الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطرف السابع (في الكتب الصادرة عن الخلفاء الموحّدين أتباع المهديّ بن «1» تومرت المستمرّ بقاياهم الآن بتونس وسائر بلاد أفريقيّة، وهي على أسلوبين)
الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «من فلان إلى فلان» )
وكان الرسم فيها أن يقال: «من أمير المؤمنين فلان» ويدعى له بما يناسبه «إلى فلان» ويدعى له بما يليق به؛ ثم يؤتى بالسلام؛ ثم يؤتى بالبعدية والتحميد والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم، والترضية عن الصحابة، ثم عن إمامهم المهديّ؛ ثم يؤتى على المقصود، ويختم بالسلام. والخطاب فيه بنون الجمع عن الخليفة وميم الجمع عن المكتوب إليه.
كما كتب عن عبد المؤمن «2» خليفة المهديّ إمامهم إلى الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعد «3» :
«من أمير المؤمنين أيّده الله بنصره، وأمدّه بمعونته، إلى الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعد وفّقه الله، ويسّره لما يرضاه، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فالحمد لله الذي له الاقتدار والاختيار، ومنه العون لأوليائه والإقدار، وإليه يرجع الأمر كلّه فلا يمنع منه الاستبداد والاستئثار. والصلاة على محمد نبيّه الذي ابتعثت بمبعثه الأضواء والأنوار، وعمرت بدعوته الأنجاد والأغوار، وخصم بحجّته الكفر والكفّار، وعلى آله وصحبه الذين هم الكرام الأبرار، والمهاجرين والأنصار، والرّضا عن الإمام المعصوم، المهديّ المعلوم، القائم بأمر الله حين غيّرته الأغيار، وتقدّم الامتعاض له والانتصار. وهذا كتابنا- كتب الله لكم نظرا يريكم المنهج، ويلفيكم الأبهج فالأبهج، وآتاكم الله من نعمة الإيمان، وعصمة الانقياد له والإذعان، ما تجدون به اليقين والثّلج- من حضرة مرّاكش حرسها الله تعالى، ولا استظهار إلا بقوّته وحوله، ولا استكثار إلا من إحسانه وطوله.
ولما جعل الله هذا الأمر العظيم رحمة لخلقه، ومطيّة لرقيه وقرارة لإقامة حقّه، وحمّل حملته الدعاء إليه، والدلالة به عليه، والترغيب في عظيم ما عنده ونعيم ما لديه، وجعل الإنذار والإعذار من فصوله المستوعبة، وأحكامه المرتّبة، ومنجاته المخلّصة من الخطوب المهلكة والأحوال المعطبة- رأينا أن نخاطبكم بكتابنا هذا أخذا بأمر الله تعالى لرسوله في المضاء إلى سبيله، والتحريض على اغتنام النجاء وتحصيله، وإقامة الحجّة في تبليغ القول وتوصيله، فأجيبوا- رفعكم الله- داعي الله تسعدوا، وتمسّكوا بأمر المهديّ- رضي الله عنه في اتّباع سبيله تهتدوا، واصرفوا أعنّة العناية إلى النظر في المآل، والتفكّر في نواشيء التغيّر والزوال، وتدبّروا جري هذه الأمور وتصرّف هذه الأحوال، واعلموا أنه لا عزّة إلا بإعزاز الله تعالى فهو ذو العزّة والجلال. وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ «1» *
فالدّنيا دار الغرور، وسوق المحال، وليس لكم في قبول
النصيحة، وابتداء التوبة الصحيحة، والعمل بثبوت الإيمان في هذه العاجلة الفسيحة، إلّا ما تحبّونه في ذات الله تعالى من الأمنة والدّعة، والكرامة المتّسعة والمكانة المرفّعة، والتنعّم بنعيم الراحة المتصلة والنفس الممتنعة. فنحن لا نريد لكم ولسائر من نرجو إنابته، ونستدعي قبوله وإجابته، إلا الصّلاح الأعمّ، والنجاح الأتمّ. وتأملوا- سدّدكم الله- من كان بتلك الجزيرة- حرسها الله- من أعيانها، وزعماء شانها، هل تخلّص منهم إلى ما يودّه، وفاز بما يدّخره ويعدّه، إلا من تمسّك بهذه العروة الوثقى، واستبقى لنفسه من هذا الخير الأدوم الأبقى، وتنعّم بما لقي من هذا النعيم المقيم ويلقى؟ وأما من أخلد إلى الأرض واتّبع هواه، ورغب بنفسه عن هذا الأمر العزيز إلى ما سواه، فقد علم بضرورتي المشاهدة والاستفاضة سوء منقلبه، وخسارة مذهبه ومطّلبه، وتنقّل منه حادث الانتقام أخسر ما تنقّل به. وحقّ عليكم- وفقكم الله ويسّركم لما يرضاه- أن تحسنوا الاختيار، وتصلوا الادّكار والاعتبار، وتبتدروا الابتدار. وما حقّ من انقطع إلى هذا الأمر الموصول الواصل، وأزمع ما يناله من خيره المحوز الحاصل، أن يناله منكم شاغل يشغله عن مقصوده، ويحيط به ما يصرفه عن محبوبه ومودوده، فقد كان منكم في أمر أهل بلنسية «1» حين إعلانهم بكلمة التوحيد، وتعلّقهم بهذا الأمر السعيد ما كان، ثم كان منكم في عقب ذلك ما اعتمدتموه في أمر أهل لورقة «2» - وفّقهم الله- حين ظهر اختصاصهم، وبان إخلاصهم. وليس لذاك وأمثاله عاقبة تحمد، فالخير خير ما يقصد، والنجاة فيما ينزح عن الشر ويبعد. وإنا لنرجوا أن يكفّكم عن ذلك وأشباهه إن شاء الله تعالى نظر موفّق، ومتاع محقّق، ويجذبكم إلى موالاة هذه الطائفة المباركة جاذب يسعد، وسائق يرشد، والله يمنّ عليكم بما ينجّيكم، ويمكّن لكم في طاعته