الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطرف التاسع (في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم، إلى الملوك ومن في معناهم، على ما كان عليه مصطلح أهل المشرق، وهو على ثلاثة أضرب)
الضرب الأوّل (أن تكون المكاتبة عن ملك إلى غير ملك)
ورسمهم أن يفتتح الكتاب بلفظ «كتابنا إليك في يوم كذا، ومن مكان كذا، والأمر على كذا وكذا» ويذكر الحال التي عليها المكتوب عنه حينئذ أو التي عليها الخليفة إن كان المكتوب عنه من أتباع الخليفة، أو التي عليها الملك إن كان من أتباع الملك ونحو ذلك، ويكون التعبير في هذه المكاتبة عن المكتوب عنه بنون الجمع، والخطاب للمكتوب إليه بالكاف. ولا يقال في المكتوب إليه في هذه الحالة: سيّدي ومولاي، ولا سيدنا ولا مولانا. وبذلك بكتب عن الملوك ومن في معناهم من سائر الرؤساء إلى المرؤوسين.
ثم هو على مرتبتين:
المرتبة الأولى- أن يراعى جانب المكتوب إليه في الرّفعة بعض المراعاة
.
كما كتب أبو إسحاق «1» الصابي عن صمصام «2» الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه، إلى الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عبّاد وزير فخر الدولة، في الشفاعة في شخص من بعض ألزامه:
كتابنا- أدام الله تأييد الصاحب الجليل كافي الكفاة- وإن وثقنا من المسؤولين بالإيجاب والإجابة، ومن المأمورين بالامتثال والطاعة، فإنا نخصّ
بكتبنا الصادرة عنا في المآرب العارضة لنا، من خصبت «1» من كلا الفريقين نهضته إليها، وظهرت مثابرته عليها، وإذا انتهينا إليه- أدام الله عزّه- في ذلك عددنا مع ما قدّم الله عندنا من رتبته في الطبقة الأولى، وميّزنا مع ما وفّر الله علينا من طاعته عن الطبقة الأخرى، وأنسنا منه عادة مشكورة في اتباع محبوبنا، والإسعاف بمطلوبنا؛ ليسلس لنا إلى مخاطبته قياد يتقاعس عمّن سواه، وتنبسط منا في مكاتبته أنامل تتجعّد عمن لا يجري مجراه، ولا سيما إذا كان ذلك في مكرمة يطيب ثناؤها، ومنقبة يشاد بناؤها، والله يمدّه ويمدّنا فيه من طيب السّجايا، وصالح العطايا، بما هو الوليّ به، والحقيق بالشكر عليه.
وكتابنا هذا- أدام الله عزّ الصاحب الجليل كافي الكفاة- مبنيّ على إذكاره بحقّ لنا رعيناه، وذمام من أجله أوجبناه، وذلك أسدّ لإحكامه وألزم لإيجابه، وأوكد لأسبابه، وقد عرف مكان أبي منصور يزداها دار بن المرزبان من خدمتنا، وموقعه في جملتنا، وتوفّر حظّه من جميل رأينا، وخالص اعتقادنا، ومن أوجه وسائله لدينا، التي أوجبت له ذلك علينا، أنا لانزال عده عليه «2» ، من الاعتداد بإحسان الصاحب الجليل كافي الكفاة إليه، وإلى أبيه من قبله، والاعتراف بأنه أيّده الله أبو عذرة صنعه، والسابق إلى الجذب بضبعه، ولمن كان أقرّ له من ذلك معروف لا ينكر، ودخل من الثناء عليه في إجماع لا يخرق، فقد بيّن عن نفسه أنه ممن يطيق حمل المنن ويحسن مصاحبة النّعم، ويستحق أن تقرّ عنده أسلافها، وتدرّ عليه أخلافها، إذ لم يذهله الرّبوع فيها عن التحيد من اصطرافها وانصرافها، ولم يلهه التوسّط لها عن حياطة أطرافها وأكنافها، ومن لنا اليوم بالشّكور الذي لا يغمط، والذّكور الذي لا ينسى؟ والعليم بما يلزمه، والقؤوم بما يحقّ عليه. وأعلمنا حال قريبين له يقال لهما الفركان بن حرزاد، ورستم بن يزد، وأنهما تصرّفا في بعض الخدمة تصرّفا تزايلا فيه عن نهج السّداد، وسنن
الرّشاد، واقتضى ذلك أن طلبا بالتقويم والتهذيب، وولجا مضيق القصاص والتأديب، وأنه قد مضت لهما فيه مدّة طويلة في مثلها ما صلح المعاقب، واكتفى المعاقب، وسؤاله لهما، ومرادنا له فيهما، شفاعة الصاحب الجليل كافي الكفاة إلى مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة في أن يسعهما العفو، ويدركهما العطف إما باستخدام يتطوّقان به المنن، ويأذن لهما بانصراف إلى الوطن؛ وقد استظهرنا بكتاب كتبناه في أمرهما: هذا الكتاب يشتمل عليه، حتّى إذا وجب أن يجعله الصاحب الجليل كافي الكفاة ذريعة إلى الغرض، ومطيّة إلى المقصد، أمضى في ذلك رأيه، وعقد عليه تدبيره. فإن رأى الصاحب الجليل أن يتوصّل في هذا الأمر إلى ما يشاكل عادته عندنا في الأمور الواردة عليه فعل، وتوخّى في الجواب أن يكون متضمّنا لذكر الفعل دون القول، والإنجاز دون الوعد، إن شاء الله تعالى.
