الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصارت العساكر الدانية والنائية فوضى لا تمتاز، ولا تنفرد وتنحاز، وذلك صنع الله لأمير المؤمنين في جمع الشّتات، وتلافي الهنات «1» ، ولمّ خلل التّخاذل، ومداواة نغل الدّخائل؛ لتتمّ الكلمة في ولايته، وتعمّ النّعم في طاعته، ولا يكون للشيطان سبيل على شيعته، ولا طريق إلى مكيدة أبناء دعوته، والله ذو الفضل العظيم.
فاحمد الله على هذا النبإ الذي تطوّع به المقدار، والخبر الذي دلّت عليه الأخبار، من الفتح الذي لم ينغّصه تعب، ولم يكدّره عناء ولا نصب، فإنه تأتّى سهلا، وأتى رسلا؛ وابتدأ عفوا، وانتهى خالصا صفوا، فقد قمع الله به العندة، وجمع بتهيئة العبدة، وآذن عقباه بالسعادة، وبشّر في سيماه باتصال المادة، وأنزل أبا الفوارس عبد الملك بن نوح، مولى أمير المؤمنين، منزلة من رآه أمير المؤمنين أهلا للوديعة، وآمنه على الصّنيعة، ورتّبه مرتبة المسبحة، واستحفظ الله حسن الموهبة به، وما قد تجدّد بين أبي الفوارس وبينهما من الاتحاد، المتولد عن الاغتباط والاعتداد، فقلّ من شاقّهما فلم يندم، وتمرّد عليهما فلم يكلم، وتمسك بهما فلم يسعد، وارتبع أكنافهما فلم يوعد؛ وأجب عن هذا الكتاب بوصوله إليك، وموقع متضمّنه لديك، وما يحدثه لك من الجذل، وانفساح الأمل؛ موفّقا إن شاء الله تعالى.
النوع الثاني (أن لا يعقب البعدية «تحميد» ، بل يقع الشروع عقبها في المقصود)
وهذه نسخة كتاب من ذلك، كتب به أبو إسحاق «2» الصابي عن الطائع لله إلى من بصحار «3» وسوادها، وجبال عمان وأعمالها، وحاضرتها وباديتها، بالأمر
بالاجتماع على الطاعة، وهي:
أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين للذي حمّله الله من أعباء الإمامة، وأهّله له من شرف الخلافة، واستودعه من الأمانة في حياطة المسلمين، والاجتهاد لهم في مصالح الدنيا والدّين، يرى أن يراعي من بعد منهم ونأى، كما يراعي من قرب ودنا، وأن يلاحظ جماعتهم بالعين الكالية، ويطلبهم بالعين الوافية، ويتصفّح ظواهر أمورهم، وبواطن دواخلهم، فيحمد من سلك نهج السلامة، ويرشد من عدل عن الاستقامة، وينظم شمل الجماعة على الألفة التي أمر الله بها وحضّ عليها، ويزيلهم عن الفرقة التي ذمّها وو نهى عنها؛ إذ يقول جلّ من قائل: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
«1» :
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا
«2» . فلا يزال أمير المؤمنين يعرّفهم ما افترض الله عليهم من طاعة الأئمة وأولي الأمر الذين لا عصمة لمخالفهم، ولا ذمّة لمعاندهم، ولا عذر لمسلم ولا معاهد نأى بجانبه عنهم، وضلّ بوجهه عن سبيلهم، إذ كان الإمام حجة الله على خلقه، وخليفته في أرضه، وكانت الطاعة واجبة له ولمن قلّده أزمّة أموره، واستنابه في حمل الأعباء عنه، فمن آنس منه الهداية أحمده، ومن أنكر منه الغواية أرشده بالوعظ ما اكتفى به، أو بالبسط إن أحوج إليه. وإنّ أمير المؤمنين يسأل الله أن يوفّقه للرأي السّديد، ويمدّه بالصّنع والتأييد، ويتولّاه بالمعونة على كلّ ما لمّ «3» الشعث، وسدّ الخلل، وقوّم الأود وعدل الميل؛ وأحسن العائدة على المسلمين جميعا في شرق الأرض وغربها، وسهلها وحزنها، إنه بذلك جدير، وعليه قدير، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب.
وقد علمتم أن أمير المؤمنين أحسن إلى الرعيّة بما كان فوّضه إلى عضد
الدولة وتاج الملّة- رحمة الله عليه- من سياستهم باديا، ثم أحسن باستخلاف عديله وسليله صمصام الدولة وشمس الملة ثانيا؛ إذ كان خيرة أمير المؤمنين وصفوته، وحسامه ومجنّه «1» ، والمورد المصدر عنه بالعهدين المستمرّين من أمير المؤمنين بالنص عليه، ومن الوالد رحمه الله بالوصيّة إليه. وإن هذه العقود المؤكّدة، والعهود المشدّدة، موجبة على الكافّة طاعة من حصلت له، أو استقرّت بوثائقها في يده، إذ لا يصحّ من حاكم حكم، ولا من عاقد عقد، ولا من وال إقامة حدّ، ولا من مسلم تأدية فرض حتّى يكون ذلك مبنيّا على هذا الأصل، ومدارا على هذا القطب، وإن كان خارج عنهما وراض بخلافهما، خرج من دينه، أثم بربه، بريء من عصمته، وأنتم من بين الرعية فقد خصصتم سالفا بحسن النظر لكم، وعرفت الطاعة الحسنة منكم، فتقابلت النعمة والشّكر، تقابلا طاب به الذّكر، وانتظم به الأمر. ثم حدثت الهفوة المعترضة قبيل، فكان أمير المؤمنين موجبا للمعاقبة الموجبة على الجاهل الموضع في الفتنة، والمعاتبة الممضّة على الحكيم منكم القاعد عن النّصرة، إلى أن وردت كتب أستاد هرمز «2» بن الحسن، حاجب صمصام «3» الدولة، باستمراركم على كلمة سواء، في نصرة الأولياء، والمحاماة دونهم، ومدافعة الأعداء والمراماة لهم. فوقع ذلك من أمير المؤمنين أحسن مواقعه، ونزل لديه ألطف منازله، وأوجب لكم به رضاه المقترن برضا الله سبحانه، الموجب للقربة والزّلفى «4» عنده، وأمير المؤمنين يأمركم بالدوام على ما أنتم، والثبات على ما استأنفتم،