الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سواء
أنشد فيه، وهو الإنشاد العشرون بعد المائتين:
(220)
فلأصرفنَّ سوى حذيفة مدحتي
…
لفتي العشِّي وفارس الأحزاب
علي أن سوى فيه بمعني القصد، قول المصنف ذكره في آخر المجلس الواحد والثلاثين "من أماليه" في فصل عقده لسوى قال: استعملوا المقصورة بمعني القصد، فقالوا: قصدت سوى فلان، أي: قصدت قصده، وهذا أغرب ما جاء فيها، قال: فلأصرفن سوى حذيفة .. البيت، أراد: قصد حذيفة، واستعملوا الممدود بمعني الوسط، ومصدراً في معني اسم [الفاعل] المشتقمن الاستواء. انتهي. فقصر ما ذكره المصنف علي المقصورة، وكذا قال صاحب "الصحاح": وقصدت سوي فلان، أي: قصدت قصده، وأنشد البيت، وكذا في "القاموس": والقصد: بمعني النحو والجهة، قال في "الصحاح": وقصدت قصده: نحوت نحوه، وقد ذكر ابن الانباري المقصورة والممدودة بمعني القصد، قال في كتاب "المقصور والممدود": قال الفراء: السوا: القصد، يمد ويقصر، أنشد في قصره: فلاصرفن سوى حذيفة .. البيت، وكذا في كتاب "المقصور والممدود" لأبي علي القالي: قال الفرا: السواء القصد، بالمد وفتح السين، وبالقصر وكسر السين. انتهي. وأورد أبو العباس أحمد بن محمد بن وَّلاد هذه الكلمة في كتابه "المقصود والممدود" ولكن بغير هذا المعني، قال سوى بمعنى غير، مكسور الأول مقصور، يكتب بالياء، وقد
يفتح أوله فيمد، ومعناه كمعنى المكسور. انتهي. ولم يتعرض لمعنى القصد أصلاً، وقال أبو علي الفارسي في "الحجة" عند قوله تعالي:(سواء أأنذرتهم): من أول سورة البقرة [الآية/6]؛ قال أبو الحسن في قوله: (مكاناً سوى) فيها أربع لغات؛ منهم من يفتح أول ويمده، ومنهم من يكسر أوله ويقصره، قال: وهاتان لغتان معروفتان، قال: ومنهم من يكسر أوله ويمده، ومنهم من يضم أوله ويقصره، وهاتان اللغتان أقل من تينك، والمضمومة الأول أعرفها، وقال:(مكاناً سوى)[طه/58] أي: عدل، وأنشد:
وإنَّ أبانا كان حلَّ ببلدةٍ سوىً بين قيس عيلان والفزر يقول: عدل، وقال في قول الشاعر:
لو تمنَّيت حليلتي ما عدتني
…
أو تمنَّيت ما عدوت سواها
يقول: ما عدوت قصدها، قال: والقصد والعدل مشتبهان، وأنشد:
ولأصرفنَّ سوى حذيفة مدحتي
…
لفتى الشعبي وفارس الأجراف
قال: يريد: لأصرفن قصده، أي: عن قصده، أو: لأصرفن إلي غيره، لأن سواء غيره، كما قال حسان:
أتانافلم نعدل سواه بغيره
…
نبي أتى من عند ذي العرش هاديا
قال: يقول: لم نعدل سوى النبي صلي الله عليه وسلم بغير سواه، وغير سواه هو هو فأما قوله:
وما قصدت من أهلها لسوائكا
فإنه عدّى قصدت باللام، وإن كان يعدّى بإلى، كما عدَّوا أوحيت وعديت بهما في نحو:(وأوحى ربك إلي النحل)[النحل/68] وفي أخري: (بأن ربَّك أوحى لها)[الزلزلة/5] وقال: (ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً)[النساء/175] و: (الحمد لله الذي هدانا لهذا)[الأعراف/43] انتهي كلام أبي علي.
