الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني (في التعيين وكيفية كتابة صاحب ديوان الإنشاء على الرّقاع والقصص، وتعيينها على كتّاب الإنشاء)
[الطرف الاول]
ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال الكاتب المعيّن عليه وحال الرّقعة المعيّنة. فأما اختلافه باختلاف حال من يعيّن عليه. فإنه إن كان المعيّن عليه كاتبا من كتّاب الدّست، كتب له كاتب السرّ في التعيين:«المولى القاضي، فلان الدين، أعزّه الله تعالى» وربما رفع قدره على ذلك فيكتب له: «المولى، الأخ، القاضي، فلان الدين؛ أعزّه الله تعالى» . وإن كان من كتّاب الدّرج: فإن كان كبيرا كتب له: «المولى فلان الدين» . وإن كان صغيرا، كتب له:«الولد فلان الدين» وربما وقع التمييز لبعض كتّاب الدّست أو كتّاب الدّرج للتقدّم بالفضل فكتب له: «المولى، الشيخ فلان الدين» أو «الشيخ فلان الدين» تارة مع الدعاء وتارة دونه.
وأمّا اختلافه باختلاف حال المكتوب الذي يعيّن، فإنه إن كان قصّة بظاهرها خط السلطان «يكتب» فموضع كتابة التعيين تحت خط السلطان بظاهر القصّة، ولا كتابة له عليها غير ذلك.
وإن كان رقعة جميعها بخط كاتب السرّ، فإنه يكتب فيها «يكتب بكذا وكذا» ثم يكتب التعيين بأوّل ذيلها.
وإن كان قصة رفعت إلى كاتب السرّ، فإنه يكتب على حاشيتها في أعاليها آخذا من جهة أسفل القصة إلى أعلاها ما مثاله:«يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا
وكذا» ثم يكتب التعيين بحاشيتها أسفل ذلك في عرض الحاشية مميلا للكتابة إلى جهة الأعلى قليلا.
وإن كان قصة عليها خطّ النائب الكافل، فإنه يكتب عليها بالتعيين ليس إلّا، وموضع التعيين فيها بحاشية القصّة أسفل خط النائب.
وإن كان قصة قد كتب بهامشها مرسوم الأتابك أو علّق بحاشيتها رسالة الدّوادار، كتب في جهة أعلى القصة:«يكتب بذلك» وعلى القرب منه التعيين.
وإنما يكتب هنا في جهة أعلى القصة وفيما عليه خطّ النائب الكافل في جهة أسفلها؛ لأنّ التعليق الذي على الهامش فيما علّق عن مرسوم الأتابك أو رسالة الدّوادار بخط كاتب الدّست الذي في خدمته، بخلاف ما عليه خطّ النائب بنفسه.
وإن كان الذي يقع فيه التعيين قائمة من ديوان الوزارة، أو ديوان الخاصّ أو ديوان الإستدّار، كتب بهامش القائمة من أعلاها مقابل كتابة المتحدّث على ذلك الديوان ما مثاله:«يكتب بذلك» ثم يكتب التعيين تحته على القرب منه.
وإن كان الذي يقع فيه التعيين مربعّة إقطاع من ديوان الجيش، كتب بالتعيين في آخرها مقابل التاريخ من الجهة اليمنى، ولا كتابة له عليها غير ذلك.
قلت: وقد جرت عادة كتّاب السرّ في زماننا أنه يكتب على القصص ونحوها، «يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا وكذا» على ما تقدّم بيانه بغير لام في أوّله. وكذلك الوزير وناظر الخاصّ والإستدّار يكتبون بغير لام في الأوّل. أما القضاة في الإذن بكتابة المحاضر ونحو ذلك فإنهم يكتبون «ليكتب» بإثبات اللام في أوّله، وهذه اللام تسمى لام الأمر وقد صرّح الإمام أبو «1» جعفر النحاس في
«صناعة الكتّاب» أنه لا يجوز حذفها. وعلى ذلك ورد لفظ القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ
«1» . وقوله: ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ
«2» ونحو ذلك.
وحكى جمال الدين بن هشام في المغني «3» [وقد تحذف اللام في الشعر ويبقى عملها كقوله (طويل) :
فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي
…
ولكن يكن للخير منك نصيب!
وقوله (وافر) :
محمّد، تفد نفسك كلّ نفس
…
إذا ما خفت من شيء تبالا!
