الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الحقيقة إلى التقديم. على أن ذلك قد بطل في زماننا. وهاتان المسألتان المتعلّقتان بالطّغراة المكتوبة في المناشير ومكاتبات أهل الكفر مما سأل عنه الشيخ جمال الدين بن نباتة في رسالته التي كتبها إلى كتّاب ديوان الإنشاء بالشام، في مباشرة الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، حين بلغه أن بعضهم وقع فيه.
الأمر الثاني (إفرادها في الكتابة)
قال محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» : ينبغي للكاتب أن يفرد البسملة في سطر وحدها، تبجيلا لاسم الله تعالى وإعظاما وتوقيرا له؛ ثم ساق بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى أن يكتب في سطر بسم الله الرحمن الرحيم غيرها» . وعلى هذه الطريقة جرى كتّاب الإنشاء في مكاتبتهم وسائر ما يصدر عنهم. أما النّسّاخ وكتّاب الوثائق فربما كتبوا بعدها في سطرها «الحمد لله» أو «الصّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم» ونحو ذلك.
وكذلك يكتب القضاة «الحمدلة» في علامات الثّبوت في المكاتيب الشرعيّة.
الطرف الثاني (في الحمدلة)
لما كان الحمد مطلوبا في أوائل الأمور طلبا للتيمّن والتبرّك، عملا بما رواه الراوون لحديث البسملة المتقدّم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:«كلّ أمر ذي بال لايبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» «1» اصطلح الكتّاب على الابتداء به في الكثير مما يكتبونه من المكاتبات والولايات وغيرهما مما له شأن وبال، كمكاتبات أكثر الملوك من قانات الشّرق، وكلّ ما تضمّن نعمة من المكاتبات ونحو ذلك، وكالبيعات والعهود والتقاليد على رأي من يرى افتتاحها
بالخطب، وغير ذلك مما يأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. بل ربما كرّروا الحمد المرّات المتعددة إلى السّبع في الخطبة الواحدة، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، وأتوا بالحمد لله بعد البسملة تأسّيا بكتاب الله تعالى، من حيث أن البسملة آية من الفاتحة كما هو مذهب الشافعيّ «1» رضي الله عنه، أو فاتحة لها- وإن لم تكن منها- كما هو مذهب غيره. أما سائر المكاتبات والولايات المفتتحة بغير الحمد، فإنما حذف منها الحمد استصغارا لشأنها، إذ كان الابتداء بالحمد إنما يكون في أمر له بال كما دل عليه الحديث المتقدّم، وسيأتي الكلام على كل شيء من ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
قال في «الصناعتين» : وإنما افتتح الكلام بالحمد لأن النفوس تتشوّف للثناء على الله تعالى، والافتتاح بما تتشوّف النفوس إليه مطلوب. وربما أتى الكتّاب بالحمد بعد البعديّة فكتبوا: أما بعد حمد الله، أو «أما بعد فالحمد لله» فأما الصيغة الأولى فالحمد مقدّم فيها معنى وإن لم يذكر لفظا لأن قوله أما بعد حمد الله يقتضي تقدّم حمد الله، وأما الصيغة الثانية فإنها تقتضي تقدّم شيء على الحمد، ولا شك أنّ المقدّم هنا هو البسملة على ما سيأتي في الكلام على أما بعد فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثم قد يستعمل الحمد بصيغة الفعل كقولهم في المكاتبات: فإني أحمد إليك الله. وقد اختلف في أيّ الصيغتين أبلغ؛ صيغة الحمد لله، أو صيغة أحمد الله، فذهب المحقّقون إلى أن صيغة الحمد لله أبلغ، لما فيها من معنى الاستغراق والثبوت والاستمرار على ما هو مقرّر في علم المعاني. وذهب ذاهبون