الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمبادرة إلى كلّ ما يأمركم به فلان الوالي عليكم من صمصام الدولة بالاستخلاف والتفويض، ومن أمير المؤمنين، بالإمضاء لما أمضاه، والرضا بما يرضاه، فاعلموا ذلك من رأي أمير المؤمنين وأمره، وانتهوا فيه إلى حدّه ورسمه، وكونوا لفلان الوالي خير رعيّة، يكن لكم خير راع، فقد أمر فيكم بحسن السّيرة، وإجمال المعاملة، وتخفيف الوطأة، ورفع المؤونة «1» ؛ وجعل إليه عقاب المسيء، وثواب المحسن، ومسالمة المسالم، ومحاربة المحارب، وأمان المستأمن، وإقالة المستقيل، وحمل الجماعة على سواء السبيل، إن شاء الله تعالى.
الجملة الثالثة (في الكتب الخاصة مما يصدر عن الخلفاء، وهي على ضربين)
الضرب الأوّل (ما يكتب عن الخلفاء إلى وزرائهم)
قال في «صناعة الكتاب» : ويكاتب الإمام الوزير أو من حلّ محله «أمتعني الله بك وبدوام النّعمة عندي بك، وبقاء الموهبة لي فيك» وما جرى هذا المجرى.
وذكر في «ذخيرة الكتاب» : أن الدعاء للوزير «أمتعنا الله بك وبدوام النّعمة لنا فيك وتجديد الموهبة عندنا بك» . ثم قال: ودعا «المكتفي بالله» للقاسم بن عبد الله لما أمر بتكنيته، وكان الكتاب بخطه «أمتعني الله بك وبالنعمة فيك» ووقّع المستنصر إلى وزيره أحمد بن الخصيب «مدّ الله في عمرك» . وهو قريب مما ذكره في «صناعة الكتاب» في ذلك كله. والذي رأيته في مكاتبات العلاء بن موصلايا «2» عن «القائم بأمر الله» التصدير بما فيه تعظيم
الوزير وتقريظه، من غير ضابط في الابتداء، والدعاء في أثناء ذلك بالحياطة ثم التوصل إلى المقصد.
وهذه نسخة كتاب كتب به العلاء بن موصلايا عن القائم إلى وزيره:
لمّا خص الله تعالى الدولة القاهرة العبّاسية بامتداد الرّواق «1» ، في العز واتساع النطاق، وأجرى لها الأقدار بما يجمع شمل الحق ويمنع من نفاق النّفاق، وأفرد أيّامها بالبهاء المنير الأعلام، والانتهاء في قوّة الأمر إلى ما يتأدّى في طاعتها بين اليقظات والأحلام، وجعل الزمان واقفا عند حدّها في النقض والإبرام، ومتصرّفا على حكمها في كل ما حاول من حال ورام، ومكّن لها في الأرض حتّى أذلّت نواصي الأعداء قهرا وقسرا، وحسرت عن قناع القدرة على ردّ الطامعين في إدراك مداها ظلّعا حسرى، فإن الله تعالى لم يخلها كلّ وقت من قائل في نصرتها فاعل، وقائم بإقامة حشمتها من كل حاف من الأنام وناعل، وراغب في الذّبّ عن حوزتها سرّا وجهرا، وخاطب من خدمتها ما يرجى أن يكون رضا الله في المقابلة عنه أغلى مهرا، وناهج جدد الرّشد في المناضلة عنها بسيفه وقلمه، وفارج للكرب الحادثة فيها بنطق فيها بنطق فيه وسعي قدمه.
وقد منح الله أيام أمير المؤمنين- من كونك الوليّ بمواصلة المقامات الغرّ فيها، والخليّ من كل ما يباين صحّة الموالاة وينافيها، والضّمين لما عاد عليها باستقامة النظام، والضّنين بما يوجد للغير الطريق إلى وصول الحتف إليها والاهتضام، والمتجرّد في إمداد عزّها بالإحصاف والإمرار، والمتفرّد بإعداد أقسام المناضلة دونها في الإعلان والإسرار، والباذل وسعه فيما ثنى إليها أعنّة السعد ولواها، والخاذل كلّ مستنجد بها فيما يخالف محبتها وهواها- ما أوفى «2» على المألوف في أمثالها من قبل، وصار لك به على كل من سلفك من الأعضاء
التقدّم والفضل؛ فهي- بآثارك الحميدة فيها، وإكبارك الجدّ في تشييد مبانيها، وكونك كافيا أمر المحاماة من ورائها، كافّا عنها ما يخشى من حدوث أسباب الفساد واعترائها- منيعة الجانب مريعة الجناب، سريعة فيها السّعود إلى ما يلبّي نداءها بأحسن التلبية والجواب.
