الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا أبتا علَّك أو عساكا
كما أدخلوا لعل على عسى في نحو:
تبغَّ خبايا الأرض وادع مليكها
…
لعلَّك يومًا أن تجاب وترزقا
والفرق بينهما أن" عسى" موضوع على الترجي والإشفاق، ولعل قد تخلو من ذلك، بحيث لا تدل إلا على محض تجويز، كما في قول الهذلي:
لعلَّك إمَّا أمُّ عمرٍ وتبدَّلت
…
سواك خليلاً شاتمي تستخيرها
وكما قال عمرو ابن أبي ربيعة:
ودنا فقال لعلَّها معذورةٌ
…
في بعض رقبتها فقلت لعلَّها
انتهي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والأربعون بعد المائتين:
(248)
عسي طيّيٌ من طيِّئٌ بعد هذه
…
ستطفئ غلاّت الكلي والجوانح
علي أن اقتران الفعل الواقع خبراً لها بالسين نادر، وسهل اقترانها به كونها قائمة مقام "أن" لكونهما للاستقبال. قال الزمحشري في "المفصل" ولما انحرف الشاعر في هذا البيت عما عليه الاستعمال جاء بالسين التي هي نظيرة "إن"
يعني: لما يأت الشاعر بما حقه أن يجئ به مع عسي في لخبر، وهو "أن" في خبر لعل حملاً علي عسي، دخل السين في خبر عسي حملاً علي لعل.
وقال المرزوقي: عسي: لفظة وضعت للترجي والتأميل، إلا أنها تؤذن بأن الفعل مستقبل مطموع في، فيجب أن يستأني له، وإن كانت من أفعال المقاربة، وبهذا تبين عن لفظة كاد، لأن كاد لمشارفة الفعل؛ فهو يلي الفعل بنفسه، تقول: كاد زايد يفعل كذا، و "عسي" يحول بينه وبين لفعل "أن" يدل علي هذا أنه قال:" ستطفئ غلات الكلي والجوانح " لما كان من شرط عسي أن يجئ بعده "أن" إيذانا بالاستقبال جعل السين بدل "أن" لأنه اشتهر في الدَّلالة علي الاستقبال، وإنما قال:"عسي طيئ من طيئ" لأن القتال كان بين بطينين منهما، وقوله:"بعد هذه" إشارة إلي الحالة الحاضرة. والجوانح: جمع جانحة، وهي الضاوع القصار، والمعني: المطموح فيه من أولياء الدَّم أن يطلبوا الثأر في المستقبل، وإن كانوا أخروه إلي هذه الغاية، فتسكن نفوس وتبرد قلوب. انتهي.
والبيت آخر أبيات أربعة أوردها أبو تمام في باب المرائي من "الحماسة" وعزاها لقسام بن راوحة السنبسي، وقبله:
لبئس نصيب القوم من أخويهم
…
طراد الحواشي واستراق النَّواضح
وما زال من قتلى رزاحٍ بعالجٍ
…
دمٌ ناقعٌ أو جاسدٌ غير ما صح
دعا الطَّير حتَّى أقبلت من ضرَّيةٍ
…
دواعي دمٍ مهراقه غير بارح
عسى طيِّئٌ من طيِّئٍ
…
. . . . . البيت
ويريد بأخويهم: صاحبيهم، يقال: يا أخا بكر، يراد: يا واحدًا منهم.
والحاشية: صغار الإبل ورذالها، والنواضح: جمع ناضحة، وهي الإبل التي يستقى عليها الماء، جعلت كأنها تنضح الزرع والنخل، "وطراد" وما عطف عليه: بدل من نصيب، يقول: إنهم لا يقدمون على القوم، ويغزون على حواشيها دون جلتها، لأن الصبيان يرعونها، يعني: بلغ من جبنهم أن لا يتعرضوا للرعاة، إلا سرقة يسرقون النواضح، ويطردون الحواشي، فيرضون بذلك من طلب الثأر، فبئس العوض ذلك من دم أخويكم! يهزأ بهم. وهذا تعريض بمن وجب عليه طلب الدَّم، فاقتصر على الغارة وسرقة الإبل، وفيه بعث على طلب الدَّم، وأكد ذلك بقوله: وما زال من قتلى رزاح .. الخ هو براء مفتوحة، وزاي فحاء مهملة: قبيلة من خولان، وقتلى: جمع قتيل، وعالج بالجيم: موضع بالبادية فيه رمل، والدَّم الناقع بالنون والقاف، قيل: الثابت، وقيل: الطريّ. والدَّم الجاسد بالجيم، قيل: القديم، وقيل: اليابس والماصح بالصاد المهمله؛ من مصح- كمنع- مصوحًا: ذهب وانقطع، يقول:
لا يزال من مقتولي هذه القبيلة بهذا المكان دم طريّ ويابس غير زائل، يعني: أن دماءهم باقية بحالها
ما لم يثأروا بها، لأن غسل تلك الدماء إنما يكون بما يصب من دماء أعدائهم، ولم يكتف بهذا الإغراء
حتى قال: دعا الطير .. الخ، يقول: دعا دواعي دماءهم طيور الأماكن البعيدة، والجبال المطلة، حتى أتت