الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرّات أنكم لا ترزؤونهم ذرّة، إلا رزؤوكم ألف بدرة، ولا تصيبونهم مرّة، إلا أصابوكم ألف مرّة. وإلى متى تنهون فلا تنتهون؟ وحتّام «1» تنبّهون فلا تنتبهون؟
فإذا وافاكم كتابنا هذا بحول الله وقوّته فأدّوا من أسرتم إلى مأمنه، وردّوا ما انتهبتم إلى مسرحه، ولا تمسكوا من الأسارى بشعرة، ولا من الماشية بوبرة.
ومن سمعنا عنه- بعد وصول هذا الكتاب- أنه تعدّى هذا الرّسم، وخالف هذا الحكم، أنفذنا عليه الواجب، وحكّمنا فيه المهنّد القاضب، فلتسرع من نومة الغفلة إفاقتكم، ولا تتعرّضوا من الشّر لما تعجز عنه طاقتكم، ونحن متعرّفون ما يكون منكم من تأنّ أو بدار، ومقابلون لكم بما يصدر عنكم من إقرار وإنكار، وهو يرشدكم بمنّه. والسّلام عليكم ورحمة الله» .
قلت: ثم طرأ بعد ذلك الإكثار من ألقاب خلفائهم في المكاتبات الصادرة عنهم، والمبالغة في مدحهم، وإطرائهم على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات الواردة من ملوك الأقطار إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الطّرف الثامن (في الأجوبة، وهي على ضربين)
الضرب الأوّل (ما يضاهي الأجوبة في الابتداء، وهو على أسلوبين)
(الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الجواب بلفظ «من فلان إلى فلان» )
مثل أن يكتب «من عبد الله ووليه أبي فلان فلان الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين» إلى آخر الصدر على ما تقدّم في الابتداءات؛ ثم يقال: أما بعد، وينساق
منه إلى ذكر الكتاب الوارد وعرضه على الخليفة، وما اقتضته آراء الخلافة فيه، ويكمّل على نحو الابتداء. كما كتب عن المقتفي لأمر الله، إلى غياث الدين مسعود «1» بن ملكشاه السّلجوقيّ في جواب كتابه الوارد عليه، يخبره بأن بعض من كان خرج عن طاعته دخل فيها، وانحاز إليه، وهو:
«من عبد الله أبي عبد الله محمد الإمام المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين، إلى فلان بألقابه.
أما بعد- أطال الله بقاءك- فإن كتابك عرض بحضرة أمير المؤمنين معربا عن أخبار سعادتك، وجري الأمور على إرادتك، وبلوغ الأغراض من الوجهة التي توجّهت إليها، والأطراف التي أشرقت سعادتك عليها، بميامن ما تثق به من الطاعة الإمامية وتضمره، وتعتقده من الإخلاص وتستشعره وأن ركن الدين محمدا ومن انضمّ إلى جملته وانتظم في سلك موافقته لمّا ظفروا منك بذمام اطمأنّوا إليه وسكنوا، وأمان وثقوا به وركنوا، أبصروا الرّشد فاتّبعوه، واستجابوا الداعي إذ سمعوه، وأذعنوا لطاعتك مسرعين، وانقادوا إلى متابعتك مهطعين، على استقرار مسيرهم تحت لوائك إلى باب همذان ليكون تقرير القواعد الجامعة للمصالح عند وصولها، والتوفّر على تحرّي ما تقرّ به الخواطر مع حلولها، والانفصال إلى من يفد إلى الأبواب العزيزة مؤتنسا بقرب الدار، ومستسعدا بالخدمة الشريفة الإمامية المؤذنة ببلوغ الأوطار. ووقف عليه وعرف مضمونه، وجدّد ذلك لديه من الابتهاج، والاغتباط الواضح المنهاج، ما تقتضيه ثقته بجانبك واعتقاده، وتعويله على جميل معتقدك واعتماده، واعتضاده من طاعتك بحبل لا تنقض الأيّام مبرمه، وسكونه من ولائك إلى وزر «2» لا تروّع المخاوف حرمه وواصل شكر الله تعالى على ما شهدت به هذه النعمة العميمة، والموهبة الجسيمة، من إجابة الأدعية التي ما زالت جنودها نحوك مجهّزة،
ووعوده- جلّت عظمته- بقبول أمثالها منجّزة، وإمدادك منها بأمداد تستدعي لك النصر وتستنزله، وتستكمل الحظّ من كلّ خير وتستجز له، وتبلّغ الأمل منك فيمن هو العدّة للملمّات، والحامي لتقرير الأنس من روائع الشّتات، ومن ببقائه تكفّ عن الامتداد أكفّ الخطوب، وتطلق وجوه المسارّ من عقل القطوب، ويأبى الله العادل في حكمه وحكمته، الرؤوف بعباده وخليقته، إلا إعلاء كلمة الحق بالهمم الإماميّة، والإجراء على عوائد صنيعته الحفية، الكافلة بصلاح العباد والرعيّة، وقد أقيمت أسواق التهنئة بهذه البشرى، وأفادت جذلا تتّابع وفوده تترى؛ لا سيّما مع الإشارة إلى قرب الأوبة التي تدني كلّ صلاح وتجلبه، وتزيل كلّ خلل أتعب القلوب وتذهبه. وإلى الباري جلّ اسمه الرغبة في اختصاصك من عنايته بأحسن ما عهدته وأجمله، وصلة آخر وقتك في نجح المساعي بأوّله؛ وأن لا يخلي الدار العزيزة من إخلاصك في ولائها، ورغبتك في تحصيل مراضيها وشريف آرائها.
