الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث من المقالة الثالثة (في بيان المستندات، وكتابة الملخّصات، وكيفيّة التعيين، وفيه فصلان)
الفصل الأوّل (في بيان المستندات، وهي التوقيع على القصص وما يجري مجراه، وما يحتاج فيه إلى كتابة المستندات، وهو على ضربين)
الضرب الأوّل (السّلطانيات، وهي صنفان)
الصنف الأوّل (ما يصدر عن متولّي ديوان الإنشاء، كولايات النّوّاب والقضاة وغيرهما من أرباب الوظائف، والتواقيع التي تكتب في المسامحات والإطلاقات، ومكاتبات البريد الخاصّة بالأشغال السلطانية، وأوراق الطريق وما يجري مجرى ذلك)
وجميعها معدوقة «1» بنظر صاحب ديوان الإنشاء. فما كان منها جليل الخطر كولايات النّوّاب والقضاة وأكابر أرباب الوظائف والمكاتبات المتعلّقة
بمهمّات السلطنة، فلا بدّ من مخاطبة صاحب ديوان الإنشاء فيها واعتماد ما يبرز به أمره. وما كان منها حقيرا بالنسبة إلى مخاطبة السلطان فيه استقلّ فيه بما يقتضيه رأيه.
ثم من ذلك ما يكتب به صاحب الديوان رقاعا «1» لطيفة بخطه ويعيّنها على الكاتب الذي يكتبها وتدفع إليه لتخلّد عنده شاهدا له، كالولايات والمسامحات والإطلاقات والمكاتبات المتعلّقة بأمور المملكة ونحو ذلك. ومن ذلك ما يبرز به أمر صاحب الديوان مشافهة فيكتبه من غير شاهد عنده، وذلك في الأمور التي لا درك فيها على الكاتب، كتقاليد النّوّاب وبعض المكاتبات، إذ لا تهمة تلحق كاتب الإنشاء في مثل ولاية نائب كبير أو قاض حفيل؛ لأن مثل ذلك لا يخفى على السلطان، فأشبه خطاب صاحب الديوان فيها الكاتب خطاب السلطان صاحب الديوان حيث لا شاهد عليه إلا الله تعالى، بخلاف الأمور التي يلحق كاتبها الدّرك، فإنه لا بدّ في كتابتها من تخليد شاهد. وكان الواجب أن لا يكتب حقير ولا جليل إلا بشاهد من صاحب الديوان، فإن الأمور تتراكم وتكثر، والإنسان معرّض للنسيان، وربما عرض إنكار بسبب ما يكتبه الكاتب ونسيه صاحب الديوان فيكون الكاتب قد عرّض نفسه لأمر عظيم. ولا يقاس الكاتب على صاحب الديوان في عدم أخذه شاهدا بخطّ السلطان، فإن صاحب الديوان هو المتصرّف حقيقة، والسلطان وكلّ جميع أمور المملكة إليه، فلا يتّهم في شيء منها، بخلاف الكاتب.
وقد ذكر أبو الفضل الصّوريّ في «تذكرته» أن المكتوب من الديوان إن كان مكاتبة فالواجب أن يكون عنوانها بخط متولّي الديوان، وإن كان منشورا فالواجب أن يكون التاريخ بخطّه ليدلّ على أنه وقف على المكتوب وأمضى حكمه ورضيه، ويكون ذلك قد قام مقام كتابة اسمه فيه. ثم قال: وقد كان
الرسم بالعراق- وفيه الكتّاب الأفاضل- أن يكتب الكتّاب ما يكتبون ثم يقولون في آخره: «وكتب فلان بن فلان» باسم متولّي ديوان الرسائل. وما ذكره عن أهل العراق قد ذكر نحوه أبو جعفر النّحاس في «صناعة الكتّاب» إلا أنه قد جعل بدل اسم متولّي الديوان اسم الوزير [فقال] ويكتب في آخر الكتاب «وكتب فلان بن فلان» باسم الوزير واسم أبيه. وقد رأيت نسخا عدّة من سجلّات الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية مستشهدا فيها باسم الوزير على النّهج المذكور. على أنه كان الواجب أن يكون الاستشهاد في آخر كل كتاب باسم كتابه الذي يكتبه ليعلم من كتبه، فإن الخطوط كثيرة التشابه، لا سيما وقد كثر كتّاب الإنشاء في زماننا وخرجوا عن الحدّ، حتّى أنه لم يعرف بعضهم بعضا فضلا عن أن يعرف خطّه. وقد كان كتّاب النبيّ، صلى الله عليه وسلم، إذا سجّلوا عنه سجلّا أو نحوه كتب الكاتب في آخره «وكتب فلان بن فلان» . وهذه الرّقعة التي كتبها النبيّ، صلى الله عليه وسلم، لتميم «1» الداريّ بإقطاع قرى من قرى الشام موجودة بأيدي التميميّين إلى الآن مستشهدا فيها بخطّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه. وإنما عدلوا عن اسم الكاتب نفسه إلى اسم متولّي الديوان أو الوزير استصغار للكاتب أن يستشهد للكتاب باسمه فيما يكتب به عن الخليفة. قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» : وقد قالوا إن أوّل من كتب في آخر الكتاب «وكتب فلان بن فلان» أبيّ «2» بن كعب رضي الله عنه.