الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكما كتب يزيد بن الوليد المعروف بالناقص إلى مروان بن محمد- وقد بلغه عنه تلكّؤ في بيعته:
«أما بعد، فإنّي أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى، فإذا أتاك كتابي فاعتمد على أيّهما شئت والسّلام» .
قلت: ولم يزل الأمر في المكاتبات في الدولة الأمويّة جاريا على سنن السّلف، إلى أن ولي الوليد بن عبد الملك، فجوّد القراطيس، وجلّل الخطوط، وفخّم المكاتبات، وتبعه من بعده من الخلفاء على ذلك، إلا عمر بن عبد العزيز، ويزيد بن الوليد المقدّم ذكره، فإنهما جريا في ذلك على طريقة السلف. ثم جرى الأمر بعدهما على ما سنّه الوليد بن عبد الملك، إلى أن صار الأمر إلى مروان بن محمد آخر خلفائهم، وكتب له عبد الحميد «1» بن يحيى- وكان من اللّسن والبلاغة على ما اشتهر ذكره- فأطال الكتب وأطنب فيها، حيث اقتضى الحال تطويلها والإطناب فيها، حتّى يقال: إنه كتب كتابا عن الخليفة جاء وقر جمل، واستمر ذلك فيما بعده.
الطرف الثالث (في الكتب الصادرة عن خلفاء بني العبّاس ببغداد وولاة العهد بالخلافة، وفيه ثلاث جمل)
الجملة الأولى (في بيان ترتيب كتبهم في الرسائل على سبيل الإجمال)
كانوا يفتتحون أكثر كتبهم بلفظ «من فلان إلى فلان» وتارة ب «أما بعد»
وربما افتتحوها بغير ذلك. فأما افتتاحها بلفظ من فلان إلى فلان فكان يكتب عنهم في أوّل دولتهم كما كان يكتب عن خلفاء بني أميّة، وهو «من عبد الله فلان أمير المؤمنين، سلام عليك، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو» ثم يتخلّص إلى المقصود بلفظ أما بعد. إلا أنهم زادوا بعد اسم الخليفة لفظ «الإمام الفلاني» بلقب الخلافة، فكان يقال:«من عبد الله الإمام الفلاني أمير المؤمنين» فلما صارت الخلافة إلى الرشيد زاد بعد التحميد «ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم» فلما ولّي ابنه الأمين اكتنى في كتبه وتبعه من بعده من الخلفاء على ذلك.
وقد اختلف في تقديم الاسم والكنية واللّقب، والذي رتّبه أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» تقديم الاسم على الكنية وتقديم الكنية على اللقب، مثل أن يقال:«من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين» ثم قال: وهذه المكاتبة هي التي اصطلح عليها في الأمور السلطانية التي تنشأ بها الكتب من الدواوين، إلا أن بعض العلماء قد خالفهم في هذا، وقال: الأولى أن يبدأ باللقب، مثل أن يقال «من الراضي» أو «المتوكل» وما أشبه ذلك، كما قال الله جل وعز: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ «1»
وذلك لأن اللقب لا يشاركه فيه غيره، فكان أولى أن يبدأ به.
وترتيب المكاتبة على ما ذكره في «صناعة الكتّاب» أن يكتب: «من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين، سلام عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله» . ثم يفصل ببياض يسير، ويكتب «أما بعد فإن كذا وكذا» ؛ ثم يأتي على المعنى، فإذا فرغ من ذلك وأراد أن يأمر بأمر، فصل ببياض يسير، ثم يكتب:«وقد أمر أمير المؤمنين بكذا ورأى أن يكتب إليك بكذا» ، فيؤمر بامتثال ما أمر به والعمل بحسبه، ثم يفصل ببياض ويكتب: فاعلم ذلك من رأي أمير
المؤمنين، واعمل به، إن شاء الله تعالى. «وكتب فلان بن فلان» باسم الوزير واسم أبيه، يوم كذا، من شهر كذا، من سنة كذا. وقد يكتب في أواخر المكاتبة بعد استيفاء المقصد:«هذه مناجاة أمير المؤمنين لك» أو «هذه مفاوضة أمير المؤمنين لك» .
ويقال في السّلام على أعلى الطبقات من المكتوب إليهم «والسّلام عليك ورحمة الله» وربما قيل: «ورحمة الله وبركاته» .
وأما افتتاحها بلفظ «أما بعد» ، فغالب ما يقع في الكتب المطلقة، كالبشرى بالفتوح وغيرها. ثم تارة يعقّب البعدية بالحمد لله، إما مرة أو أكثر، وغالب ما يكون ثلاث، وتارة يعقّب بغير الحمد.
وأما الافتتاح بغير هذين الافتتاحين، فتارة يكون بالدعاء، وتارة يكون بغيره، ويكون التعبير عن الخليفة في كتبه الصادرة عنه «بأمير المؤمنين» على ما تقدّم في خلافة بني أميّة.
ثم إن كان المكتوب إليه معيّنا، فالذي كان عليه الحال في أوّل دولتهم أن يكتب إليه باسمه، ثم لما تغلب بنو بويه على الخلفاء وغلبوا عليهم، وعلت كلمتهم في الدولة وتلقّبوا بفلان الدّولة وفلان الملّة، فكان يكتب إليهم بذلك في الكتب إليهم. ثم لما كانت الدولة السّلجوقيّة في أواخر الدولة العباسية ببغداد، استعملوا كثرة الألقاب للمكتوب إليه عن الخليفة في صدر المكاتبة. قال في «موادّ البيان» : ولا يخاطب أحد عن الخليفة إلا بالكاف. وقد يخاطب الإمام وزيره في المكاتبة الخاصة بما يرفعه فيه عن خطاب المكاتبة العامّة الديوانية، ويتصرّف في ذلك ويزاد وينقص على حسب لطافة محل الوزير ومنزلته من الفضل والجلالة.
قال في «ذخيرة الكتاب» : ويكون الدعاء من الخليفة لمن يكاتبه على