هذه مناجاة أمير المؤمنين- أدام الله تأييدك- ابتغى الله جزاءك فيها على عادة تكرمته، وأعرب بها عن اعتقاده فيك وطويّته، ومكانك الأثيل في شريف حضرته، وابتهاجه بنعمة الله عندك وخيرته فتأمّلها تأمّلا يشاكل طاعتك الصافية من الشّوائب والأقذاء، وتلقّها بصدق الاعتماد عليها وحسن الإصغاء، تفز بالإصابة قداحك، ويقرن بالتوفيق مغداك ومراحك، إن شاء الله تعالى، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته» .
وكما كتب بعض كتّاب الفاطميين عن الحافظ لدين الله، أحد خلفائهم إلى شمس الدولة أبي منصور محمد بن ظهير الدين بن نوري بن طغتكين ببعلبكّ جوابا عن كتابه الوارد عنه على الخليفة، ويذكر أنه حسّن لفخر الملك رواج وروده على الخليفة بالديار المصرية، ويذكر نصرته على الفرنج بطرابلس، وقتله القومص ملكها.
«من عبد الله ووليّه عبد المجيد أبي الميمون الإمام الحافظ لدين الله أمير المؤمنين، إلى الأمير فلان.
أما بعد، فإنه عرض بحضرة أمير المؤمنين كتابك من يد فتاه ووزيره، وصفيّه وظهيره، السيد الأجل الأفضل، الذي بذل نفسه في نصرة الدين تقى وليانا، وأوضح الله للدولة الحافظيّة بوزارته حجّة وبرهانا، وأسبغ النعمة على أهلها بأن جعله فيهم ناظرا ولهم سلطانا، ووفّقه في حسن التدبير، والعمل بما يقضي بمصالح الصغير والكبير وبما أعاد المملكة إلى أفضل ما كانت عليه من النّضرة والبهجة، ولم يخرج المادحون لها إذا اختلفوا عن التحقيق وصدق اللهجة، فقد ساوت سياسته بين البعيد والقريب، وأخذ كلّ منهما بأجزل حظّ وأوفر نصيب، وسارت سيرته الفاضلة في الآفاق مسير المثل، واستوجب من خالقه أجر من جمع في طاعته بين القول والعمل. وشفع عرضه من وصفك وشكرك، والثناء عليك وإطابة ذكرك، وأنهى ما أنت عليه من الولاء، وشكر الآلاء، بما يضاهي ما ذكرته فيه مما علم عند تلاوته، وأصغي إلى عند قراءته.
وقد استقرّ بحضرة أمير المؤمنين مكانك من المشايعة، وموقعك من المخالصة وكونك من ولاء الدولة على قضية كسبتك «1» شرفا تفيّأت ظلاله، وأفاضت عليك ملبسا جررت أذياله، وسمت بك إلى محلّ لا يباهي من بلغه ولا يطاول من ناله، وكنت في ذلك سالكا للمنهج القويم، ومعتمدا ما أهل بيتك عليه في القديم؛ ولا جرم «2» أنه عاد عليك من حسن رأي أمير المؤمنين بما تقصر عنه كلّ أمنيّة، ويشهد لك بمخالصة جمعت فيها بين عمل ونيّة، والله يضاعف أجرك على اعتصامك من طاعة أمير المؤمنين، بالحبل المتين، ويوزعك شكر