ومع نقل هؤلاء الأئمة لا يلتفت إلي إنكار أبي عبيد البكري، قال في "شرح نوادر القالي": أنشد اللغويون في سوي بمعني القصد:
فلأصرفن سوى حذيفة .. البيت
وأنا أشهد أن قائل هذا البيت إنما قال: فلأصرفن إلي حذيفة مدحتي، وسوى موضوع، وأنشدوا أيضاً:
لو تمنَّيت حليلتي ما عدتني
…
البيت
وأنا أقول: إن سواها بمعني غيرها لا غير. انتهي. وكأنه لم يتأمل معني البيت، فإنه بتقدير أن يكون مدحاً لحذيفة، وليس كذلك، فإن
المدح مصروف عنه إلي فتي العشي، كما قرره أبو علي، وإذا كان كذلك لا يصح ما ادعاه، ويتعين ما قاله أئمة اللغة، وليس المعنى علي ما قاله في البيت الثاني أيضاً، فإن قولنا: ما عدوت غيرها، مفهومه: بل وعدوتها، وهذا خلاف المقصود، وإنما المراد: ما عدوت عن قصدها وجهتها، بل كانت هي التمنى، ووقعت القافية في نسخ "المعني": الأحزاب، وهذا تحريف من الكتَّاب وإنما القافية فائية، والرواية هي: الأجراف، قال جامع "ديوان قيس بن الخطيم": هو موضع، وكذلك قال ياقوت في "معجم البلدان" وهو في الأصل جمع جرف، بضم الجيم وسكون الراء، وهو الموضع الذي تجرفته السيول وأكلته من الأرض، قال أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم": الأجراف كأنه جمع جرف، وهي منازل بني مرة بن عباد بن قيس بن ثعلبة، وتسمى القاعة أيضاً، بالقاف والعين المهملة.
وليس في أول البيت فاء ولا واو، وإنما الرواية بدونهما علي الخرم. وهو أول بيت من أبيات ثماينة لقيس بن الخطيم، قال صاحب "مقاتل الفرسان": قال الأثرم: أنشد أبو عبيدة هذه القصيدة لقيس بن الخطيم، وقال: كان رجل من عبد القيس قتل أباه الخطيم، فرآه قيس بسوق عكاظ، فأتى حذيفة ابن بدر فقال: أجرني حتى أقتل هذا العبدي، فإنه قاتل أبي، فأبى ذاك عليه، فأتى خداش بن زهير العامري، فاستجاره فأجاره، فشدَّ على العبدي فقلته. انتهى.
ومن هذا يعلم أن المدح مصروف عن حذيفة بن بدر إلي خداش بن زهير العامريـ فيكون تقدير الكلام: ولأصرفن عن قصد حذيفة، كما قال أبو علي، والفتى هنا: هو ما نقله الأزهري عن الفتي قال: ليس الفتي بمعنى الشاب والحدث، إنما هو الكامل الجزل من الرجال، يدلك علي ذلك قول الشاعر:
إنَّ الفتي حّمال كلِّ ملمةٍ
…
ليس الفتي بمنعمَ الشَّبان
وقال ابن هرمة:
قد يدرك الشَّرف الفتى ورداوه
…
خلقً وجيب قميصه مرقوع
وقال الأزهري أيضاً: العشي يقع ما بين زوال الشمس إلي وقت غروبها، كل ذلك عشي، فإذا غابت الشمس فهو العشاء. انتهي. وأضاف الفتى إلى العشي مبالغة في مدحه، فإنه إذا كان جلداً في شدة الهواجر، ففي غيرها يكون من باب أولى، وروري:"لفتي الشتاء" فيكون الفتي بمعنى السخي، والشتاء عند العرب: زمن القحط والمحل، لانكشاف وجه الأرض مما يأكله الناس ويرعاه الحيوان، ويناسب هذه الرواية الذي بعده، وهو:
من لا يزال يكبُّ كلَّ ثقيلةٍ
…
وجناء غير محادرٍ منزاف
الضارب البيض المتقَّن صنعه
…
يوم الهياج بكلِّ أبيض صافي
إن تلق خيل العامريِّ مغيرةً
…
لا تلقهم متعفقي الأعراف
وإذا تكون عظيمة في عامرٍ
…
فهو المدافع عنهم والكافي
الواترون المدركون بتبلهم
…
والحاشدون علي قرى الأضياف
تعدو بهم في الررَّوع كلُّ طوالةٍ
…
تنضو الجياد ومنهبٍ عراَّف
زبدٍ قوائمه شديدٍ أسره
…
صلت المعذَّر ذي سبيبٍ ضاف
يكبّ: يصرع، والثقيلة: الناقة المثقلة بالحمل، ونحرها للضيف عند العرب مما يفتخرون به، والوجناء: الناقة الشديدة السالمة من كل داء، ونحر مثل هذه غاية في الكرم، وناقة حرود ومحارد: بينّه الحراد، والحرد، بمهملات وبالتحريك: داء في قوائم الإبل وفي اليدين، وقيل: يبس عصب إحداهما من العقال، فيخبط بيديه إذا مشى، والمنزاف بالنون والزاي: المنقطعة اللبن، والبيض، بالفتح: جمع بيضة، وهي الحوذة، والمتقن، بفتح القاف المشدد: المحكم، والهياج: الحرب، والأبيض: السيف.