وكما كتب الصابي عن صمصام الدولة المقدّم ذكره، إلى الصاحب «1» بن عباد أيضا في حالة أخرى، بسبب ردّ إقطاع إلى أبي جعفر محمد بن مسعود قرين كتاب إلى فخر الدولة:
كتابنا والسلامة لدينا راهنة، وعادة الله لإقرارها ضامنة، والحمد لله رب العالمين، والصاحب الجليل كافي الكفاة- أدام الله تأييده- يعلم أنه لم يزل لممالكنا أفنية تقام بها أسواق المكارم، وتحيا بها سنن المحامد، وقد جعله الله بتفضّله الحافظ لجمال ذلك علينا، والضارب بسهمه فيه معنا، فالحمد لله على أن قرن الحظوظ التي خوّلنا، والمنازل التي نوّلنا، بالخلائق الخليقة بها، الداعية إلى استقرارها، والطرائق المطرّقة إلى ثباتها واستمرارها، وأن زان أيامنا هذه الحاضرة، بآثار الصاحب كافي الكفاة أدام الله عزه فيها النّاضرة ومساعيه
الرّشيدة، وأفعاله المستقيمة، وأحاديثه الجميلة، وإيّاه نسأل أن يجرينا وكلّ ناصح على أفضل ما عوّدنا وأحسن ما أولاه ومنحنا بقدرته.
وإذا كان مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة، وفلك الأمّة، بالمحلّ الذي أهّله الله له، من استعذاب الإحسان إلى أوليائه، وافتراض الإفضال على نصحائه، وكان الصاحب الجليل بالحال التي هو بها من القيام بما حمل به «1» المناب فيه عنه، فقد وجب أن تكون الرّعاية لذوي الحرمات مستحكمة الأسباب، ثابتة الأطناب، واضحة الأعلام، ماضية الأحكام، ولا سيما فيمن تعلق منّا بالعناية، وأخذ من ذمامنا بالوثيقة، و «أبو جعفر محمد بن مسعود» أيده الله جامع للمواتّ، التي يستحقّ بها اجتماع العنايات، سالفا صالحا في الخدمة، وسابقة متمكّنة في الجملة، واشتمالا على كلّ ما وجبت به الحقوق، ولزمت به الرعايات. وذكر أنه كانت له بنواحي الجبل تسويغات ومعايش أنعم بها مولانا الأمير السيد فخر الدولة عليه في حال بعد حال، وشرّفه بها في مقام بعد مقام، منها كذا وكذا، وإذا جمع الجميع كان قليلا في جنب ما يفيضه مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة، وفلك الأمة على خدمه، من جليل عوارفه الجارية على يد الصاحب الجليل كافي الكفاة أدام الله تأييده، والواصلة إلى مستحقّيها بلطيف توصّله، وجميل معتقده. وكان موقعه جليلا عند أبي جعفر محمد بن مسعود أيده الله في جنب ما يصلح من شأنه، ويقيم من جاهه، ويرب من معايشه، ويلمّ من حاله. وقد كتبنا إلى مولانا في ذلك كتابا مجملا قصرناه على الرّغبة إليه، في ردّ هذه المعايش عليه، وعوّلنا على الصاحب الجليل في إخراج أمره العالي بذلك له، وإحكام المناشير والوثائق بجميعه، والتقدّم بمكاتبة العمّال والولاة بتقوية أيدي أصحابه، في استيفاء ما يجب من الأسلاف والبقايا، على الأكرة «2» والمزارعين، والوكلاء والمعاملين، وتأكيد الكتب بغاية ما تؤكّد