] «4»
الطّرف الثاني «5» (في كتابة الملخّصات والإجابة عنها من الدواوين السلطانية)
قد تقدّم في الكلام على ما ينظر فيه صاحب الديوان أنه لما كان صاحب ديوان الإنشاء يضيق زمنه عن استيعاب حال الكتب الواردة من المملكة لوفورها واتّساع الدولة وكثرة المكاتبين، ناسب أن يتّخذ كاتبا يتصفّح الكتب الواردة ويتأملها، ويلخّص مقاصدها؛ قال أبو الفضل الصّوري في «تذكرته» : والرسم في ذلك أنّ الكاتب الذي يقيمه صاحب الديوان يتسلّم الكتب الواردة ويخرج معانيها على ظهورها، ملخّصا الألفاظ الكثيرة في اللفظ، غير مخلّ بشيء من
المعنى ولا محرّف له، مسقطا فضول القول وحشوه، كالدعاء والتصدير والألفاظ المتردّدة.
قال: ويخرج أيضا ما يختصّ بديوان الخراج «1» ، من الأمور التي ترد ضمن الكتب في معنى الخراج في أوراق يعيّن فيها الكتب التي وصلت فيها وتاريخها والجهة التي وردت منها، وينصّها على هيئتها، ويوجّهها إلى ديوان الخراج، فيجاب عنها منه، ويستدعي من متولّي ديوان الخراج الجواب عنها؛ ثم يعرض جميع ذلك على الملك، ويستخرج أمره بإمضاء المكاتبة به أو بغيره.
فإن كان بخطّ مخالف للعربيّ، كالرّوميّ والفرنجيّ والأرمنيّ وغيرها، أحضر من يعرف ذلك الخطّ ممن يوثق به ليترجمه في ظهره، فإن كان ذلك المترجم يحسن الخطّ العربيّ، كتب بخطه في ظهر الكتاب ما مثاله «يقول فلان: إني حضرت إلى ديوان الإنشاء وتسلّمت الرّقعة أو الكتاب الذي هذا الخط بظاهره، وسئلت عن تفسيره فذكرت أنه كذا وكذا» ويسرده إلى آخره «وبذلك أشهدت على نفسي» ويشهد عليه شاهدان:«هذا الذي ذكره بلا زيادة ولا نقص» .
وإن كان الكتاب مشحونا بالكلام بطنا وظهرا، نقله بخطه بالقلم الذي هو مكتوب به، وترجمه على ظاهره بخطّه بالعربيّ. وإن لم يحسن الكتابة بالعربيّ، كتب عنه الكاتب بمحضر من الشاهدين وأشهد عليه ليهاب أو يحجم فيما يقول، أو يغيّره أو ينقصه لأن أكثر من يترجم على مذهب صاحب الخط، فربما كتم عنه أوداجى فيه. فإذا خوّف بالإشهاد عليه وخشي أنّ غيره قد يقرأه على غير الوجه الذي أشهد به على نفسه ربما أدّى الأمانة فيه، فإذا لخّصت المكاتبة بظاهرها، سلّمت إلى متولّي الديوان ليقابل ظاهرها بباطنها؛ فإن وجده أخلّ فيها بشيء، أضافه بخطه وأنكر عليه إهماله ليتنبّه في المستقبل. فإن لم يكن فيها خلل عرضه على الملك واعتمد أمره فيه، وكتب تحت كل فصل منها ما يجب أن يكون
جوابا عنه على أحسن الوجوه وأفضلها؛ ثم يسلّمها إلى من يكتب الجواب عنها ممن يعرف اضطلاعه بذلك، ثم يقابل الجواب بالتخريج وما وقّع به تحته؛ فإن وجد فيها خللا سدّه، أو مهملا ذكره، أو سهوا أصلحه. وإن رآها قد كتبت على أفضل الوجوه وأسدّها، لم يفوّت فيها معنى ولم يزد إلا لفظا ينمّق به كتابه ويؤكّد به قوله، عرضها «1» على الملك حينئذ ليعلّم، ثم استدعى من يتولّى الإلصاق فألصقها بحضرته، وجعل على كلّ منها بطاقة يشير فيها إلى مضمونها؛ لئلّا يسأل عن ذلك بعد إلصاقها فلا يعلم ما هو؛ ثم يسلّمها إلى من يتولّى تنفيذها إلى حيث أهّلت له؛ وتسلّم النسخ الملخّصة إلى من يؤهّله لحفظها وترتيبها.
