الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يخليك من رعايته التي لا يزال يستقر فيها إليك، ويرغب إليه في إسباغ لباسها عليك، حتّى تتسنّى لك المطالب معا، ويغدو الزمان فيما ينشأ متّبعا.
هذه مفاوضة أمير المؤمنين إليك، أدام الله تأييدك، أجراك فيها على مألوف العادة، وجدّد لك بها برود الفخار والسعادة، فاجر على وتيرتك في إتحاف حضرته بطيّب أخبارك، ومجاري الأمور في إيرادك وإصدارك، تهد إليها ابتهاجا وافرا، وابتساما يظلّ لثامه عن حمد الله المسند بها سافرا؛ إن شاء الله تعالى.
الضرب الثاني (أن يكون الافتتاح في الجواب مصدّرا بما فيه معنى وصول المكاتبة إلى الخليفة)
فقد جرت عادة المتقدّمين من الكتّاب في التعبير عن ذلك بلفظ «العرض على الخليفة» ويؤتى فيه على ما تضمنه الكتاب المجاب عنه، ثم يختم كما تختم الابتداآت.
كما كتب العلاء «1» بن موصلايا عن القائم بأمر الله إلى «أتسز» عند ورود كتابه على أبواب الخلافة يتضمّن انتظامه في سلك الطاعة وغلبته الأعداء، وهو:
عرض بحضرة أمير المؤمنين ما ورد منك دالّا على تمسّكك من الطاعة الإمامية بما لا تزال تجدّ فيه ملابس التوفيق حالا بعد حال، وتجد به مرائر السعد محصفة في كل حلّ وترحال، منبئا عن توفّرك على المقامات التي انتقمت بها للهدى من الضّلال، واستقمت فيها حتّى أجلت عن كلّ صلاح ممتدّ الظّلال، شاهدا بما أنت عليه من موالاة لا تألو جهدا في التزام شروطها بادئا عائدا، ولا تخلو فيها من حسن أثر يكون لدعائم الصواب عامدا، وترى فيه قاصدا لاجتلاب
الخير عائدا. ووقف عليه وقوف من ارتضى ما يتوالى من قرباتك التي لا تزال في إعذاب ورودها ساعيا. ولما يفضي إلى إعشاب مرعاها في طلب الحمد مراعيا، وانتضى منك للخدمة بتلك الأعمال حساما باترا آجال بقايا الكفر هناك، ماضيا في كل ما يقضي بانفساح مجال آمالك في الدهر ومبارّك، واعتدّ لك بما أنهاه عنك رسول أمير المؤمنين العائد من قبلك، وأوضحه من زلفك «1» التي شفع قولك فيها عملك، وطالع به الرسول الذي نفّذته معه لقصد بابه، والمناب في تأكيد دواعي النّجح وتمهيد أسبابه، وحلّ كلّ ذلك لديه المحلّ الذي ستجني ثمره كلّما يطيب ويحلو، ويسلم من كل «2» الاستزادة ويخلو، ويعزّ مهر الفوز به على غيرك ويغلو، وتأثّل لك من الرّتبة بحضرته ما يدني لك كلّ مطلب إلى مرادك آئل، ويدوي قلب كلّ منحرف عن وفائك مائل؛ وصرت من أعيان الخلصاء الذين وسمت الهدى أفعالهم بالحمد، وسمت بالطاعة آمالهم إلى توقّل هضاب المجد، فما تهمّ بك الغير إلا وتنقطع دونك أعناقها، وترجع في جلباب الخيبة وحيصها إليك وإعناقها، ولا تمتدّ نحوك يد ضدّ إلا ردّها عنك جميل الآراء الشريفة فيك وغلّها، وأوجب نهلها عن موارد القصور وعلّها وكيف لا يكون ذاك ولك في الطاعة كلّ موقف اغتذى بلبان الحمد، واعتنى باشتهاره بلوغ المدى في وصفه والحدّ؟ فأحسن الله توفيقك فيما أنت بإزائه من إخماد لهب الباطل بتلك الشّعاب، وإجهاد النّفس في إخمال المتاعب وإذلال الصّعاب، وأمدّك بالعون على ما بدأت له من جب..... «3»
…
فيما يليك، وطبّ أدواء الفساد في نواحيك. ومع ما فزت به من هذه المنحة التي قد جاز قدرها التقدير والظّن، وجاد لك الدهر فيها بما كان شحّ به على أمثالك وضنّ فيجب أن تستديمها، وتحصّن من النّغل «4» أديمها، بمزيد من الخدمة تنتهز
الفرص بالإسراع إليه والبدار، وتنتهج أقوم الجدد «1» في مقابلة الإيراد منه بالإصدار، وتنفد وسعك في كل مسعى ينثني إليك عنان الثّناء معه، وتنفق عمرك في كل أمر يجمع لك مرأى الرضا عنك ومسمعه، لتجد من جدوى ذلك ما ينظم في السعادة شملك، ويضحى به القياد فيما يصدّق أملك أملك، وأن تحمد السيرة في الرعايا الذين غدوا تحت كنفك، وتجعل الاشتمال على مصالحهم معربا عن فضل شغفك بالخير وكلفك؛ فإنهم ودائع الله تعالى يلزم أن تحمى من ضياع يتسلّط عليها في حال، وتحيا من درّ الإحسان برضاع لا يخطر الفطام عنه ببال فلا تقفنّ عند غاية في إفاضة الفضل عليهم وإسباغ ظلّه، واعتمادهم بتخفيف ثقل الحيف عنهم أو إزالة كلّه، ليكونوا في أفياء الأمن راتعين، ولخرق كل ملمّ بحسن ملاحظتك راقعين فالذي يراه أمير المؤمنين في فرضك حتّى يزداد باعك طولا، ولا يترك لك على الزمان اقتراحا ولا سولا، يقتضي أن يتبع كلّ سابق إليك من الإحسان بلاحق، ويمرع جناب النّعمى لديك عند ذرّ «2» كلّ شارق. وكذلك يرى أن يجدّد لك من تشريفه المنوّر مطالع الفجر، المنوّه بالذّكر في الدهر، الذي لا تزال الهمم العالية تصبو إلى الفوز به وتميل، وتقف عند حدّ الرجاء والتأميل، ما أصحب رسولك المشار إليه لتدّرع من خلاله ما الشّرف الأكبر في مطاويه، وتمتطي من صهوة العزّ فيه ما يبعد على النظراء إدراك مراميه. ويجب أن تتلقى مقدم ذلك عليك بما ينبيء عن اقتران النعمة الغراء فيه، وأقمار أهلّة التوفيق عندك بما تقصد في المعنى وتنتحيه وإذا عاد رسولك إلى باب أمير المؤمنين حسب ما ذكرت، أصدر على يده من ضروب التشريفات ما يقرّ فيك عيون من يودّك، ويقرّ في مغانيك كلّ سعد يوري فيه زندك فاسكن إلى حبائك بالمزيد من كلّ رتبة أهّلت لها، وكن بحيث الظّنّ فيك توقّر عليك أقسام الحمد كلّها، وثق بمترادف آلاء ينضمّ لديك شملها، ويثقل كلّ كاهل حملها، إن شاء الله تعالى.