الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما منحك من الاستضاءة بنور الحق المبين.
فأما الأمير الأسفهسلار فخر الملك رواج وبعثك له على الوصول إلى الباب، وحضّك إيّاه على التعلّق من الخدمة بمحصد الأسباب، فما كان الإذن له في ذلك إلّا لأنّ كتابه وصل بملتمسه، وعرض فيه نفسه وبذل المناصحة والخدمة، ويسأل سؤال من يعرف قدر العارفة بالإجابة إليه وموقع النعمة، فأجيب إلى ذلك إسعافا له بمراده، وعملا برأي الدولة فيمن يرغب إلى التحيّز إليها من أقطاره وبلاده، وإلا فلا حاجة لها إليه ولا إلى غيره؛ لأن الله تعالى- وله الحمد- وفّر حظّها من الأولياء والأشياع، والأنصار والأتباع، والعساكر والجيوش والأجناد والأنجاد، والأعوان الأقوياء الشّداد، وعبيد الطاعة الذين يتبارون في النّصح ويتنافسون في الاجتهاد والحرص، وسعة الأموال، وعمارة الأعمال، وجمع الرّجال في العزائم بين الأفعال والأقوال ولو وصل المذكور لكانت المنّة للدولة عليه، والحاجة له في ذلك لا إليه، قال الله عز من قائل:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
«1» .
وأمّا توجهه إلى طرابلس وظفره بقومصها وقتله إيّاه مع من بها، وعظيم أمره فيها؛ فالله تعالى يعزّ الإسلام وينشر لواءه، ويعلي مناره ويخذل أعداءه، وينصر عساكره وأجناده، ويبلّغه في أحزاب الكفر والضلال مراده، وهو عز وجل يمتّعك من الولاء بما منحك، وينيلك في دينك ودنياك أملك ومقترحك؛ فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى» .
الأسلوب الثاني (أن يفتتح الجواب بلفظ «أمّا بعد» )
كما كتب عن المقتفي إلى السلطان محمود «2» بن محمد السّلجوقيّ جوابا
عن كتابه الوارد بإخباره باجتماعه مع عمه سنجر، ونسخته «1» :
أما بعد، فإنّ كتابك عرض بحضرة أمير المؤمنين ناطقا بدرك الأوطار، وحصول المقاصد على الآثار، وما أنهيته من الاجتماع بعزّ الدنيا والدّين جمع الله في طاعته شملكما ووصل بالألفة والتوادد حبلكما! ومن إكرام الوفادة الذي أنت أهله ووليّه، وحقيق أن يتبع وسميّه لديك وليّه، والموافقة على كل حال آذنت ببلوغ الأغراض وتيسّرها، ونجاز المساعي على أتمّ وفاق وتقرّرها، وانتظام الأمور على أجمل معتاد وأكمل مراد، وأحسن اتّساق واطّراد، واستقرار القواعد على الوصف الجامع أشتات الاتّفاق، الدالّ على صدق المحافظة بينكما وفرط الإشفاق، محفوفا بالسعادة التي لا تزال مآثرك في الطاعة الإمامية تملك قيادها، وتقلّدك على الاتصال نجادها، فتهللت بهذا النّبإ المبهج أسرّة البشرى، وأصبح الجذل بمكانه أفعم عرفا وأذكى نشرا، وقامت لأجله في عراص «2» الدار العزيزة مواسم، أضحت المسرّة بها مفترّة الثغور ضاحكة المباسم؛ وجدير بمن كان له من الهمم الشريفة مدد واف، ومنجد يدفع في صدر كلّ خطب مواف، أن تكتنفه الميامن والسّعود، ويصدق «3» في كل مرمى ينحوه من النّجح الموعود، وتنقاد له المصاعب ذللا، ويعود بيمن نقيبته كلّ عاف من الصلاح جديدا مقتبلا ولا ينفكّ صنع الله جلّ اسمه لطيفا، وبرباعه محدقا مطيفا، والتوفيق مصاحبه أنّى حلّ وثوى، أو ثنى عنانه إلى وجه ولوى، والله يمتّع أمير المؤمنين منك بالعضد الذي يذبّ عن دولته ويحامي، ويناضل دونها بجنود الإخلاص ويرامي،