وقوله: إن تلق خيل العامري .. الخ، وصفهم بالفروسية والثبات علي ظهور الخيل، فهم لا يتعفّقون بأعرافها، أي: لا يتعقل بها ولا يمسكونها من خوف السقوط، والعرف، بالضم: شعر أعناق الخيل.
وقوله: الواترون، أي: الظالمون في الوتر، وهو الحقد، وهذا مدح عندهم والتّي
بل: العداوة. وطوالة، بالضم: الطويلة الظهر والعنق والقوائم، وتنضو، بالنون والضاد المعجمة، تسبق، والمنهب، بالكسر: الفرس الفائق في العدو كأنه ينهب الأرض، وغرّاف، بالغين المعجمة: مبالغة غارف، وهو الفرس السريع كأنه يغرف الجري.
وزبد، بفتح الراء وكسر الموحدة وأخر ذال معجمة: الخفيف القوائم في مشيه، والأسر: الخلقة والبنية، والصلت: الواضح، والمعذر: الحدّ، والسبيب كم الفرس: شعر الذنب والعرف والناصية، والضافي: الكثير الوافي.
وقيس بن الخطيم، وعامر بن الطفيل ماتا علي دين الجاهلية، ورأيت في "الأغاني" أنها أول قصيدة لرجل من بني الحارث بن الخروج من الأنصار رثى بها ربيعة بن مكدّم الجاهلي أحد فرسان مضر المعدودين وشجعانهم المشهورين، وبعده:
مأوى الضَّريك إذا الرِّياح تناوحت
…
ضخم الدسيعة مخلفٍ متلاف
من لا يزال يكبُّ كلَّ ثقيلةٍ
…
كوماء غير محارد منزاف
رحب المباءة والجناب موطا
…
مأزى لكل معتَّقِ مسواف
فسقي الغوادي قبرك ابن مكدَّمٍ
…
من صوب كل مجلجلٍ وكّاف
وبعد هذا أبيات أخر، والضريك، بالضاد المعجمة: الفقير السيئ الحال، وقوله: إذا الرياح تناوحت، أي: تقابلت، وأراد زمن الشتاء، والسيعة: العطية، والكوماء: العظيمة السنام، والمباءة: المنزل، والموطأ: السهل الجانب، والمعتق: المعضض، والمسواف: الذي وقع في ماله السواف، كسحاب، وهو موت الإبل، والغوادي: جمع غادية، وهي سحابة النهار. وابن مكدَّم: منادي، والصوب: المطر، وسحاب مجلجل، بجمين: له صوت الرعد، والو كَّاف: الماطر، من وكف إذا قطر.
وقيس بن الخطيم، بفتح الخاء المعجمة وكسر الطاء المهملة: شاعر فارس أنصاري، ذكر أهل المغازي أنه قدم. سكة، فدعاه النبي، صلي الله عليه إلي الإسلام، وتلا عليه القرآن، فقال: إني لأسمع كلاماً عجيباً، فدعني أنظر في أمري هذه السنة، ثم أعود إليكـ فمات قبل الحول، وهو من الأوس، وله في وقعة بعاث التي كانت بين الأوس والخزرج قبل الهجرة أشعار، كثيرة وقد بسطا ترجمته في الشاهد الخامس بعد الخمسمائة من شواهد الرضي.