الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتابعين رضوان الله عليهم. فكان النبي، صلى الله عليه وسلم يكتب:«من محمد رسول الله إلى فلان» . ثم كتب أبو بكر الصدّيق، رضي الله عنه، في خلافته:«من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم» . ثم كتب عمر بعده: «من عمر بن الخطاب خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلان» . فلما لقّب بأمير المؤمنين زاد في ذلك لفظ «عبد الله» قبل عمر، ولقب «أمير المؤمنين» ، بعده؛ فكان يكتب:«من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى فلان» . ولم يزل الأمر على ذلك إلى خلافة هارون الرشيد، فأمر أن يزاد في صدور الكتب بعد «فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلّي على جدّه «1» محمد عبده ورسوله» . فجرى الأمر على ذلك في زمنه وما بعده، قال أبو هلال العسكريّ في «الأوائل» : وكان ذلك من أجلّ مناقبه. قال صاحب «ذخيرة الكتّاب» : وكان الرشيد قد قال ليحيى بن خالد: إني قد عزمت على أن يكون في كتبي: «من عبد الله هارون الإمام أمير المؤمنين عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم» - فقال له يحيى: قد عرف الله نيّتك في هذا يا أمير المؤمنين! [وأجزل] لك الأجر؛ والتعبد إنما هو لله وحده لا لغيره- قال: فأكتب «من هارون مولى محمد رسول الله» - فقال: إن المولى ربما كان في كلام العرب ابن العمّ، وجزى الله أمير المؤمنين خيرا عن هذه النية وهذا الفكر.
الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «لفلان من فلان» أو «إلى فلان من فلان» وبقية الصّدر، والتخلص ب «أما بعد» أو غيرها، والاختتام بالسلام وغيره على ما تقدّم في الأسلوب الأوّل)
وقد اختلف العلماء في جواز الابتداء في المكاتبة باسم المكتوب إليه؛ فذهب جماعة من العلماء إلى جواز ذلك، محتجّين بأن الصّحابة رضي الله
عنهم، وبعض الملوك كانوا يكتبون إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم كذلك. كما كتب إليه خالد ابن الوليد والنجاشيّ «1» والمقوقس «2» ، في إحدى الروايات، على ما سيأتي ذكره في المكاتبات إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كتب أحدكم فليبدأ بنفسه، إلّا إلى والد أو والدة أو إمام يخاف عقوبته» . وعن نافع قال: كانت لابن عمر إلى معاوية حاجة، فقال له ولده: إبدأ به في الكتاب، فلم يزالوا به حتّى كتب:«بسم الله الرحمن الرحيم، إلى معاوية من عبد الله بن عمر» . وعن الأوزاعيّ «3» أنه كان يكتب إلى عمر بن عبد العزيز فيبدأ به فلا ينكر ذلك. وعن سعيد بن عبد العزيز قال: كتب عمر (يعني ابن عبد العزيز) إلى الحجّاج، فبدأ بالحجّاج قبل نفسه- فقيل له في ذلك- فقال: «بدأت به لأحقن دم رجل من المسلمين. قال سعيد:
فحقن له دمه. وعن بكر بن عبد الله أنه كتب إلى عامل في حاجة، فكتب:
«بسم الله الرحمن الرحيم، إلى فلان من بكر» - فقيل له: أتبدأ باسمه؟ فقال:
وما عليّ أن أرضي صاحبي وتقضى حاجة أخي المسلم؟ قال في «صناعة الكتّاب» : وعلى ذلك جرى التعارف في المكاتبة إلى الإمام.
وذهب قوم إلى كراهة ذلك؛ لأنه مأخوذ عن ملوك العجم. قال ميمون بن مهران: كان العجم يبدأون بملوكهم إذا كتبوا إليهم. وقد روي عن العلاء بن الحضرميّ أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه. وعن الربيع بن أنس قال: ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أصحابه يكتبون إليه يبدأون بأنفسهم. وعلى ذلك جرى «4» في «نهاية الأرب» فقال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمراء
جيوشه يكتبون إليه كما يكتب إليهم، يبدأون بأنفسهم. وعن ميمون بن مهران أنه قال: كان ابن عمر إذا كتب إلى أبيه كتب «من عبد الله بن عمر إلى عمر بن الخطّاب» . وعن يحيى بن سعيد القطّان قال: قلت لسفيان الثوري: أكتب إلى أمير المؤمنين يعني المهديّ، قال: إن كتبت إليه بدأت بنفسي- قلت: فلا تكتب إليه إذن. وهذه الأقوال كلها جانحة إلى ترجيح بداءة المكتوب عنه بنفسه. قال أبو جعفر النحاس: وهذا عند أكثر الناس هو الإجماع الصحيح، لأنه هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
ولتعلم أن الذاهبين إلى جواز الابتداء باسم المكتوب إليه اختلفوا؛ فذهب قوم إلى أنه إنما يكتب «إلى فلان من فلان» كما تقدم في كتاب ابن عمر إلى معاوية، ولا يكتب «لفلان من فلان» . واستشهد لذلك بما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: يكتب الرجل «من فلان إلى فلان» ولا يكتب لفلان؛ وبما روي عن هشيم عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال: كانوا يكرهون أن يكتبوا «بسم الله الرحمن الرحيم لفلان من فلان» . لكن قد روي أن رجلا كتب عند ابن عمر «بسم الله الرحمن الرحيم لفلان من فلان» فقال ابن عمر: مه! فإنّ اسم الله هو له إذن. ومقتضى ذلك أن الكراهة إنما هي لإيهام أن البسملة للمكتوب إليه، لا للابتداء باسم المكتوب إليه.
وذهبت طائفة إلى جواز أن يكتب « «لفلان من فلان» واحتجّ لذلك بما روي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار أنّ ابن عمر كتب إلى عبد الملك ابن مروان: «بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، لعبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر» وهو ظاهر، فقد كانت مكاتبة خالد بن الوليد والنّجاشيّ والمقوقس «لمحمد رسول الله» على ما سيأتي ذكره. وعلى ذلك «1» كانت