الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلطنة فيما يكتب عن الأبواب السلطانية من مكاتبات وولايات، فزيادة الألقاب وكثرتها في هذه الحالة علوّ وشرف في حقّ المكتوب إليه، لأنها من باب المدح والإطراء، ولا شكّ أن كثرة المدح من المتبوع للتابع أعلى من قلّته، ولذلك تقع الإطالة في ألقاب كبار النّوّاب والاختصار في صغارهم، وتأتي في غاية الاختصار في نحو ولاة النّواحي ومن في معناهم.
الحالة الثانية
-
أن يكون المكتوب له أجنبيّا عن المكتوب عنه، كالملوك الذين تكتب إليهم المكاتبات عن السلطان، فقلّة الألقاب في حقّه أرفع لأن الإكثار من ذلك يرى أنه من باب الملق المذموم بين الأكابر في المكاتبات، فوجب تجنّبه كما يجب تجنّب المدح وكثرة الدعاء، ولذلك يقع الاختصار في الألقاب فيما يكتب لهم عن السلطان إجلالا لقدرهم عن رتبة رعاياه الذين يكثر من ألقابهم.
النوع الثاني (ما يقع فيه التفاوت في العلوّ والهبوط بحسب ما يقتضيه جوهر اللفظ أو ما وقع الاصطلاح عليه. وهو صنفان)
الصنف الأوّل (الألقاب المفردة. وهي على أربعة أنماط)
النّمط الأوّل (التوابع)
وهي التي تلي الألقاب الأصول كالتي تلي المقام والمقرّ والجناب والمجلس، فيلي المقام لفظ الأشرف ولفظ الشريف ولفظ العالي، فالمقام يقال فيه «المقام الأشرف العالي» و «المقام الشريف العالي» و «المقام العالي» . ويلي المقرّ لفظ الأشرف ولفظ الشريف ولفظ الكريم ولفظ العالي. فيقال «المقرّ الأشرف العالي» و «المقرّ الشريف العالي» و «المقرّ الكريم العالي» و «المقرّ العالي» .
ويلي الجناب لفظ الكريم ولفظ العالي، فيقال «الجناب الكريم العالي» و «الجناب العالي» . ويلي المجلس لفظ العالي والسامي، فيقال «المجلس العالي» و «المجلس السامي» . والألفاظ التي تتبع، وهي الأشرف والشريف والكريم والعالي والسامي، بعضها أرفع من بعض على الترتيب. فالأشرف أرفع من الشريف؛ لأن أشرف أفعل تفضيل يقتضي الترجيح على غيره كما هو مقرّر في علم النحو؛ والشريف أرفع رتبة من الكريم لما تقدّم عن ابن السّكّيت أن الكرم يكون في الرجل وإن لم يكن له آباء شرفاء، والشّرف لا يكون إلا لمن له آباء شرفاء. ومقتضى ذلك ترجيح الشريف على الكريم لاقتضائه الفضل في نفس الشخص وفي آبائه، بخلاف الكرم؛ ولذلك اختير الشرف لأبناء فاطمة رضي الله عنها دون الكرم. والكريم أرفع رتبة من العالي، لأن الكريم يحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف اللّؤم ويحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف البخل، وكلاهما مقطوع بأنه صفة مدح، وإن الأقرب إلى مراد الكتاب المعنى الأوّل. والعالي يحتمل أن يكون من علي بكسر اللام يعلى بفتحها علاء بفتح العين والمدّ إذا شرف؛ ويحتمل أن يكون من علا يعلو علوّا إذا ارتفع في المكان؛ وليس العلوّ في المكان مما يدلّ على صفة المدح إلا أن يستعار للارتفاع في الشرف فيكون صفة مدح حينئذ على سبيل المجاز وإن كان مراد الكتّاب هو المعنى الأوّل؛ وما كان مقطوعا فيه بالمدح من الجانبين أعلى مما يكون مقطوعا فيه بالمدح من جانب دون جانب. وقد اصطلحوا على أن جعلوا العالي أرفع من السامي، وهو مما أنكر على واضعه، إذ لا فرق بينهما من حيث المعنى، لأن السموّ بمعنى العلوّ. والذي يظهر أن الواضع لم يجهل ذلك ولعله إنما جعل العالي أرفع رتبة من السامي وإن كان بمعناه لأن العالي لفظ واضح المعنى يفهمه الخاصّ والعامّ، فيكون المدح به أعمّ باعتبار من يفهمه، بخلاف السامي فإنه لا يفهم معنى العلوّ منه إلا الخاصة، فيكون المدح به أخصّ لاقتصار الخاصّة على معرفته دون العامّة.