو محمد بن عمير، وكان من أجمل الناس وجهاً، وأمدهم قامة، وكان إذا سفر عن وجهه لقع، أي: أصيب بالعين، فكان يتقنع دهره، فسمي: المقنع، وهو القائل:
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
…
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وليسوا إلى نصري سراعاً وإن هم
…
دعوني إلى نصر أتيتم شدَّا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم
…
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
يعيِّرني بالدَّين قومي وإنَّما
…
ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
انتهى. وفي البيت الأخير دليل على جواز: عيرته بكذا، والمشهور: عيرته كذا؛ وزاد صاحب "الأغاني": وهو شاعر مقل من شعراء الدولة: الأموية، وكان له محل كبر وشرف وسودد في كنده.