الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطرف الثاني (في كتبه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الإسلام، وهو على ثلاثة أساليب)
الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من محمد رسول الله إلى فلان» )
فمن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد، في جواب كتابه إليه صلى الله عليه وسلم بإسلام بني الحارث وهو على ما ذكره ابن إسحاق في سيرته:
«من محمد رسول الله إلى خالد بن الوليد:
سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو. أما بعد فإنّ كتابك جاءني مع رسولك، يخبرني أنّ بني الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه، فبشّرهم وأنذرهم، وأقبل وليقبل معك وفدهم، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته» .
ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم، إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين من جهة الفرس، في جواب كتابه إليه صلى الله عليه وسلم. ونسخته على ما ذكره السّهيليّ في «الروض الأنف» :
«من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى.
سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد فإنّي أذكّرك الله عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي ويتّبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإنّ رسلي قد أثنوا عليك خيرا، وإني قد شفّعتك في
قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذّنوب فاقبل لهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك، ومن أقام على مجوسيّته فعليه الجزية» .
ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم، إلى فروة بن عمرو الجذاميّ. ونسخته على ما ذكره ابن الجوزي في «كتاب الوفاء» :
«من محمد رسول الله إلى فروة بن عمرو.
أما بعد، فقد قدم علينا رسولك، وبلّغ ما أرسلت به، وخبّر عمّا قبلكم خيرا، وأتانا بإسلامك وأنّ الله هداك بهداه» .
ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم، إلى طهفة النّهدي وقومه. ونسخته فيما حكاه ابن الأثير في «المثل السائر» :
«من محمد رسول الله إلى بني نهد.
السّلام على من آمن بالله ورسوله. لكم يا بني نهد في الوظيفة الفريضة «1» ، ولكم الفارض «2» والفريش «3» ، وذو العنان الرّكوب والفلوّ الضّبيس «4» ، لا يمنع سرحكم «5» ، ولا يعضد طلحكم «6» ، ولا يحس «7» درّكم ما لم تضمروا
الإماق «1» ، وتأكلوا الرّباق «2» . من أقرّ [بما في هذا الكتاب «3» ] فله [من رسول الله «4» ] الوفاء بالعهد والذّمّة، ومن أبي فعليه الرّبوة «5» » .
وهذا الكتاب مما يحتاج إلى شرح غريبه ليفهم. «فالوظيفة» النّصاب في الزكاة وأصله الشيء الراتب. «والفريضة» الهرمة المسنّة، والمراد أنها لا تؤخذ منهم في الزكاة بل تكون لهم. «والفريش» بالفاء والشين المعجمة ما انبسط من النبات وفرش على وجه الأرض ولم يقم على ساق، وقد يطلق على الفرس إذا حمل عليها بعد النّتاج أيضا. «وذو العنان الرّكوب» الفرس الذّلول، «والفلوّ» المهر الصغير وقيل الفطيم من جميع أولاد الحافر. «والضّبيس» بالضاد المعجمة والباء الموحدة والسين المهملة العسر الصّعب الذي لم يرض. «والسّرح» السارحة، وهي المواشي، والمعنى أنها لا تمنع من المرعى. والعضد القطع.
والطلح شجر عظام من شجر العضاه. والدّرّ اللبن، والمراد ذوات الدّرّ من المواشي، أراد أنها لا تحشر إلى المصدّق وتمنع المرعى إلى أن تجتمع الماشية ثم تعدّ لما في ذلك من الإضرار. و «الإماق» مخفّف، من أمأق الرجل إذا صار ذا مأقة، وهي الحميّة والأنفة، وقيل مأخوذ من الموق وهو الحمق، والمراد إضمار النّكث والغدر أو إضمار الكفر. و «الرّباق» بالراء المهملة والباء الموحدة والقاف جمع ربقة، وهي في الأصل اسم لعروة تجعل في الحبل وتكون في
عنق البهيمة أو يدها تمسكها، والمراد هنا نقض العهد واستعار الأكل لذلك؛ لأن البهيمة إذا أكلت الرّبقة خلصت من الشدّ. و «الرّبوة» بكسر الراء الزيادة، والمراد هنا الزيادة في الفريضة الواجبة عليه كالعقوبة له.
ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر دومة فيما ذكره أبو عبيدة، وهو:
«من محمد رسول الله لأكيدر دومة حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد والأصنام، مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها: إنّ لنا الضاحية من الضّحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسّلاح والحافر والحصن.
ولكم الضّامنة من النّخل. والمعين من المعمور، لا تعدل سارحتكم، ولا تعدّ فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقّها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق» .
وهذا الكتاب أيضا مما يحتاج إلى معرفة غريبه: فالأنداد جمع ندّ بكسر النون وهو ضدّ الشيء الذي يخالفه في أموره، وينادّه أي يخالفه، والمراد ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله تعالى. والأصنام جمع صنم: وهو ما اتّخذ إلها من دون الله، وقيل: ما كان له جسم أو صورة، فإن لم يكن له جسم ولا صورة فهو وثن. والأكناف بالنون جمع كنف بالتحريك وهو الجانب والناحية.
والضاحية بالضاد المعجمة والحاء المهملة الناحية البارزة التي لا حائل دونها، والمراد هنا أطراف الأرض؛ والضّحل بفتح الضاد المعجمة وسكون الحاء المهملة القليل من الماء، وقيل الماء القريب من المكان، وبالتحريك مكان الضّحل. والبور الأرض التي لم تزرع، وهو بالفتح مصدر وصف به، وبالضم جمع بوار، وهو الأرض الخراب التي لم تزرع. والمعامي المجهولة من الأرض التي ليس فيها أثر عمارة، واحدها معمّى. وأغفال الأرض بالغين المعجمة والفاء الأرض التي ليس فيها أثر يعرف كأنها مغفول عنها. والحلقة بسكون اللام
السّلاح عامّا، وقيل الدّروع خاصّا، والسلاح ما أعدّ للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به، والسّيف وحده يسمّى سلاحا. والضامنة من النخل بالضاد المعجمة والنون ما كان داخلا في العمارة من النخيل وتضمّنته أمصارهم وقراهم، وقيل سميت ضامنة لأن أربابها ضمنوا عمارتها وحفظها، فهي ذات ضمان كعيشة راضية بمعنى ذات رضا. والمعين من المعمور الماء الذي ينبع من العين في العامر من الأرض. وقوله: لا تعدل سارحتكم بالذال «1» المعجمة، أي لا تصرف ماشيتكم وتمال عن الرّعي ولا تمنع. وقوله: ولا تعدّ فاردتكم أي لا تضمّ إلى غيرها وتحشر إلى الصدقة حتّى تعدّ مع غيرها وتحسب. والفاردة الزائدة على الفريضة.
وقوله: ولا يحظر عليكم النّبات بالظاء المعجمة، أي لا تمنعون من الزّرع والمرعى حيث شئتم، والحظر المنع.
ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم، إلى وائل «2» بن حجر وأهل حضر موت، وهو:
«من محمد رسول الله إلى الأقيال «3» العباهلة «4» من أهل «5» حضر موت، بإقامة الصّلاة، وإيتاء الزكاة. على التّيعة «6» الشاة، والتّيمة «7» لصاحبها، وفي
السّيوب «1» الخمس، لا خلاط «2» ولا وراط «3» ولا شناق «4» ولا شغار «5» ، ومن أجبى «6» فقد أربى؛ وكلّ مسكر حرام» «7» .
وذكر القاضي عياض في «الشّفاء» أن كتابه لهم: «إلى الأقيال العباهلة، والأرواع المشابيب. وفي التّيعة شاة، لا مقورّة الألياط، ولا ضناك، وأنطوا الثّبجة، وفي السّيوب الخمس، ومن زنى مم بكر فاصقعوه مائة واستوفضوه عاما، ومن زنى مم ثيّب فضرّجوه بالأضاميم، ولا توصيم في الدّين، ولا غمّة في فرائض الله تعالى، وكل مسكر حرام، ووائل بن حجر يترفّل على الأقيال» «8» .
