الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى نحو من ذلك جرى في «عرف التعريف» فجعل أعلاها زعيم الجيوش وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم والمقرّ العالي؛ ودونه زعيم جيوش الموحّدين، وأورده مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي؛ ولم يورد شيئا في هذا المعنى فيما بعد ذلك، وعلى نحو ذلك جرى في التثقيف.
النمط الثاني (ما يختص بالوزراء ومن في معناهم: من كاتب السرّ ونحوه فمن دونهم من الكتّاب)
وقد ذكر في «عرف التعريف» أن أعلاها للوزراء سيّد الوزراء في العالمين، ولمن في معناهم سيّد الكبراء في العالمين، وأورد ذلك مع المقرّ الشريف والمقرّ الكريم والمقرّ العالي والجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي؛ وجل دونه لمن دونهم من الكتّاب شرف الرؤساء، وأورده مع المجلس العالي، ولا شكّ أنه يجيء بعده أوحد الكتّاب أو شرف الكتّاب مع المجلس الساميّ بالياء، ثم جمال الكتّاب للسامي بغير الياء فما دونه.
النمط الثالث (ما يختصّ بالقضاة والعلماء)
وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها سيّد العلماء والحكّام، ولغيرهم أوحد العلماء الأعلام، وجعله للجناب الشريف فما فوقه، ثم للجناب الكريم، والجناب العالي؛ وجعل دونه تاج العلماء والحكّام، أو شرف العلماء والحكّام، وأورده مع المجلس العالي، ودونه جمال العلماء أوحد الفضلاء، وأورده مع الساميّ بالياء؛ ودونه جمال الأعيان مع السامي بغير ياء فما دونه.
النّمط الرابع (ما يختصّ بالصّلحاء)
وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها لهم شيخ شيوخ العارفين،
وأورده مع الحضرة الطاهرة، وجعل دون ذلك أوحد المحقّقين، فأورده مع الجناب الكريم؛ ودونه أوحد النّاسكين، فأورده مع الجناب العالي.
قلت: وليس وضع هذه الألقاب على الترتيب في العلوّ والهبوط راجعا إلى مجرّد التّشهّي من غير تقصّ لعلوّ أو هبوط يدلّ عليه جوهر اللفظ، بل لا بدّ أن يكون لتقدّم كلّ لقب منها على الآخر ورفعته عليه في الرّتبة سبب يقتضيه اللفظ وتوجبه دلالته الظاهرة أو الخفيّة. وما وقع فيها مما يخالف ذلك فلعدم تأمّل الواضع لذلك، أو وقوعه من بعض المدّعين الظانّين أن القلم في ذلك مطلق العنان، يتصرّف في وضعه كيف شاء من غير نظر إلى ما يوجب تقديما ولا تأخيرا. ومما يوضّح ذلك ويبيّنه أنك إذا اعتبرت الألقاب المضافة إلى الإسلام المتقدّمة الذكر في أرباب السيوف مثلا، رأيت أعلاها ركن الإسلام والمسلمين، على ما هو مذكور في «التعريف» وغيره من سائر دساتير المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله؛ وأعلاها على ما ذكره في «التثقيف» معزّ الإسلام والمسلمين، ودون ذلك في الرتبة عزّ الإسلام والمسلمين، ودونه مجد الإسلام والمسلمين، ودونه مجد الإسلام فقط من غير عطف، على ما تقدّم ذكره.
أمّا كون ركن الإسلام والمسلمين أعلى من عز الإسلام والمسلمين، فلأنّ ركن الشيء في اللغة جانبه الأقوى، وقد قال الأصوليّون «1» : إن الرّكن ما كان داخل الماهيّة، وحينئذ فيكون ركن الشيء بعضا منه بخلاف العزّ فإنه معنى من المعاني خارج عنه، وما كان بعضا للشيء كان أخصّ به مما هو خارج عنه.
وأما وجه إبدالهم ركن الإسلام والمسلمين بمعزّ الإسلام والمسلمين فلأن في الرّكن معنى العزّ والقوّة، وقد فسر قوله تعالى حكاية عن لوط عليه السلام:
أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ
«2» بالعزّ والمنعة، فجعل المعزّ لهذا الاعتبار في
الألقاب قائما مقام الركن.
وأمّا كون عزّ الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام والمسلمين؛ فلأن العزّ أجدى في النّفع من المجد، فقد تقدّم أنّ ابن السكّيت «1» قال: إن المجد لا يكون إلا بشرف الآباء، ولا نزاع في أن العزّ في تعارف الملوك أكثر جدوى وأوفر نفعا في تحصيل المقاصد. وقد ذكر أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» أن الكتّاب في الزمن القديم كانوا يجعلون الدّعاء بالعزّ عقب الدعاء بطول البقاء، فإنه يكون بالعز مصونا عاليا آمنا غنيّا.
وأمّا كون مجد الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام، فلأنّ الشيء كلّما تعدّى فعله إلى غيره كان أرفع رتبة، ومجد الإسلام والمسلمين يتعدّى إلى شيئين، وهما الإسلام والمسلمين، ومجد الإسلام لا يتعدّى إلا إلى شيء واحد وهو الإسلام. فلذلك «2» إذا اعتبرت الألقاب المضافة إلى أمير المؤمنين، رأيت أعلاها في أرباب السيوف قسيم أمير المؤمنين، ودونه خليل أمير المؤمنين، ودونه عضد أمير المؤمنين ودونه سيف أمير المؤمنين، ودونه حسام أمير المؤمنين.
أمّا كون قسيم أمير المؤمنين أعلى من خليل أمير المؤمنين، فلأنّ القسيم بمعنى المقاسم، والمراد أنه قاسم أمير المؤمنين الملك وساهمه في الأمر فصارا فيه مشتركين، وخليل أمير المؤمنين مأخوذ من الخلّة بضم الخاء، وهي الصّداقة، وفرق بين من يقاسم الخليفة فيصير عديله في الأمر، وبين من يكون خليله وصاحبه. على أنه قد تقدّم أنّ الملوك قد أربت «3» بأنفسها عن هذا اللقب لاستبدادهم بالملك واستيلائهم عليه.
وأمّا كون خليل أمير المؤمنين أعلى من عضد أمير المؤمنين؛ فلأن العضد
ليس المراد منه العضو الحقيقيّ الذي هو بين الكتف والمرفق، وإنما استعير للناصر وكأنه ينصره بنفسه كما ينصره عضده، ومثل هذا الوصف لا يكون إلا للأتباع، بخلاف الخليل والصّديق فإنه لا تكاد رتبته عند الشخص تنحطّ عن رتبة نفسه.
وأمّا كون عضد أمير المؤمنين أعلى من سيف أمير المؤمنين، فلأن العضد وإن قصد به الناصر فإنه منقول عن العضو للناصر كما تقدّم وعضو الإنسان عنده في العزّة وقوّة النّصر فوق سيفه في ذلك.
وأمّا كون سيف أمير المؤمنين أعلى من حسام أمير المؤمنين- وإن كان الحسام متضمّنا لوصف القطع الذي هو المقصود الأعظم من السيف من حيث إنه مأخوذ من الحسم، وهو القطع- فلأن السيف مأخوذ من ساف إذا هلك كما صرح به الشيخ «جمال الدين بن هشام» في شرح قصيدة كعب بن زهير، ولا شكّ أن معنى الإهلاك أبلغ من معنى القطع؛ لأن القطع قد يقع في بعض البدن مما لا يتضمّن الإهلاك، وهذا مما يجب التنبّه له فإنه ربما توهّم أن الحسام أبلغ من السيف لتضمّن وصف القطع كما تقدّم.
وبالجملة فلا سبيل إلى استيعاب جميع ما يرد من هذا الباب بالتوجيه؛ لأن ذلك يؤدّي إلى الإسهاب والملل. والقول الجامع في ذلك أنه ينظر إلى الألفاظ الواقعة في الألقاب وما تقتضيه من أصناف المدح، وما تنتهي إليه رتبتها فيه من أعلى الدرجات أو أوسطها أو أدناها فيرتبها على هذا الترتيب، ويوجّهها بما يظهر له من التوجيه على نحو ما تقدّم. كما إذا اعتبرت رتبة الجلال والجمال فإنك تجد الجلال أعلى رتبة؛ لأن معنى الجلال العظمة، ومعنى الجمال الحسن، ولا نزاع في أن العظمة أبلغ وأعلى موقعا من الحسن. وكما إذا اعتبرت الضّياء والبهاء، فإن الضّياء يكون أبلغ؛ لأن الضياء معناه النّور الذاتيّ، وهو متعدّي النفع عامّ الفضيلة، والبهاء معناه الحسن، وهو قاصر على صاحبه.
وفيما ذكر إرشاد إلى ما لم يذكر.