قلت: قد تبيّن بما تقدّم من كلام أبي الفضل الصّوريّ [ما كان عليه الحال في زمنه] والذي عليه حال الديوان في زماننا فيما يتعلق بذلك أن الكتب الواردة إلى الأبواب السلطانية من أهل المملكة وغيرها من سائر الممالك يتلقّاها أكبر الدّواداريّة، وهو مقدّم ألف على ما تقدّم ذكره في الكلام على ترتيب الدّيار المصرية؛ ويحضر القاصد المحضر للكتاب من بريديّ أو غيره، ثم يناوله للسلطان فيفضّ ختامه، وكاتب السرّ جالس بين يديه، فيدفعه السلطان إليه فيقرأه عليه ويستصحبه معه إلى الديوان؛ فإن كان الكتاب عربيّا دفعه كاتب السرّ إلى نائبه أو من يخصّه بذلك ليلخّص معناه، فينعم النظر فيه، ويستوفي فصوله، ويلخّص مقاصدها، ويكتب لكلّ ديوان من الدواوين التي يرفع إليها متعلّق ذلك الكتاب ملخّصا بالفصول المتعلّقة به في ورقة مفردة، ليجاوب عليها متولّي ذلك الديوان بما رسم له من الجواب عنها.
واعلم أن الذي تكتب له الملخّصات في زماننا من الدواوين السلطانية خمسة دواوين، وهي: ديوان الإنشاء، وديوان الوزارة، وديوان الجيش، وديوان الخاصّ، وديوان الإستدّاريّة، وهو الديوان المفرد.
والطريق إلى كتابة الملخّصات أن يحذف ما في صدر الكتب من الحشو على ما تقدّم في كلام أبي الفضل الصّوري، ثم يعمد إلى مقاصد الكتاب فيستوفي فصوله ويتصوّرها بذهنه، ثم ينظر في متعلّقات تلك الفصول، ويكتب لكل ديوان من الدواوين المتقدّمة ملخّصا بما يتعلق به من الفصول في فصل واحد أو أكثر، بحسب ما تقتضيه قلّة الكلام وكثرته.
وكيفية كتابته أن يترك من رأس الوصل قدر ثلاثة أصابع بياضا، ثم قدر إصبعين بياضا عن يمينه، وقدر إصبعين بياضا عن يساره؛ ويكتب في صدره ما مثاله:«ذكر فلان في مكاتبته الواردة على يد فلان المؤرّخة بكذا وكذا» يمدّ لفظ «ذكر» بين جانبي الوصل، ويكتب باقي الكلام تحتها في أوّل الوصل إلى آخره في العرض من غير خلوّ بياض «أنه اتفق من الأمر ما هو كذا وكذا» أو «أنه سأل في كذا وكذا» . ثم يخلّي بياضا قدر أربعة أصابع مثلا ويكتب في وسط الدّرج بخلوّ بياض من الجانبين، «وذكر» على نحو ما تقدّم؛ ثم يكتب باقي الكلام من أوّل الوصل إلى آخره، ويفعل ذلك بكل فصل في الكتاب يتعلّق بذلك الديوان المختص بذلك الملخّص؛ ويكتب في آخر كل فصل «وقد عرض على المسامع الشريفة» و «مهما برزت به المراسيم الشريفة كان العمل بمقتضاه» ونحو ذلك.
ثم إن كان الملخّص لديوان الإنشاء، كتب بأعلى الوصل من ظاهره من الجانب الأيسر منه ما مثاله «ديوان الإنشاء» . وإن كان لديوان الجيش كتب هناك ما مثاله «ديوان الجيش» . وكذا ديوان الخاصّ وسائر الدواوين المتقدّمة الذكر.
فإذا كملت الملخّصات، وقف عليها كاتب السرّ؛ فما كان منها متعلّقا بديوان الإنشاء عرضه على السلطان واستمطر جوابه عنه، فيكتب مقابله في الملخص «يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا وكذا» أو «رسم بذلك» أو «رسم بكذا وكذا» . وما كان منها متعلّقا بديوان الوزارة بعث به إلى الوزير؛ وما كان منها متعلقا بديوان الجيش بعث به إلى ناظر الجيش؛ وما كان منها متعلقا بديوان الخاص بعث به إلى ناظر الخاصّ: ليقرأ كلّ منهم ملخّصه على السلطان وينظر ما يأمر به فيه، فما كان كتب به بجانب الفصل الذي كتب به في الملخّص «أمضي ذلك» أو «لم
يمض» أو «رسم بكذا وكذا» ونحو ذلك، وسائر الدواوين على هذا النمط.
وإن كان الكتّاب غير عربيّ؛ فإن كان بالتركية المغلية ونحوها كالكتب الواردة عن بعض القانات من ملوك الشّرق فإنه يتولى ترجمتها من يوثق به من أخصّاء الدولة، من الأمراء أو الخاصكيّة ونحوهم، ممن يعرف ذلك اللسان؛ ثم يقرأ ترجمته على السلطان، ويعتمد ما يأمر به في جوابه ليكتب به. وإن كان بالرومية أو الفرنجية ونحوهما من اللغات المختلفة، ترجم على نحو ما تقدّم، وكتب ملخّصه وقريء على السلطان والتمس جوابه، وكتب كاتب السرّ على الملخّص بما رسم فيه.