الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنفاذه؛ ولا يقتصر على ما تقدّم، إيجابا للحجّة، وتضييقا للعذر، وحسما لأسباب الاعتذار.
الخامس- أن يكون ما يكتب به عن السلطان إحمادا أو إذماما
، أو وعدا أو وعيدا أو استقصارا أو عذلا أو توبيخا. قال في «موادّ البيان» : فيجب أن يشبع الكلام ويمدّ القول، بحسب ما يقتضيه أمر المكتوب إليه، في الإساءة والإحسان، والاجتهاد والتقصير، لينشرح صدر المشمّر المحسن، وينبسط أمله ورجاؤه؛ ويرتدع المقصّر المسيء، ويرتجع عما يذمّ منه، ويتلافى ما فرّط فيه.
الضرب الثاني (ما يعمل فيه على البسط والإطناب)
وقد استحسنوا البسط في موضعين:
أحدهما- أن يكون ما يكتب به السلطان خبرا يريد تقرير صورته في نفوس العامة
، كالإخبار بالفتوحات المتجدّدة في إعلاء الدّين والسلطان. قال في «موادّ البيان» : فيجب أن يشبع القول فيها، ويبني على الإسهاب والإطناب وتكثير الألفاظ المترادفة، ليعرفوا قدر النّعمة الحادثة، وتزيد بصائرهم في الطاعة، ويعلو موضع سلطانهم من عناية الله تعالى به، فتقوى قلوب أوليائه، وتضعف قلوب أعدائه؛ لأنه لو كتب كتابا في فتح جليل ليقرأ في المحافل والمشاهد العامّة على رؤوس الأشهاد بين العامّة ومن يراد تفخيم السلطان في نفسه على صورة الاختصار، لأوقع كلامه في غير رتبته، ودلّ ذلك على جهله. وقد أوضح الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، رحمه الله، هذا المقام في كتابه «حسن التوسل» فقال: وإذا كتب في التهاني بالفتوح فليس إلا بسط الكلام والإطناب في شكر نعمة الله تعالى، والتبرّي من الحول والقوّة إلا به، ووصف ما أعطى من النصر، وذكر ما منح من الثبات، وتعظيم ما يسّر من الفتح؛ ثم وصف ما بعد ذلك من عزم، وإقدام، وصبر، وجلد، عن الملك وعن جيشه مما حسن وصفه ولاق ذكره، وراق التوسّع فيه، وعذب بسط الكلام معه. قال: ثم كلّما اتسع
مجال الكلام في ذكر الواقعة ووصفها، كان أحسن وأدلّ على السّلامة، وأدعى لسرور المكتوب إليه، وأحسن لتوقّع المنّة عنده، وأشهى إلى سمعه، وأشفى لغليل شوقه إلى معرفة الحال. قال: ولا بأس بتهويل أمر العدوّ، ووصف جمعه وإقدامه، فإنّ في تصغير أمره تحقيرا للظّفر به.
قال في «موادّ البيان» : ولا يحتجّ للإيجاز في كتب الفتوح بما كتب به كاتب المهلّب «1» بن أبي صفرة إلى الحجّاج في فتح الأزارقة، على ارتفاع خطره، وطول زمانه، وعظم صيته، من سلوكه فيه مسلك الاختصار؛ حيث كتب فيه:
«الحمد لله الذي كفى بالإسلام فقد ما سواه، وجعل الحمد متصلا بنعماه؛ وقضى أن لا ينقطع المزيد من فضله، حتّى ينقطع الشّكر من خلقه. ثم إنّا كنّا وعدوّنا على حالين مختلفين، نرى منهم ما يسرّنا أكثر مما يسوءنا، ويرون منا ما يسوءهم أكثر مما يسرّهم؛ فلم يزل ذلك دأبنا ودأبهم، ينصرنا الله ويخذلهم، ويمحّصنا ويمحقهم؛ حتّى بلغ الكتاب بناديهم أجله فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
«2» .
فإنه إنما حسن في موضعه لمخاطبة السّلطان به، ولغرض كانت المكاتبة فيه. قال: فإن كتب مثل هذا الكتاب عن السلطان في مثل هذا الفتح أو ما يقاربه؛ ليورد على العامّة، ويقرّر في نفوسهم به قدر النعمة، لم يحسن موقعه،