الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتّاب الزمان على أن جعلوا أعلاها الدعاء بعز الأنصار؛ لأن عزّ أنصاره عزّ له بالضرورة مع ما فيه من تعظيم القدر ورفعة الشأن؛ إذ الأنصار لا تكون إلا لملك عظيم أو أمير كبير. والدعاء بعزّ النصر أعلى من الدعاء بعزّ النّصرة؛ لما في الأوّل من معنى التذكير وهو أرفع رتبة من التأنيث. على أنه لو جعل الدعاء بعز النصر أعلى من الدعاء بعز الأنصار، لكان له وجه؛ لما في عزّ النصر من الغناء عن عزّ الأنصار.
(ومنها) الدّعاء بعزّ الأحكام، والدعاء بتأييد الأحكام؛ فالدعاء بعزّ الأحكام أعلى؛ لأن المراد بالتأييد التقوية، فقد توجد القوّة ولا عزّ معها.
وينبغي للكاتب أن يحترز في تنزيل كلّ أحد من المكتوب إليهم منزلته في الدعاء، فلا ينقص أحدا عن حقّه، ولا يزيده فوق حقّه، فقد قال في «موادّ البيان» : إن الملوك تسمح ببدرات المال ولا تسمح بالدّعوة الواحدة.
الثاني- أن يعرف ما يناسب كلّ واحد من أرباب المناصب الجليلة من الدعاء فيخصّه به
. فيأتي بالدعاء في المكاتبة للملوك بإطالة البقاء، ودوام السلطان، وخلود الملك، وما أشبه ذلك.
ويأتي في المكاتبة إلى الأمراء بالدعاء بعزّ الأنصار، وعزّ النّصر، ومضاعفة النّعمة، ومداومتها وما شاكل ذلك. على أن ابن شيث قد ذكر في «معالم الكتابة» أن الدعاء بعزّ النّصر ومضاعفة الاقتدار كان في الدولة الأيوبية مما يختصّ بالسلطان دون غيره.
ويأتي في المكاتبات للوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم بالدعاء بسبوغ النّعماء، وتخليد السّعادة، ودوام المجد، وما يضاهي ذلك.
ويأتي في المكاتبات للقضاة والحكّام بالدعاء بعزّ الأحكام، وتأييد الأحكام وما يطابق ذلك.
ويأتي في المكاتبة إلى التّجّار بالدعاء بمزيد الإقبال، وخلود السعادة وشبه ذلك.
ويأتي في المكاتبة في الإخوانيّات ومكاتبات النّظراء من الدعاء بما يقتضيه الحال بينهم من الودّ والإدلال، بحسب ما يراه الكاتب ويؤدّي إليه اجتهاده. قال في «موادّ البيان» : وقد كانوا يختارون في الدعاء للأدباء، أبقاك الله، وأكرمك الله. وفي الدعاء للابن والحرمة «أبقاك الله» و «أمتع بك» .
أمّا أهل الكفر فقد اصطلحوا على الدعاء لهم بطول البقاء وما في معناه. أمّا جواز أصل الدعاء لهم فلما روي أنّ النبيّ، صلى الله عليه وسلم، استسقى فسقاه يهوديّ، فقال له: جمّلك الله، فما رؤي الشيب في وجهه حتّى مات، فدلّ على جواز الدعاء للكافر بما لا ضرر فيه على المسلمين ما لم تنضمّ إليه قوّة ونحو ذلك، بل ربما كان في طول بقائه حمل جزية أو غنيمة أو ثواب جهاد ونحو ذلك. وقد حكى أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» أن الشافعيّ، رضي الله عنه، قال لنصرانيّ: أعزّك الله! فعوتب في ذلك، فقال.......... «1»
…
واعلم أنه يجب مع ذلك أن يعرف مرتبة المكتوب إليه من الدعاء، فيدعو بعزّ الأنصار لواحد، ويدعو بعزّ النصر لمن دونه؛ لأن عزّ الأنصار مستلزم لعزّ النصر. على أنه لو قيل: إنّ عزّ النصر أعلى لكونه دعاء لنفس الشيء بخلاف الدعاء بعزّ الأنصار فإنه دعاء لشيء خارجيّ لكان له وجه. ويدعو بعز النّصرة لمن دون من يدعى له بعز النصر؛ لأن النصر مذكّر ورتبة التذكير أعلى من رتبة التأنيث. ويدعو بدوام النعمة لواحد ويدعو بمضاعفة النّعمة لمن دونه «2» ؛ لأن