الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليخالطنَّك السيف، فقال له صخر: بلي، والله إن بي لأسد الحاجة إليها، فوعده موعداً، فخرج صخر لموعده حتي نزل بالقوم، فنزل منزل الضيف، فقام وقاص فذبح وجمع أصحابه، وأبطأ صخر
عل
يهم، فلما رأي ذلك بعث إليه أن هلمّ لحاجتك، فأبطأ، فأبطأ ورجع الرسول، فقال: ما رأيته إلا بطيئاً، واستأناه وقاص فأبطأ، فلما رأي فعله غضب وقَّاص، وعمد إلي رجل من الحي ليس يعدل بصخر يقال له حصن، فحمد لله وأثني عليه، وزوجه وافترق القوم، فمروا بصخر فأعلموه تزويج كأس حصناً، فرحل عنهم تحت الليل، واندفه يهجوها بالأبيات التي منها:
وانكحها حصنا ليطمس حملها
…
وقد حبلت من قبل حصنٍ وجرَّت
[أي: زادت علي تسعة أشهر، قال: ] وترافع القوم إلي والي المدينة طارق، مولي عثمان، فأقاموا عليه البينة بقذف كأس، فضربه وعاد إلي قومه، وأسف علي ما فاته من تزويج كأس، وطفق يقول فيها الشعر، فمما قاله:
تذكَّرت كأساً إذ سمعت حمامةً. . البيت
وكان صخر خدناً لعوام بن عقبة، وكان عوام يهوي امرأة من قومه يقال لها سوراء، فماتت فرئاها، فلما سمع صخر المرئية قال: وددت أن أعيش حتي تموت كأس فأرثيها، فماتت كأس فرئاهان فقال:
علي أمِّ داود السَّلام ورحمةٌ
…
من الله تجري كلَّ يومٍ تعودها
عل
أنشد فيه، وهو الإنشاد الواحد والخمسون بعد المائتين:
(251)
يا ربَّ يومٍ لي لا أظلَّله
…
أرمض من تحت وأضحي من عله
على أن الهاء في"عله" لسكت، قال أبو حيان في"تذكرته": أنشد الكوفيون من قبول أبي ثروان:
يارب يوم لي. . الخ، قال أبو علي: هذا البيت مشكل، لا يكون هاء الضمير لأنه يقول من عله،
ولا تكون هاء السكت، لأنها إنما تلحق المبني الذي حركته لازمة، فلا تلحق ما أشبه المعرب، ولا
كان ما هي فيه متمكنًا في موضعٍ ما، فلا يقال: فبله ولا زيده ولا رجله، ولا خمسة عشره ولا ضربه، و"عل" من باب"قبل"، قال: وعندي فيه وجه لطيف وهو أن تكون هاء الضمير، وأصله: من عله، فكن آخر"عل" للضرورة، فعادت الهاء إلي ضمها فصار في التقدير: من عله، ثم نقلت حركة الهاء إلي اللام، كما قالوا: منه وعنه في: منه وعنه، فصار من عله، فضمة اللام هي ضمة هاء الضمير،
انتهى.
وأجاب ابن الخشاب، على ما نقله العيني، أن الهاء بدل من الواو، والأصل: عاو، فأبدلوا الواو هاء، كما أبدلوا في يا هناه، والأصل: يا هناو، لأنه فعال من هنوك، ومنه قولهم: عاملته مساناة ومسانهة،
فالهاء في مسانهة لامة واو، لقولهم: سنوات، انتهى.
وقول بن الملا فيه: إن الهاء إنما تبدل من حرف أصلي، والواو في"عاو" إنما حدثت من إشباع الضمة
سهو منه أو قصور، فإن الكلمة في الأصل ثلاثية معتلة اللام بالواو، وفيها لغات كثيرة.
قال ابن يعيش: اعلم أنهم يقولون: جئته من عل، ومعناه: من فوق، وفيه لغات: من علٍ؛ منقوص كشجٍ، ومن عالٍ كقاضٍ، ومن معالٍ، ومن علا بالقصر، ومن عل؛ بضم اللام، ومن عاو؛ مثلث الواو، فهذه
اللغات وإن اختلفت ألفاظها فالمراد بها معنى واحد وهو فوق، وفوق لا ينفك عن الإضافة، لأنه إنما
يكون فوقًا بالنسبة إلي ما يضاف إليه كقبل وبعد، فوجب أن يكون"عل" وسائر لغاتها مضافة،
فإذا أضيف إلي معرفة، أو قطع عن الإضافة، وكان المضاف إليه مرادًا منويًا؛ كان معرفة، وبني لتنزيله
منزلة بعض الاسم، وإن قطع النظر عن المضاف إليه كان معربًا منكورًا، وكذلك لو أضفته إلي نكرة
وقطعته عنه كان معربًا أيضًا لأنه منكور، فمعناه مع قطع الإضافة كمعناه مضافًا، فإذا قلت:
جئت من عل، بالخفض، جعلته منكورًا، كأنك قلت: من فوق، ويحتمل أن تكون الكسرة إعرابًا
وهو محذوف اللام، ويحتمل أن تكون الكسرة فيه بناء، وكسرة الإعراب محذوفة لثقلها على الياء
التي هي لام مبدلة من واو، والياء حذفت لكون التنوين على حد قاض، فإذا قلت: من عل بالضم،
فهو معرفة محذوفة اللام، والضم فيه كقبل وبعد، وإذا قلت: عاو؛ مثلث الواو،
فقد تممت الاسم ولم تحذف منه شيئًا، فمن قال: عاو، بالكسر أو الفتح، فكأنه توهم فيه الحركة
لالتقاء الساكنين، فالكسر على الأصل، والفتح للخفة.
