الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصف الأرض، ولكنّ قريشا قوم يعتدون» .
الجملة الثالثة (في المكاتبات التي كتبت إليه قبل ظهوره صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته)
أما الكتب التي كتبت إليه صلى الله عليه وسلم قبل ظهوره، فقد حكى «صاحب الهناء الدائم بمولد أبي القاسم» أن تبّعا الأوّل حين مرّ بموضع المدينة النبويّة، على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام والتحية والإكرام، أخبره من معه من علماء أهل الكتاب أنّ هذا الموضع مهاجر نبيّ يخرج في آخر الزمان، فعمر هناك مدينة وأسكن فيها جماعة من العلماء، وكتب إليه كتابا فيه:
وختم الكتاب. ونقش عليه «لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله» .
ودفعه إلى رئيس العلماء الذين رتّبهم بالمدينة، فبقي عنده وعند بنيه يتداولونه واحدا بعد واحد، حتّى هاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فلقيه الذي صار
الكتاب إليه يومئذ من بني ذلك العالم في طريق المدينة ودفع إليه الكتاب.
وأما الكتب التي تكتب إليه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فقد جرت عادة الأمّة من الملوك وغيرهم بكتابة الرسائل إليه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بالسلام والتحيّة والتوسّل والتشفّع به إلى الله تعالى في المقاصد الدّنيويّة والأخرويّة، وتسييرها إلى تربته صلى الله عليه وسلم. وأكثر الناس معاطاة لذلك أهل المغرب لبعد بلادهم، ونزوح أقطارهم.
ومن أحسن ما رأيت في هذا المعنى ما كتب به ابن «1» الخطيب وزير ابن الأحمر بالأندلس وصاحب ديوان إنشائه عن سلطانه يوسف «2» بن فرج بن نصر:
(طويل) .
إذا فاتني ظلّ الحمى ونعيمه
…
كفاني وحسبي أن يهبّ نسيمه «3»
ويقنعني أنّي به متكيّف
…
فزمزمه دمعي، وجسمي حطيمه
«4»
يعود فؤادي ذكر من سكن الغضا «1»
…
فيقعده فوق الغضا ويقيمه
ولم أر شيئا كالنّسيم إذا سرى
…
شفى سقم القلب المشوق سقيمه
نعلّل بالتّذكار نفسا مشوقة
…
ندير عليها كأسه ونديمه «2»
وما شفّني بالغور رند «3» مرنّح
…
ولا شاقني من وحش وجرة ريمه
ولا سهرت عيني لبرق ثنيّة
…
من الثّغر يبدو موهنا فأشيمه
براني شوق للنّبيّ محمد
…
يسوم فؤادي برحه ما يسومه
ألا يا رسول الله ناداك ضارع
…
على البعد «4» محفوظ الوداد سليمه
مشوق إذا ما اللّيل مدّ رواقه
…
تهمّ به تحت الظّلام همومه
إذا ما حديث عنك جاءت به الصّبا
…
شجاه من الشّوق الحديث «5» قديمه
أيجهر بالنّجوى، وأنت سميعها
…
ويشرح ما يخفى، وأنت عليمه «6» ؟
وتعوزه السّقيا، وأنت غياثه؟
…
وتتلفه البلوى، وأنت رحيمه «7» ؟
بنورك نور الله قد أشرق الهدى
…
فأقماره وضّاحة ونجومه
بك انهلّ فضل الله في الأرض ساكبا «8»
…
فأنواؤه ملتفّة وغيومه
ومن فوق أطباق السماء بك اقتدى
…
خليل الّذي أوطاكها وكليمه «9»
لك الخلق الأرضى الّذي بان فضله
…
ومجّد في الذّكر العظيم عظيمه «1»
يجلّ مدى علياك عن مدح مادح
…
فموسر درّ القول فيك عديمه
ولي يا رسول الله فيك وراثة
…
ومجدك لا ينسى الذّمام كريمه «2»
وعندي إلى أنصار دينك نسبة
…
هي الفخر لا يخشى انتقالا مقيمه
وكان بودّي أن أزور مبوّءا
…
بك افتخرت أطلاله ورسومه
وقد يجهد الإنسان طرف اعتزامه
…
ويعوزه من بعد ذاك مرومه
وعذري في تسويف عزمي ظاهر
…
إذا ضاق عذر العزم عمّن يلومه «3»