ثم إنه وإن كانت زلفك «1» إلى حضرة أمير المؤمنين بادية الحجول والغرر، غير محتاجة إلى إقامة الدليل عليها بما اتضّح من أمرها واشتهر، فإنّ فلانا يعيد جلاءها دائما في أبهى الملابس وأنضرها، ويجيد الجدّ في الدّلالة على تقابل مخبرها في الجمال ومنظرها، ويكشف من صفاء السرائر فيها والبواطن، وما يطّلع عليه منها في كل المحال والمواطن، ما يسهب في وصفه ويعجب سماع ذكره ويطرب.
وفي هذه النّوبة عاد، وقد زاد، على المعهود من شكرك وجازه، وأبان عن صلته بالوعد في ضمان النّجح منك نجازه، وأوجب على نفسه أن لا يقف عند حدّ فيما يؤدّي إلى نشر محامدك في الأرض، وطيّ الجوانح لك على الإخلاص الصادق المحض.
ولما مثل بحضرة أمير المؤمنين على رسمه الذي وسم بالجمال جبينه، وابتسم ثغر التوفيق فيه عمّا أصبح النّجح أليف سعيه وقرينه، وبحسب فوزه من شرف الحظوة برتبة لم ينلها أحد الأقران له في الزمان، وفوته شأو أبناء جنسه يوم المضمار والرّهان، كفاء ما يستوجبه بغلاء قيمته في الكمال، والغناء به في كل مقام أمن حدّ مضائه فيه الكلال، أشار بذكر مقاصدك التي حزت بها من غنائم الحمد الصّفايا، وشاد مباني محامدك بفضل الإبانة عن السرائر والخفايا، وتابع الثّناء على كلّ من أفعالك التي أمسى هلالك فيها مقمرا، ووضح فيها كونك بشروط الإخلاص محبّا مضمرا، وشرح من توفّرك على كلّ قربة غرّاء تغري
الألسنة بحمدك، وتنبيء عن حسن مقصدك برفع عماد الحقّ وعمدك، ما قامت عليه الأدلّة، واستقامت به على سنن الرّشد الأهواء المضلّة، وبيّن من إمضائك كلّ عزم في تهيئة القربات إلى حضرة أمير المؤمنين حالا فحالا، وإبطائك خطا الجدّ فيما يراد بزلفك «1» البالغة أقصى الغايات لديه سابقا واتصالا، ما يضاهي المظنون في تلك العقيدة التي طالما ألفيت في نصرة الدولة القاهرة صافية المورد والمنهل، حالية من الحسن بكل حال اتضح فيها ما ألهى عن غيرها من الوصف وأذهل، فقوبلت بما تستحقّه من إحماد أشيع وأذيع، واتّبع فيه الواجب وأطيع، وتضاعف الاعتداد بأفعالك التي أعنت بالعون منها في الجمال والأبكار، وأعدت بها الأمور في الصّلاح إلى ما يؤمّن إيضاحه الجحد والإنكار.
ومن أحقّ منك بكلّ فعال تضيء مصابيح الخير فيه، وينتشر جميل الذّكر من مطاويه- وأنت للدولة الوليّ الأمين- وبحفظ نظام كلّ أمر يختصّ بها الكفيل الضّمين؟ ومن أولى منك بكلّ حمد يفد إليك إمداده أرسالا، وتجد منه ضالّة نشدت مثلها آمال سواك فآبت بالخيبة عجالا؟ فلك من الحقوق ما لا ينسى، وما يلزم أن يرعى في كل مصبح وممسى. فأحسن الله جزاءك عن كونك في دولته ذابّا عن الجحد حاميا.
فأما ما تحدّد في معنى الأعمال على الوصف الذي قضى بزوال الخلف وانحسامه، واقتضى رأيك إجراء الأمر على ما استصوب من اتّساقه وانتظامه، فقد وقفت عليه، وأجيز ما أشرت إليه. فأعواض الدنيا تهون وتسهل في ضمن ما يلحظ من اعتناقك أحكام مشايعة الدولة التي قمت بأعبائها في كل أوان، وغدت آثارك فيها باقية الذّكر والأجر على تقضّي الأزمان. فأنت المرغوب في الثناء ولاية وإن شانت «2» الأحوال، والمخلص الذي لا عوض عنه في كلّ مقام ومقال، فقد أحاط العلم بتفصيل ذلك وجملته، وتحقّق أن الخيرة في كل ما تشير إلى