الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتقدّمة: وخزم الكتاب ولم يكن قبل يخزم. وعلى هذا الآن أهل المغرب والرّوم والفرنج ومن في معناهم.
الصورة الثالثة- أن يلفّ على الكتاب بعد طيّه قصاصة من الورق كالسّير في عرض رأس الخنصر، وتلف على الكتاب ثم يلصق رأسها؛ ويكون ذلك في الرّقاع الصغيرة المتردّدة بين الإخوان، وتسمّى القصاصة التي يلصق بها سحاءة- بفتح السين وبالمدّ، وتقال بكسر السين أيضا، وربما قيل سحاية؛ ويقال فيه:
سحوت الكتاب أسحوه سحوا، وسحّيته بالتشديد أسحّيه تسحية فهو مسحوّ ومسحيّ ومسحّى؛ والأمر من سحوت الكتاب أسح، ومن سحّيته بالتشديد سحّ، وأصله من السّحو وهو القشر. يقال: سحوت اللحم عن العظم إذا قشرته.
الجملة الرابعة (في حمل الكتاب وتأديته)
وهو من جملة الأمانات الداخلة في عموم قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها
«1» . وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: من أعظم الأمانة أداء الكتاب إلى أهله. قال محمد بن عمر المدائني:
حمل الكتاب أمانة، وترك إيصاله خيانة. وقد روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«من بلّغ كتاب غاز في سبيل الله إلى أهله أو كتاب أهله إليه، كان له بكلّ حرف عتق رقبة وأعطاه الله كتابه بيمينه وكتب له براءة من النار» . وقد نطق القرآن الكريم بتأدية الهدهد كتاب سليمان عليه السلام إلى بلقيس، حيث قال حكاية عن سليمان: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ
«2» إلى أن قال: قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ
«3» .
وقد وردت الأحاديث بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم، كان يبعث كتبه مع رسله إلى الملوك، فبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى أبرويز ملك الفرس؛ وبعث دحية الكلبيّ إلى قيصر ملك الروم؛ وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر؛ وبعث عمرو بن أميّة الضّمريّ إلى الضّحّاك «1» ملك الحبشة؛ وبعث شجاع بن وهب الأسديّ إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني؛ وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة بن عليّ صاحب اليمامة؛ وبعث العلاء بن الحضرميّ إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين؛ وبعث عمرو بن العاص إلى عبد «2» وجيفر ابني الجلندى ملكي عمان. قال ابن الجوزيّ: وبعث جرير بن عبد الله البجليّ إلى ذي الكلاع الحميريّ.
واعلم أنه يجب أن يكون حامل الكتاب المؤدّى له عن الملك ونحوه وافر العقل، شديد الشّكيمة في الجواب، طلق اللسان في المحاورة، فإنه لسان ملكه، وترجمان مرسله، وربما سأله المكتوب إليه عن شيء أو أورد عليه اعتراضا فيكون بصدد إجابته. وقد قيل: إنّه يستدلّ على عقل الرجل بكتابه ورسوله. ومن غريب ما يروى في ذلك ما ذكره ابن عبد الحكم، أن النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، وبلّغه كتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال له: ما منعه أن يدعو عليّ فيسلّط عليّ؟ - قال له حاطب: ما منع عيسى أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل ويفعل؟ فوجم ساعة ثم استعادها، فأعادها عليه حاطب، فسكت. ويروى أنه حين سأله عن أمر النبيّ، صلى الله عليه وسلم، في حرب قومه، وذكر له أنّ الحرب تكون بينهم سجالا، تارة له وتارة عليه، قال له المقوقس: النّبيّ يغلب! فقال له حاطب: فالإله يصلب! - يشير بذلك إلى ما تزعمه النصارى من أن المسيح عليه السلام صلب مع دعواهم فيه أنه إله.
وذكر السّهيليّ أن دحية الكلبيّ حين دخل على قيصر بكتاب النبيّ، صلى الله عليه وسلم،
قال له دحية: هل تعلم أكان المسيح يصلّي؟ قال نعم، قال: فإنّي أدعوك إلى من كان المسيح يصلّي له، وأدعوك إلى من دبّر خلق السموات والأرض والمسيح في بطن أمه. فألزمه من صلاة المسيح أنه عبد لله تعالى، وضمّن ذلك بيتا من أبيات له فقال:(متقارب)
فقرّرته بصلاة المسيح
…
وكانت من الجوهر الأحمر!
ويحكى أن بعض ملوك الرّوم كتب إلى خليفة زمانه يطلب منه من يناظر علماء النّصرانية عنده فإن قطعهم أسلموا؛ فوجّه إليه بالقاضي أبي بكر بن الطيّب المالكيّ، وكان من أئمة علماء زمانه؛ فلما حضر المجلس واجتمع لديه علماء النصارى، قال له بعضهم: إنّ معتقدكم أنّ الأنبياء عليهم السلام معصومون في الفراش، وقد رميت عائشة بما رميت به. فإن كان ما رميت به حقّا، كان ناقضا لأصلكم الذي أصّلتموه في عصمة الأنبياء في الفراش، وإن كان غير حقّ كان مؤثّرا في إيمان من وقع منه. فقال القاضي أبو بكر: إمرأتان حصينتان رميتا بالفرية «1» ، إحدهما لها زوج ولا ولد لها، والأخرى لها ولد ولا زوج لها- يشير بالأولى إلى عائشة رضي الله عنها، وبالثانية إلى مريم عليها السلام، فسجدوا له على عادة تحيّتهم في ذلك، إلى غير ذلك من الوقائع التي لا تحصى كثرة.
فإذا كان الرسول متمكّنا من عقله، عالما بما يأتي وما يذر، كفى ملكه مؤونة غيبته، وأجاب عن كل ما يسأل عنه؛ وإذا كان بخلاف ذلك انعكست القضيّة، ورجع على مرسله بالوبال. ثم إن اقتضى رأي الملك زيادة في الرسالة على الرسول الواحد فعل؛ ليتعاونا على ما فيه المصلحة، ويتشاورا فيما يفعلان، فقد ذكر السهيليّ أن جبرا مولى أبي ذرّ الغفاريّ كان رسولا مع حاطب ابن أبي بلتعة إلى المقوقس. وإن اقتضى الحال إرسال أكثر من اثنين أيضا فعل، فقد ذكر ابن الجوزيّ أن أبا بكر الصدّيق، رضي الله عنه، في خلافته