وكذلك من قال: علا، وجعله مقصورًا، فهو أيضًا تام، وألفه منقلبة عن الواو، فإن نوى فيه المضاف إليه وجعله معرفة كانت الألف في تقدير ضمة، ومن جعله نكرة كانت اللف في تقدير كسرة، كما يكون"عصا" كذلك، وكذلك عالٍ ومعالٍ، فهو تام وإذا كان نكرة كان مجرورًا ونون، وإذا كان معرفة حذف منه التنوين، وكان بالياء، وكانت الضمة منوية، وهذا آخر كلام ابن يعيش، ولم يتعرض لاستعماله غير مضاف حتمًا، كما زعمه المصنف ونسب إلي الوهم من جوز استعماله مضافًا.
وقوله: يارب يوم. . الخ، قال ابن مالك في"شواهد التوضيح": يظن أكثر الناس أن"يا" التي تليها
"ليت" حرف نداء والمنادى محذوف، وهذا
ضعيف، لأن قائل"ياليتني" قد يكون وحده، فلا يكون معه منادى، وإنما"يا" للتنبيه، إلي أن قال: ومثل
"يا" الواقعة قبل ليت في تجردها للتنبيه"يا" الواقعة قبل حبذا، وقب"رب" في قوله:
ياربَّ سارٍ بات ما توسَّدا
انتهى. وزعم العيني أن"يا" للنداء، والمنادى محذوف. وقوله: لا أظلله، بالبناء للمفعول: هو من باب الحذف والإيصال، والأصل: لا أظلل فيه، فحذف" في" توسعًا، وانتصب الضمير بالفعل، وبه استشهد ابن الناظم.
وقوله: أرمض من تحت، بالبناء للفاعل: من رمضت قدمه، من باب تعب: إذا احترقت من الرمضاء، وهي الأرض الحامية من حرّ الشمس، وتحت: بالبناء على الضم، والأصل من تحتي، وكذا أضحى بالبناء للفاعل، قال الأزهري: قال الليث: ضحي الرجل يضحي ضحيّ إذا أصابه حرُّ الشمس، انتهى.
وهذا أيضًا من باب تعب، وقال العيني: إنهما بالبناء للمفعول، وتبعه السيوطي، وهو خطأ لأن كلا منهما فعل لازم مسند إلي ضمير المتكلم.
وأبو ثروان: من جملة الأعراب الذين كانوا ملازمين بباب الخلفاء، تؤخذ عنهم اللغة والأشعار والنوادر، وكان أبو ثروان ممن يلازم الكسائي، قال محمد ابن الحسين اليمني في"طبقات النحويين":
ومن الأعراب الذين سمع منهم الغريب: أبو الوليد الرباحي وله شعر، وأبو مهدية وأبو الجراح العقيلي وأبو طفيلة وأبو خيرة وأبو الرقيش، ومن أعراب الكسائي: أبو فقعس وأبو ثروان وأبو الحصين وغيرهم، انتهى. وتفسيرالفراء مشحون بالنقل من هؤلاء، قال ياقوت في"معجم
الأدباء" كان أبو ثروان أعرابيًا ببدويًا تعلم في البداية، كذا ذكره يعقوب بن السكبت، ووجد يخطه: وكان فصيحًا. قال محمد بن إسحق: وله من الكتب كتاب"خلق الفرس" كتاب "معاني الشعر" وهو عكلي، وعكل، بضم العين وسكون الكاف: اسم امرأةحضنت ولد عوف بن وائل بن قيس بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وهي أمة لهم، وبنو عوف [ابن وائل] هم: الحارث وجشم وسعد وعلي [وقيس] وغلب نسبهم إليها، وكل من ولده واحد من هؤلاء كان علكيًا، انتهى. ورأيت في "أمالي ثعلب": أنشد، يعني ابن الأعرابي:
ظلَّت وظلَّ يومها حوب حلي
…
وظلًّ يوم لأَّبي الهجنجل
قال: يقال: حوب حلي، بالرفع والنصب والخفض، وأبو الهجنجل: كنيته، ضاحي المقيل دائم التَّبذل
…
ما أنا يوم الورد بالمظلَّل
عنيّ ولا بالذائد المنقَّل
…
بين العمودين عليَّ مبذلي
أرمض من تحت وأضحى من على انتهى وعلى هذا لا إسكال فيه، والياء إن كانت ضمير المتكلم فهو معرفة كالظرف قبله، وإن كانت مبدله من الواو فهو معرفة أيضًا، لأنه مبني على ضمة مقدرة كما مضى في كلام ابن يعيش، وكما يأتي بيانه في البيت الآني عن ابن جني. وقال الصاغاني في "العباب": وأبو الهجنجل رجل؛ أنشد ابن جني:
ظلَّت وظلَّ يومها جوب حلى
…
وظلَّ يوم لأبي الهجنجل