الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدر موضعه في خدمته ومحلّه عنده، وقد تقدّم أن أعلى الدعاء كان عندهم بإطالة البقاء؛ ولذلك كان يدعى لملوك بني بويه فمن بعدهم بلفظ:«أطال الله بقاءك» . وقد تقدّم في المقالة الثالثة في الكلام على مقادير قطع الورق وما يناسب كلّ قطع من الأقلام أنه إن كانت المكاتبة عن الخليفة ترك الكاتب من رأس الدّرج قدر ذراع بياضا، ثم يكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» ثم يكتب في سطر ثان يلاصقها ويخرج يسيرا، من عبد الله إلى آخر التصدير الذي يليه «أمّا بعد» ، وأن التصدير يكون في سطرين بينهما فضاء قدر شبر، لا يزيد عن ذلك ولا ينقص، ثم يترك بعد هذين السطرين فضاء بنصف ما بين الأوّلين فيما ذكره في «موادّ البيان» : وبقدره فيما ذكره في «ذخيرة الكتاب» ثم يقول: أما بعد، ويأتي على المكاتبة إلى آخرها على هذا النحو.
أما عنونة كتبهم، فكانت في أوّل دولتهم:«من عبد الله فلان الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين» في الجانب الأيمن، وفي الجانب الأيسر «إلى فلان بن فلان» . ثم زاد المأمون في أوّل عنواناته «بسم الله الرحمن الرحيم» . ولما تكنّى الأمين في كتبه بعد ذلك زيدت الكنية في العنوان، فكان يكتب في الجانب الأيمن «بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني» وفي الجانب الأيسر، «إلى فلان بن فلان» . وقد تقدّم في الكلام على ترتيب المكاتبات أن البسملة بقيت في العنونة إلى زمن النّحاس في خلافة الراضي، وأن صاحب «موادّ البيان» ذكر أنها بطلت منه بعد ذلك.
قال النحاس: فإن كان المكتوب إليه من موالي بني هاشم، نسب إلى ذلك. وإن لم يكن ينسب إليهم ترك.
الجملة الثانية (في الكتب العامّة، وهي على أسلوبين)
الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من فلان إلى فلان» )
بأن يكتب «من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين إلى آخر المكاتبة على ما تقدّم ترتيبه.
وهذه نسخة «1» كتاب من ذلك كتب به أبو إسحاق «2» الصابي عن الطائع «3» لله إلى صمصام «4» الدولة بن عضد الدولة بن بويه بسبب كردويه، الخارج عن الطاعة، وليس فيه تكنية للخليفة وهو:
من عبد الله عبد الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين إلى صمصام الدولة وشمس الملّة أبي كاليجار بن عضد الدولة وتاج الملّة مولى أمير المؤمنين.
سلام عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد- أطال الله بقاءك- فإن أمير المؤمنين وإن كان قد بوّأك المنزلة
العليا، وأنالك من أثرته الغاية القصوى، وجعل لك ما كان لأبيك عضد الدولة وتاج الملة- رحمة الله عليه- من القدر والمحلّ، والموضع الأرفع الأجلّ، فإنه يوجب لك عند بذلك «1» أثرا يكون لك في الخدمة، ومقام حمد تقومه في حماية البيضة، إنعاما يظاهره، وإكراما يتابعه ويواتره. والله يؤيّدك «2» من توفيقه وتسديده، ويمدّك بمعونته وتأييده، ويخير لأمير المؤمنين فيما رأيه مستمرّ عليه من مزيدك وتمكينك، والإبقاء بك وتعظيمك، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب.
وقد عرفت- أدام الله عزّك- ما كان من أمر كردويه «3» كافر نعمة أمير المؤمنين ونعمتك، وجاحد صنيعته وصنيعتك، في الوثبة التي وثبها، والكبيرة التي ارتكبها، وتقريره «4» أن ينتهز الفرصة التي لم يمكّنه الله منها، بل كان من وراء [ذلك] دفعه وردّه عنها، ومعاجلتك إيّاه الحرب التي أصلاه الله نارها، وقنّعه عارها وشنارها «5» ، حتّى انهزم والأوغاد «6» الذين شركوه في إثارة الفتنة، على أقبح أحوال الذّلة والقلّة، بعد القتل الذّريع، والإثخان الوجيع فالحمد لله على هذه النعمة التي جلّ موقعها، وبان على الخاصّة والعامّة أثرها، ولزم أمير المؤمنين خصوصا والمسلمين عموما نشرها، والحديث بها، وهو المسؤول إقامتها وإدامتها برحمته.