وهذا الكتاب في معنى ما تقدّم من الاحتياج إلى شرح غريبه. الأقيال بالقاف والياء المثناة تحت جمع قيل: وهو الملك. والعباهلة الذين أقرّوا على ملكهم لا يزالون عنه؛ وحضر موت بلدة في اليمن في أقصاها، وقيل هي أحد مخالفيها.
والتّيعة بالمثناة من فوق ثم المثناة من تحت والعين المهملة اسم لأدنى ما تجب فيه الزكاة من الحيوان، كالخمس من الإبل والأربعين من الغنم. قال ابن الأثير:
وكأنها الجملة التي للسّعاة عليها سبيل من تاع يتيع إذا ذهب إليه. والتّيمة بالكسر الشاة الزائدة على الأربعين حتّى تبلغ الفريضة الأخرى، وقيل هي الشاة التي تكون لصاحبها في منزله يحلبها وليست بسائمة، وهي بمعنى الدّاجن. والسّيوب الرّكاز أخذا من السّيب وهو العطاء، قاله أبو عبيدة؛ وقيل هي عروق الذهب والفضّة التي تسيب في المعدن بمعنى تتلوّن وتظهر. وقال الزمخشريّ: هي
جمع سيب، يريد به المال المدفون في الجاهلية أو المعدن لأنه من فضل الله تعالى لمن أصابه. والخلاط بالكسر مصدر خالط، يقال: خالطه يخالطه خلاطا ومخالطة، والمراد أن يخلط الرجل إبله بإبل غيره أو بقره أو غنمه ليمنع حقّ الله تعالى منها، ويبخس المصدّق فيما يجب له. والوراط بالكسر أيضا أن تجعل الغنم في وهدة من الأرض لتخفى على المصدّق، مأخوذ [من الورطة] وهي الهوّة من الأرض. والشّناق بكسر الشين المشاركة في الشّنق بفتح النون، وهو ما بين الفريضتين من كلّ ما تجب فيه الزكاة، وهو ما زاد من الإبل على الخمس إلى التّسع، وما زاد على العشر إلى أربع عشرة، والمراد أن لا تؤخذ الزيادة على الفريضة. قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون معناه المشاركة في الشّنق والشّنقين، وهو بمعنى الخلاط المتقدّم ذكره، لكن حمله على الأوّل أولى، لتعدّد المعنى. والشّغار بكسر الشين وبالغين المعجمة نكاح معروف في الجاهلية، وهو أن يزوّج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوّجه بنته أو أخته، ويكون بضع كلّ منهما صداقا للأخرى. والأرواع جمع رائع: وهم الحسان الوجوه من الناس.
وقيل: الذين يروعون الناس أي يفزعونهم بشدّة الهيبة. قال ابن الأثير: والأوّل أوجه. وقوله: ومن أجبى هو بالجيم والباء الموحدة: وهو بيع الزّرع قبل بدوّ صلاحه. وقيل هو أن يغيّب إبله عن المصدّق أخذا من أجبأته إذا واريته. وقيل هو أن يبيع من الرجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل معلوم ثم يشتريها منه بالنقد بأقلّ من الثمن الذي باعها به؛ ومعنى أربى وقع في الربا. والمشابيب السادة الرؤوس الزّهر الألوان الحسان المناظر واحدها مشبوب. والمقورّة الألياط المسترخية الجلود لهزالها والاقورار الاسترخاء في الجلود. والألياط جمع ليط:
وهو قشر العود، شبّه به الجلد لالتزاقه باللحم. والضّناك بالكسر الكثير اللحم، ويقال الذكر والأنثى فيه سواء، والمراد أنه لا تؤخذ المفرطة في السّمن كما لا تؤخذ الهزيلة. وقوله: وأنطوا هو بلغة أهل اليمن بمعنى أعطوا، خاطبهم صلى الله عليه وسلم بلغتهم. والثّبجة بثاء مثلثة بعدها باء موحدة ثم جيم هي الوسط من المال التي ليست من خياره ولا رذالته، أخذا من ثبجة الناقة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر.