الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصيغة تقتضي مزيدا على القدر الحاصل، بخلاف الدّوام فإنه يقتضي استصحاب القدر الحاصل فقط، وعلى هذا النهج. قال في «معالم «1» الكتابة» : ولا يكتب عن السلطان إلى أحد ممن في ممالكه بلا زال، ولا برح، بل يختصّ ذلك بملك مثله. قال: ولا حرج في الكتابة بذلك عن السلطان إلى ولده إذا كان نائبا عنه في الملك. قال: وكذلك لا يدعو الأعلى للأدنى بلا زال، ولا برح.
قلت: والذي استقرّ عليه الحال الكتابة عن السلطان بذلك لأكابر النّوّاب، ويكتب به أكابر الدّولة بعضهم إلى بعض.
الثالث- أن يعرف ما يناسب كلّ حالة من حالات المكاتبات
، فيأتي لكل حالة بما يناسبها من الدّعاء. قال في «موادّ البيان» : يبغي أن تكون الأدعية دالّة على مقاصد الكتاب؛ فإن كان في الهناء كان بما راجت معرفته، وإن كان في العزاء كانت مشتقّة من وصفه، وكذلك سائر فنون المكاتبات، فإنه متى خرج الدعاء عن المناسبة وباين المقصود، خرج عن جادّة الصناعة وتوجّه اللوم على الكاتب، لا سيّما إذا أتى بما يضادّ المراد. كما حكى أبو هلال العسكريّ في «الصناعتين» أن بعضهم كتب إلى محبوبته: عصمنا الله وإيّاك مما يكره. فكتبت إليه: يا غليظ الطّبع، إن استجيب لك لم نلتق أبدا.
ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال المكاتبات؛ فتارة تكون باعتبار الشيء المكتوب بسببه. كما يكتب في معنى البشارة بجلوس الملك على تخت الملك: لا زال أمره! وأمتعه من البشائر بما يتوضّح على جبين الصّباح بشره، وما يترجّح على ميزان الكواكب قدره، وما ينفسح من أوقات أمن لا يختلف فيها زيده وعمره.
وكما يكتب في البشرى بفتح: ولا زالت آيات النصر تتلى عليه من
صحف البشائر، ونفائس الظّفر تجلى على سرّه في أسعد طائر، وفواتح الفتح تزهى به الأسرّة وتزهو بنوره المنابر.
وكما يكتب في التهنئة بعافية، ولا برح في برد الصحة رافلا...... «1»
بعزمه وحزمه كافلا، والإقبال لجنابه العالي بالهناء بعافيته واصلا.
وتارة تكون باعتبار حال المكتوب إليه التي هو بصددها.
كما يكتب لمن خرج إلى الغزو: وحفّه بلطفه فلا يخيب، وهيّأ له النصر والفتح القريب، وجعل على يديه دمار الكفّار حتّى لا يبقى لهم بشدّة بأسه من السلامة نصيب.
وكما يكتب إلى من خرج إلى الصّيد: وأمتعه بصيوده، وجعل الأقدار من جنوده، وأراه من مصارع أعدائه بسيوفه ورماحه ما يراه من مصارع صيده ببزاته «2» وفهوده.
وكما يكتب لمن خرج في سفر: وقضى بقرب رجعته، وجعله كالهلال في مسيره سبب رفعته، وسكّن بقدومه أشواق أوليائه وأهل محبّته.
وكما يكتب لمن خرج لتخضير «3» البلاد: وألبس البلاد بقدومه أخضر الأثواب، وأحلّه أشرف محلّ وأخصب جناب.
وتارة تكون باعتبار وظيفة المكتوب إليه التي هو قائم بها.
كما يكتب إلى كافل المملكة: ولا زالت كفاية كفالته تزيد على الآمال، وتتقرّب إلى الله تعالى بصالح الأعمال، وتكفل ما بين أقصى الجنوب وأقصى الشّمال.
وكما يكتب إلى قاض: وفصل بين الخصوم بأحكامه المسدّدة، وأقضيته التي بها قواعد الإسلام ممهّدة، وأبنية الشرع المطهّر وأركانه مشيّدة.
وكما يكتب إلى متصوّف: وأعاد من بركات تهجّداته، وأنار الليالي بصالح دعواته.
وتارة تكون باعتبار بلد المكتوب إليه وناحيته.
كما يكتب إلى نائب الشام: ولا زال النّصر حلية أيّامه وشامة شامه، وغمامة ما يحلّق على بلده المخصب من غمامه.
وكما يكتب إلى نائب حلب في زمن الحروب: ولا زال يعدّ ليوم تشيب فيه الولدان، ويصدّ دونه كلّ محارب بين الشّهباء «1» والميدان، ويعمّ حلب من حلى أيامه ما لا يفقد معه إلا اسم ابن حمدان، ونحو ذلك مما ينخرط في هذا السلك.
وتارة تكون باعتبار اسم المكتوب إليه أو لقبه.
كما يكتب إلى من لقبه سيف الدين: ولا زال سيفه في رقاب أعدائه مغمدا، وحدّه يذر كلّ ملحدا ملحدا.
وكما يكتب إلى من لقبه عزّ الدين: ولا زال عزّه دائما، والزمان في خدمته قائما، وطرف الدهر عن مراقبة سعادته نائما.
وكما يكتب إلى من لقبه شمس الدين: ولا زالت شمس سعادته مشرقة، وأغصان فضله بالعوارف مورقة، وعيون طوارق الغير عنه في كلّ زمن مطرقة.
وكما يكتب إلى من لقبه ناصر الدين: ونصر عزائمه، وشكر مكارمه، ووفّر من الحسنات مغانمه. إلى غير ذلك من الأمور التي ستقف على الكثير منها في