وقد رأى أمير المؤمنين أن يجازيك عن هذا الفتح العظيم، والمقام المجيد الكريم، بخلع «7» تامّة، ودابّتين ومركبين «8» ذهبا من مراكبه، وسيف
وطوق وسوار مرصّع، فتلقّ ذلك بالشكر «1» عليه، والاعتداد بنعمته فيه، والبس خلع أمير المؤمنين وتكرمته، وسر من بابه على حملاته، وأظهر ما حباك به لأهل حضرته، ليعزّ الله بذلك وليّه ووليّك، ويذلّ عدوّه وعدوّك، إن شاء الله تعالى، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته. (وكتب أحمد بن محمد لثمان إن بقين من شهر ربيع الأوّل سنة خمس وسبعين وثلاثمائة) أطال الله بقاءك، وأدام عزّك، وأحسن «2» حفظك وحياطتك، وأمتع أمير المؤمنين بك، وبالنعمة فيك وعندك.
وهذه نسخة كتاب آخر من ذلك أيضا، كتب به عن المقتفي لأمر الله إلى السلطان مسعود «3» بن محمد بن ملكشاه السلجوقيّ في تعزية بولد مات له، وفيه تكنية الخليفة وتقديم الكنية على الاسم وكثرة الألقاب للمكتوب إليه وهو.
سلام عليك، فإنّ أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلّي على محمد عبده ورسوله ويسلّم تسليما.
أما بعد، أطال الله بقاءك! وأدام عزّك وتأييدك وسعادتك ونعمتك، وأحسن حفظك وكلاءتك ورعايتك؛ وأمتع أمير المؤمنين بك، وبالنعمة الجليلة والموهبة الجزيلة والمنحة النّفيسة فيك وعندك، ولا أخلاه منك!، فإن أولى من ادّرع للحوادث جبّة الاصطبار، ونظر أحوال الدنيا في تقلّبها بعين الاعتبار، ورجع إلى الله تعالى في قدره وقضائه، وسلّم لأمره الذي لا رادّ له في امتحانه وابتلائه، وعرف أنّ له سبحانه في كلّ ما يجريه على عباده حكمة باطنة، ومصلحة كامنة، من خير عاجل ينشره، وثواب آجل يؤخّره لهم إلى يوم الجزاء ويدّخره، وفائدة هو أدرى بها وأعلم، وفعله فيها أتقن وأحكم، من خصّه بما خصّك الله به من الدين الراجح، والخلق الصالح، والمعتقد الواضح، والنّعم التي جادك في كلّ يوم مقام سحابها، واتسعت بين يديك عند مضايق الأمور رحابها، وأنست إذا استوحشت من العاجزين عن ارتباطها بالشّكر صحابها؛ والمناقب التي فرعت بها صهوات المجد، وتملّكت رقّ الثناء والحمد؛ وعلوت فيها عن المساجل والمطاول، وبعد ما حضر لك منها عن أن تناله يد القائم المحاول. وتأدّى إلى حضرة أمير المؤمنين- أمتعه الله ببقائك، ودافع له عن حوبائك «1» - نبأ الحادثة بسليلك الذي اختار الله له كريم جواره، فأحبّ له الانتقال إلى محلّ الفوز ومداره، فوجد لذلك وجوما موفّرا، وهمّا للسّكون منفّرا؛ وتوزّعا تقتضيه المشاركة لك فيما ساويته (؟) والمساهمة الحاصلة في كل ما حلا من الأمور وأمرّ، وأمر عند ورود هذا الخبر بالتصدّي للعزاء، وإعلان ما يعلن عن مقاسمتك في الضّرّاء- دفعها الله عنك- والسّرّاء؛ وندب جمعا من الخدم المطيفين بشريف سدّته، المختصين بعزيز خدمته؛ بتعزّ يتصوّنه لباس التعزية، ويستدني بتقمّصه عازب التسلية، إبانة عن انصراف الهمم الإماميّة إليك فيما خصّ وعمّ من حالك، واستجلابه لك دواعي المسارّ في حلّك