الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس الذين تلتمس منهم العصبيّة، وقد أنفذت به إسفندار بن خسرويه وإبراهيم ابن كالي، وهما ثقتاي وأميناي، ليؤدّياه ويشافهاه عنّي بمثل متضمّنه ونجواه، والله يعيذنا في مولانا الملك الجليل من أن يختار إلا أولى الأمرين وأليقهما بدينه ومروءته، وهو وليّ ما يراه في الأمر بتعجيل الإجابة بما أعمل عليه، وأنتهي بالتدبير إليه، إن شاء الله تعالى.
الضرب الثالث (أن تكون المكاتبة عمّن دون الملك إليه)
ورسمهم فيه أن يبتدأ بلفظ كتابي، والدعاء للمكتوب إليه بطول البقاء ونحو ذلك، ويخاطب في أوّل الكتاب بمولانا الملك السيد الأجلّ، وفي أثناء الكتاب بالسيد والملك ونحو ذلك، ويعبّر عن المكتوب عنه بلفظ الإفراد:
كما كتب أبو إسحاق الصابي «1» عن الأمير نصر خوزة فيروز بن عضد الدولة إلى ابن عمه شرف الدولة يذكر له حاله مع أخيه صمصام الدولة.
كتابي- أطال الله بقاء مولانا الملك السيد الأجلّ، شرف الدولة، وزين الملّة، والسلامة لي شاملة بما مدّه الله تعالى عليّ من ظلّه الظليل، ورأيه الحسن الجميل، والحمد لله رب العالمين. وقد تأدّى إلى مولانا الملك السيد من أخباري ما أستغني به عن تطويل المفصّل، وأكتفي به عن إجمال المجمل؛ وذلك أن أسفار بن كردويه وعبد العزيز بن برسف الكافرين لنعماء الله ونعمة الملك السعيد عضد الدولة أبينا رحمة الله عليه قبلنا، الغامطين لما نظاهر عليهما من إحساننا وإفضالنا، هجما علينا بخدعة تظافرا عليها، وشبهة جذباني إليها، وأبرما كذبا من القول لم أظنّهما يقدمان على مثله، ولا يتفوّهان باطلا به، فأصغيت إليهما إصغاء الواثق بهما لا المنخدع لهما، فلما أنزلاني على حكمهما، وأوثقاني بحيث لا أستطيع مخالفتهما، ظهرت الحيلة، ووضحت
الغيلة، وفاتني الاختبار، وغلبني المقدار، فجرى ما كانت عاقبته خذلان الله إيّاهما، وإنزاله بأسه ونقمته عليهما، وخلاصي بسلامة الصّدر، واتضاح الغدر، من حبائلهما المنصوبة، وأشراكهما المبثوثة. ولما حصلت في كنف الملك السيد صمصام الدولة أقالني العثرة، وقبل منّي المعذرة، وأحلّني من داره وحماه بحيث لم أعدم عادة، ولا انقطعت عنّي مادّة، وكانت الحال توجب مقامي فيها إلى أن تتعفّى آثار الفتنة التي أثارها ذانكما الخبيثان الجانيان.
ثم ورد فلان في الرسالة، وتمّم الله على يده عقد الصلح والمسالمة، فأخرجت عن الاحتجاب إلى الظّهور، وعن الاحتجار إلى البروز، وأنزلت من الدار المعمورة في جانب يصل إليّ منه سيب «1» وصوله على العموم دون الخصوص، وعاملني الملك السيد صمصام الدولة بما يليق بفضله متّبعا في ذلك مقاطعة السيف بينه وبيني، وطاعة مولانا الملك السيد الأجل شرف الدولة في أمري، وجدّد عندي من الإنعام والتوسعة والإيثار والتكرمة آخرا ما شفع تلك الشّفقة أوّلا، ولقيني فلان دفعات، وشافهني مرّات، وتحمّل عني إلى مولانا الملك موالاتي الشكر كثيرا، واعتدادا طويلا عريضا، ودعاء، الله يسمع مرفوعه، ويجيب مسموعه، بمنّه وقدرته، وحوله وقوّته.
والآن فإذ قد جمع الله الكلمة، ووكّد الألفة وحرس النّعمة، وحصّن الدولة وأخرج عنها من كان يشبّ الفتنة، ويسدي وينير في الفرقة، فإنّي واثق بالله جل وعزّ وبما تترقّى الحال إليه في غاية محبوبي، ونهاية مطلوبي، وأقاصي ما تبلغه أمنيّتي، وتسمو إليه همّتي، وتقتضيه أخوّتي وعصمتي، ولله المشيئة، ومنه المعونة، فإن رأى مولانا الملك السيد أن يسكن إلى سكوني، ويطمئن إلى طمأنينتي، ويجري إليّ غاية فضله وطوله في الأمر الذي أحسن فيه وأجمل، ليشملنا إنعامه، ويتظاهر علينا امتنانه، وأستوفي بقيّة حظّي من ثمرة ذلك
وعائدته، وجدواه وفائدته، ويأمر بتشريفي بكتابه، وتأهيلي بجليل خطابه، وتصريفي بين أمره ونهيه، فعل، إن شاء الله تعالى.
تم الجزء السادس. يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء السابع وأوّله الطرف العاشر (في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية) والحمد لله رب العالمين. وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل.