الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة الثانية (في المكاتبات الخاصّة، إلى خلفاء بني العباس)
قال أبو جعفر النحّاس «1» : وقد يكاتب الإمام بغير تصدير إذا لم يكن ذلك في شيء من الأمور التي سبيلها أن تنشأ الكتب بها من الدواوين. كما كتب القاسم بن عبد الله إلى المكتفي «2» مهنّئا له بالخلافة:
بسم الله الرحمن الرحيم، والسّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله أن يعظّم بركة هذا الأمر على أمير المؤمنين وعلى الأمّة كافّة.
قال: والمستعمل في هذا الوقت في مكاتبة الوزير الإمام:
أطال الله بقاء أمير المؤمنين! وأعزّه وأيّده، وأتمّ نعمته عليه، وأدام كرامته له.
ثم قال: وربما استحسنت مكاتبة المرؤوس إلى الرئيس على غير ترتيب الكتاب. كما كتب إبراهيم بن أبي يحيى إلى بعض الخلفاء يعزّيه:
أما بعد، فإنّ أحقّ من عرف حقّ الله عليه فيما أخذ منه، من عظم حقّ الله عليه فيما أبقاه له، واعلم أن أجر الصابرين فيما يصابون أعظم من النّعمة عليهم فيما يعافون فيه.
الطرف الخامس (في المكاتبات الصادرة إلى الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية)
قد ذكر في «موادّ البيان» أنّ المستعمل في دولتهم أن يقال بعد البسملة:
أفضل صلوات الله وبركاته، وأشرف رضوانه وتحيّاته، على مولانا وسيدنا الإمام
الفلاني أمير المؤمنين، وعلى آبائه الطاهرين، وأبنائه الأكرمين- إن كان له أبناء- فإن لم يكن له أبناء قيل مكان الأكرمين: المنتظرين. ثم يقال بعد فضاء واسع: كتب عبد الموقف النبويّ خلّد الله ملكه، من مقرّ خدمته بناحية كذا، وأمور ما عذق «1» به وردّ إلى نظره منتظمة بسعادة مولانا أمير المؤمنين- صلوات الله عليه وعلى جدّه- والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وسلّم تسليما. ثم يقال: العبد ينهي كذا وكذا ينص الأغراض التي بني الكتاب على إنهائها وشرح حالها. قال: فإن كان الكتاب مبنيّا على المطالعة ببعض الأخبار، قيل في آخره بعد فضاء يسير:«أنهى العبد ذلك ليستقرّ علمه بالموقف الأشرف» إن شاء الله تعالى. وإن كان مبنيّا على الاستثمار في بعض الأحوال، قيل في هذا الموضع:«ولمولانا أمير المؤمنين صلّى الله عليه الرأي العالي في ذلك» إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة كتاب من هذا النمط في جواب عن كتاب ورد من الخليفة بالسؤال عن المكتوب عنه في مرضه، وهو:
صلوات الله الزّاكية، وتحيّاته الذّكية الذّاكية، وسلامه الذي يتنزّل على الرّوح بالرّوح، ويؤذن من رضا الله بأشرف موهوب وأكرم ممنوح، وبركاته التي فيها للمؤمنين سكن، وبشفاعتها تتقبّل أعمال المؤمن بقبول حسن- على إمام الحقّ المنظور المغني عن المنتظر، وحجّة الله التي أرسلها نذيرا للبشر، وخليفة الله الذي نزلت بمدحه مرتّلات السّور، قبل مرتّبات السّير، وبعثه الله بالنّور الذي لا يمكّن الكافر من إطفائه، وبرهان الله الذي لا يطمع الجاحد في إخفائه، ونائب النبوّة ووارثها، ومحيي القلوب وباعثها، ومفيض أسرار الأنوار ونافثها، سيدنا ومولانا الإمام الفلاني، ولا زالت الأقدار له جنودا وجدودا،
والجديدان يسوقان إليه من أيّامهما ولياليهما إماء وعبيدا، وعلى آبائه الذين سبقت لهم من ربهم الحسنى، ورغبوا عن عرض هذا الأدنى؛ ولا تتهم ولاتهم على الخيان، ولا يتمّ للثقلين أن ينفذوا ما لم يكونوا منهم بسلطان- وعلى أبنائه وجوه الهدى البارزة من الأكنّة، وأيدي النّدى والأعنّة والأسنّة.
كتب عبد الموقف النبويّ خلّد الله ملكه من مقرّ خدمته بالمكان الفلاني، وأمور ما عدق به وردّ إلى نظره على أتمّ حال وأكمله، وأحسن نظام وأجمله؛ بسعادة مولانا أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى جدّه وآبائه الطاهرين.
العبد ينهي أنه لو أخذ في شكر المنن التي ترقّيه في كل يوم لهضاب بعيدة المرتقى، وتورده جمّات قريبة المستقى، وتوجب على لسانه أن يبذل جهد من استرسل وعلى قلبه أن يبذل جهد من اتقى؛ لقصر به الوصف، وأعياه من ورق الجنّة الخصف «1» . وكيف يجاري من يده ديمة الله بقلمه؟ أو كيف ينزح بحر الجود الذي يمدّه سبعة أبحر نعمه؟ ولما ورد عليه التشريف بالسؤال الذي أحياه بنسيم روحه، ونفخ فيه من روحه، فوقع له ساجدا، وثاب إلى السجود عائدا، وبذل مع ضراعته الابتهال جاهدا، وأخلص فرض الولاء معتقدا ورفع لواء الحمد عاقدا، وكشف عنه الضّرّ، وأطلعت على وجهه النّعم الغرّ، وتكافت الأنداد في محل عيشه فحلي الحلو ومرّ المرّ، وانتهى من الدعوات إلى ما انتهى به المرض، وتفلل منه الجوهر الذي عزل به العرض، وصافح بمهجته السّهام التي نفذ بها الغرض، وكاد يشاهده مرتفعا به الضّنى والألم، وفعلت أنواره في ظلمته ما لا تفعل الأنوار في الظّلم، ولم يرد قبله حلو الأوّل والآخر، مأمون الموارد والمصادر، مضمون الشّفاء في الباطن والظاهر، عادت القلوب على الأجسام بفضله، وسطت العافية على الأسقام بفضله بل بفضله، والله سبحانه يملّكه أعناق البلاد، كما أجرى على يديه أرزاق العباد، إن شاء الله تعالى. وكتب في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا.