الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليك والأمر على كذا، أو من موضع كذا» .
الاسلوب السادس (أن تقع المكاتبة بلفظ «كتب» بصيغة الفعل)
وهذه المكاتبة كان يكتب بها عن الوزراء ومن في معناهم إلى الخلفاء.
فيكتب الوزير ونحوه: «كتب عبد أمير المؤمنين» أو «كتب العبد من محلّ خدمته بمكان كذا، والأمر على كذا وكذا» . وعلى نحو من ذلك يجري كتّاب المغاربة في الكثير من كتبهم، مثل «إنا كتبنا إليكم من محلّ كذا» أو «كتبت إليك من محلّ كذا» وما أشبه ذلك. وهذه في الأصل مأخوذة من الأسلوب الذي قبل.
الأسلوب السابع (أن يقع الافتتاح بالدعاء)
والأصل في ذلك ما حكاه أبو جعفر النحاس: إنّ معاوية بن أبي سفيان كتب إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، عند جريان الخلاف ووقوع الحرب بينهما:«أما بعد عافانا الله وإيّاك من السّوء» . ثم زاد الناس في الدعاء بعد ذلك.
وقد اختلف في جواز المكاتبة بالدّعاء في الجملة؛ فذهب ذاهبون إلى جواز ذلك كما يجوز الدّعاء في غير المكاتبة، سواء تضمّن الدعاء معنى الدّوام والبقاء أم لا. وهو الذي رجّحه محمد بن عمر المدائنيّ في كتاب «القلم والدواة» وإليه يميل كلام غيره أيضا، وحكاه النحاس عن أبي جعفر أحمد بن سلامة، وكلامه يميل إلى ترجيحه. أمّا ما يتضمن معنى الدّوام والبقاء، فلما روي أنّ النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لأبي اليسر كعب «1» ابن عليّة:«اللهم أمتعنا به» قال النحاس: وذلك دليل الجواز، بل حكي عن بعضهم أنّ الدعاء بطول البقاء
أكمل الدعاء وأفخمه؛ لأنّ كل نعمة لا ينتفع بها إلا مع طول البقاء. ثم قال:
والمعنى في الدّعاء في المكاتبات التودّد والتحبّب؛ وقد أمر صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يكونوا إخوانا، ومن أخوّتهم ودّ بعضهم بعضا. وكذلك القول بما يؤكّد الأخوّة بينهم والمودّة من بعضهم لبعض، وإذا قال له ذلك، كان قد بلغ من قلبه نهاية مبلغ مثله منه، ويكون من قال ذلك قد علم من قلبه في شأنه ما يكون من قلب مثله. وقد قال الشيخ محيي الدين النوويّ: من قال لصاحبه- حفظا لمودّة-:
«أدام الله لك النّعم» ونحو ذلك فلا بأس به.
وأمّا ما لم يتضمن معنى الدوام والبقاء، كالعزّ والكرامة، فقد روي عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى منكم مقتل حمزة؟
فقلت: أعزّك الله! أنا رأيته» . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل جرير بن عبد الله على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فضنّ الناس بمجالسهم فلم يوسّع له أحد، فرمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردته «1» وقال: اجلس عليها يا جرير، فتلقّاها بوجهه ونحره فقبّلها ثم ردّها على ظهره وقال: أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني» فقد دعا له صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك بالعز، وجرير بن عبد الله بالكرامة ولم ينكر ذلك على واحد منهما.
وذهب آخرون إلى أنه لا تجوز المكاتبة بالدّعاء، سواء تضمّن معنى الدوام والبقاء أم لا؛ لأنه خلاف ما وردت به السنة وجرى عليه اصطلاح السّلف.
وفصّل بعضهم فقال: «إن كان الدعاء مما لا يتضمّن معنى الدوام والبقاء نحو «أكرمك الله بطاعته» و «تولّاك بحفظه» و «أسعدك بمعرفته» و «أعزّك بنصره» جاز؛ لحديثي كعب بن مالك وجرير بن عبد الله المتقدّمين. وإن كان مما
يتضمّن معنى الدوام والبقاء، نحو «أطال الله بقاءك» و «نسأ أجلك» و «أمتع بك» وما أشبه ذلك، لم تجز المكاتبة به.
واحتجّ لذلك بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «أنّ أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: اللهمّ، أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية- فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد دعوت لآجال مضروبة، وأرزاق مقسومة لا يتقدّم منها شيء قبل أجله ولا يتأخّر بعد أجله، ولو سألت الله أن يقيك عذاب النار لكان خيرا لك» . وبما روي أن الزّبير بن العوّام، رضي الله عنه، قال للنّبي صلى الله عليه وسلم:«جعلني الله فداك» فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم:
«أما تركت أعرابيّتك بعد» ؟ فقد أنكر صلى الله عليه وسلم على أمّ حبيبة والزبير الدعاء بما فيه طول البقاء. وإذا امتنع ذلك في مطلق الدعاء، امتنع في المكاتبة من باب أولى؛ لمخالفة طرقها التي وردت بها السنة. قال حمّاد بن سلمة: كانت مكاتبة المسلمين «من فلان إلى فلان، أما بعد، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلّي على محمد عبده وآل محمد» حتّى أحدث الزنادقة- لعنهم الله- هذه المكاتبة التي أوّلها «أطال الله بقاءك» .
وعن إسماعيل بن إسحاق أنّ أوّل من كتب «أطال الله بقاءك» الزنادقة. وقد قال الإمام الرافعيّ وغيره من أئمة أصحابنا الشافعية: إن الدعاء بالطّليقة- وهي أطال الله بقاءك- لا أصل له في الشرع. قال الشيخ محيي الدين النوويّ: وقد نصّ السلف على كراهته. ونقل النحاس عن بعضهم أنه استحبّ تقييده بالإضافة إلى شيء آخر، مثل أن يكتب «أطال الله بقاءك في طاعته وكرامته» أو «أطال الله بقاءك في أسرّ عيش وأنعم بال» وما أشبه ذلك.
واعلم أنّ الناس قد اختلفوا في صورة الابتداء بالدعاء؛ فالأوّلون- لابتداع الدّعاء في المكاتبات- كانوا يفتتحون بطول البقاء للخلفاء وغيرهم؛ ثم توسّعت الطبقة الثانية من الكتّاب في المكاتبة فافتتحوا بالدعاء للخلفاء والملوك بخلود الملك، ودوام الأيام، ودوام السّلطان وخلوده، وما في معنى ذلك؛