عدتني بأقصى الغرب عن تربك العدا «4»
…
جلالقة الثّغر الغريب ورومه
أجاهد منهم في سبيلك أمّة
…
هي البحر يعيي أمرها من يرومه «5»
فلولا اعتناء منك يا ملجأ الورى «6»
…
لريع حماه واستبيح حريمه
فلا تقطع الحبل الذي قد وصلته
…
فمجدك موفور النّوال عميمه
وأنت لنا الغيث الذي نستدرّه
…
وأنت لنا الظّلّ الذي نستديمه
ولمّا نأت داري وأعوز مطمعي
…
وأقلقني شوق تشبّ جحيمه
بعثت بها جهد المقلّ معوّلا
…
على مجدك الأعلى الذي جلّ خيمه «7»
[وكلت بها همّي وصدق قريحتي
…
فساعدني هاء الرويّ وميمه
«8» ]
فلا تنسني يا خير من وطيء الثّرى
…
فمثلك لا ينسى لديه خديمه
عليك صلاة الله ما ذرّ «1» شارق
…
وما راق من وجه الصّباح وسيمه
«2» «إلى رسول الحقّ، إلى كافّة الخلق، وغمام الرحمة الصادق البرق، والحائز «3» في ميدان اصطفاء الرحمن قصب السّبق، خاتم الأنبياء، وإمام ملائكة السماء، ومن وجبت له النبوّة وآدم بين الطّين والماء، شفيع أرباب الذّنوب، وطبيب أدواء القلوب، ووسيلة الخلق إلى «4» علّام الغيوب، نبيّ الهدى الذي طهّر قلبه، وغفر ذنبه، وختم به الرسالة ربّه، وجرى في النّفوس مجرى الأنفاس حبّه، [الشّفيع]«5» المشفّع يوم العرض، المحمود في ملإ السماء والأرض، صاحب اللّواء المنشور يوم النّشور، والمؤتمن على سرّ الكتاب المسطور، ومخرج الناس من الظّلمات إلى النّور، المؤيّد بكفاية الله وعصمته، الموفور حظّه من عنايته وحرمته «6» ، الظّلّ الخفّاق على أمّته، من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا، أو كان للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقا، فائدة الكون ومعناه وسرّ الوجود الذي بهر «7»
الوجود سناه، وصفيّ حضرة القدس الذي لا ينام قلبه إذا نامت عيناه، البشير الذي سبقت له البشرى، ورأى من آيات ربّه الكبرى، ونزل فيه سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى
«8» من الأنوار من عنصر نوره مستمدّة، والآثار تخلق وآثاره مستجدّة، من طوي بساط الوحي لفقده، وسدّ باب الرسالة والنّبوّة من بعده، وأوتي جوامع الكلم فوقفت
البلغاء حسرى دون حدّه، الذي انتقل في الغرر الكريمة نوره، وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره، وطفقت الملائكة تحيّيه «1» وفودها وتزوره، وأخبرت الكتب المنزّلة على الأنبياء بأسمائه وصفاته، وأخذ عهد الأنبياء «2» به على من اتصلت بمبعثه منهم أيام حياته، المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر، والسند المعتمد عليه في أهوال المحشر، ذي «3» المعجزات التي أثبتتها المشاهدة والحسّ، وأقرّ بها الجنّ والإنس، من جماد يتكلّم، وجذع لفراقه يتألّم، وقمر له ينشقّ وشجر «4» يشهد أنّ ما جاء به هو الحقّ، وشمس بدعائه عن مسيرها تحبس، وماء من بين أصابعه يتبجّس، وغمام باستسقائه يصوب، وطوى بصق في أجاجها «5» فأصبح ماؤها وهو العذب المشروب، المخصوص بمناقب الكمال وكمال المناقب، المسمّى بالحاشر العاقب، ذي «6» المجد البعيد المرامي والمراقب، أكرم من رفعت إليه وسيلة المعترف المغترب، ونجحت لديه قربة البعيد «7» والمقترب، سيد الرّسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، الذي فاز بطاعته المحسنون، واستنقذ بشفاعته المذنبون، وسعد باتّباعه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، صلى الله عليه وسلم ما لمع برق وهمع «8» ودق، وطلعت شمس، ونسخ اليوم أمس:
«من عتيق شفاعته، وعبد طاعته، المعتصم بسببه، المؤمن بالله ثم به، المستشفي بذكره كلّما تألّم، المفتتح بالصلاة عليه كلّما تكلّم، الذي إن ذكر
تمثّل طلوعه بين أصحابه وآله، وإن هبّ النّسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله، وإن سمع الأذان تذكّر صوت بلاله «1» ، وإن ذكر القرآن استشعر تردّد جبريل بين معاهده وحلاله، [لاثم تربه، ومؤمّل قربه، ورهين طاعته وحبّه]«2» المتوسل به إلى رضى ربه، يوسف بن إسماعيل بن نصر:
«كتبته «3» يا رسول الله والدّمع ماح، وخيل الوجد ذات جماح، عن شوق يزداد كلّما نقص الصّبر، وانكسار لا يتاح له إلا بدنوّ مزارك الجبر، وكيف لا يعنى مشوقك بالأمر، ويوطيء «4» على كبده الجمر، وقد مطلت الأيام بالقدوم على تربتك «5» المقدّسة اللّحد. ووعدت الآمال ودانت بإخلاف الوعد، وانصرفت الرّفاق والعين بنور ضريحك ما اكتحلت، والركائب إليك ما رحلت، والعزائم قالت وما فعلت، والنّواظر في تلك المشاهد الكريمة لم تسرح، وطيور الآمال عن وكور العجز لم تبرح؛ فيا لها من معاهد فاز من حيّاها، ومشاهد ما أعطر ريّاها، بلاد نيطت بها عليك التّمائم، وأشرقت بنورك منها النّجود والتّهائم، ونزل في حجراتها عليك الملك، وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك، مدارس الآيات والسّور، ومطالع المعجزات السافرة الغرر، حيث قضيت الفروض وحتمت وافتتحت سورة الوحي وختمت، وابتدئت الملّة الحنيفيّة وتمّمت، ونسخت الآيات وأحكمت. أما والذي بعثك بالحقّ هاديا، وأطلعك للخلق نورا باديا، لا يطفيء غلّتي إلا شربك، ولا يسكّن لوعتي إلا قربك؛ فما أسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك وأصبح بعد أداء ما فرضت
عن الله ضيف كرمك، وعفّر الخدّ في معاهدك ومعاهد أسرتك، وتردّد ما بين داري بعثتك وهجرتك! وإنّي لمّا عاقتني عن زيارتك العوائق وإن كان شغلي عنك بك، وعدتني الأعداء فيك عن وصل سببي بسببك وأصبحت ما بين بحر تتلاطم أمواجه، وعدوّ تتكاثف أفواجه، ويحجب الشمس عند الظهيرة عجاجه في طائفة من المؤمنين بك وطّنوا على الصّبر نفوسهم، وجعلوا التوكّل على الله وعليك لبوسهم «1» ، ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم، واستعذبوا في مرضاة الله تعالى ومرضاتك بوسهم، يطيرون من هيعة إلى أخرى، ويتلفّتون والمخاوف يمنى «2» ويسرى، ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعا كجموع قيصر وكسرى، لا يبلغون من عدوّ كالذّرّ عند انتشاره معشار معشاره «3» ، قد باعوا من الله تعالى الحياة الدّنيا، لأن تكون كلمة الله تعالى هي العليا، فيا له من سرب مروع، وصريخ إلا عنك «4» ممنوع، ودعاء إلى الله وإليك مرفوع وصبية حمر الحواصل، تخفق فوق أوكارها أجنحة المناصل، والصليب قد تمطّى ومدّ «5» ذراعيه، ورفعت الأطماع بضبعيه، وقد حجبت بالقتام السّماء، وتلاطمت أمواج الحديد، والبأس الشديد فالتقى الماء، ولم يبق إلا الذّماء «6» ، وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظّنون، وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتّى تكاد تراه»
العيون، إلى أن نلقاك غدا إن شاء الله تعالى وقد أبلينا العذر، وأرغمنا الكفر، وأعملنا في سبيل
الله وسبيلك البيض «1» والسّمر.
استنبت «2» رقعتي هذه لتطير إليك [من شوقي «3» ] بجناح خافق، وتسعد من نيّتي التي تصحبها برفيق موافق، فتؤدّي عن عبدك وتبلّغ، وتعفّر الخدّ في تربتك «4» وتمرّغ، وتطيب بريّا معاهدك الطاهرة وبيوتك، وتقف وقوف الخشوع «5» والخضوع تجاه تابوتك، وتقول بلسان التملّق، عند التشبّث بأسبابك والتعلّق، منكسرة الطّرف، حذرا بهرجها من عدم الصّرف: يا غياث الأمّة، وغمام الرحمة، إرحم غربتي وانقطاعي، وتغمّد بطولك قصر باعي، وقوّ على هيبتك خور طباعي. فكم جزت من لجّ مهول، وجبت من حزون وسهول، وقابل بالقبول نيابتي، وعجّل بالرّضا إجابتي. ومعلوم من كمال تلك الشّيم، وسجايا تيك الدّيم، أن لا تخيّب «6» قصد من حطّ بفنائها، ولا يظمأ وارد أكبّ على إنائها.
اللهم، يا من جعلته أوّل الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصّورة، وأعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن دونه تحت ظلاله المنشورة، وملّكت أمّته ما زوي له من زوايا البسيطة المعمورة، وجعلتني من أمّته المجبولة على حبّه المفطورة، وشوّقتني إلى معاهده المبرورة، ومشاهده المزورة، ووكلت لساني بالصلاة عليه، وقلبي بالحنين إليه، ورغّبتني بالتماس ما لديه، فلا تقطع عنه أسبابي، ولا تحرمني «7» في حبّه أجر ثوابي، وتداركني بشفاعته يوم أخذ كتابي.
هذه، يا رسول الله، وسيلة من بعدت داره، وشطّ مزاره، ولم يجعل بيده اختياره. فإن لم يكن «1» للقبول أهلا فأنت للإغضاء والسّماح أهل، وإن كانت ألفاظها وعرة فجنابك للقاصدين سهل، وإذا «2» كان الحبّ يتوارث كما أخبرت، والعروق تدسّ حسب ما إليه أشرت؛ فلي بانتسابي إلى سعد عميد أنصارك مزيّة، ووسيلة أثيرة خفيّة، وإن «3» لم يكن لي عمل ترتضيه فلي نيّة. فلا تنسني ومن بهذه الجزيرة المفتتحة بسيف كلمتك، على أيدي خيار أمّتك، فإنما نحن بها وديعة تحت بعض أقفالك، نعوذ بوجه ربّك من إغفالك، ونستنشق من ريح عنايتك نفحة، ونرتقب من نور «4» محيّا قبولك لمحة، ندافع بها عدوّا طغى وبغى، وبلغ من مضايقتنا ما ابتغى. فمواقف التمحيص قد أعيت من كتب وورّخ، والبحر قد أصمت من استصرخ، والطاغية في العدوان مستبصر، والعدوّ محلّق والوليّ مقصّر. وبجاهك ندفع ما لا نطيق، وبعنايتك نعالج سقيم الدّين فيفيق، فلا تفردنا ولا تهملنا، وناد ربّك فينا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا «5»
، وطوائف أمتك حيث كانوا عناية منك تكفيهم، وربّك يقول لك وقوله الحقّ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
«6» ، والصلاة والسّلام عليك يا خير من طاف وسعى، وأجاب داعيا إذا دعا، وصلّى الله على جميع أحزابك وآلك، صلاة تليق بجلالك، وتحقّ لكمالك، وعلى ضجيعيك وصديقيك، وحبيبيك ورفيقيك، خليفتك في أمتك، وفاروقك المستخلف بعده على جلّتك، وصهرك ذي النّورين المخصوص ببرّك ونحلتك، وابن عمك سيفك المسلول على حلتك،