الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأن يحرّقهم بالنّيران «1» ، ويقتلهم كلّ قتلة، ويسبي النساء والذّراريّ، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام؛ فمن آمن فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله. وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كلّ مجمع لكم، والداعية «2» الأذان، فإن «3» أذّن المسلمون فأذّنوا كفّوا عنهم، وإن لم يؤذّنوا [عاجلوهم، وإن أذّنوا «4» ] سلوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقرّوا قبل منهم وحملهم على ما ينبغي لهم.
الجملة الثانية (في المكاتبات الصادرة عن بقيّة الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم)
وهي على أسلوبين:
الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من فلان إلى فلان» )
يقال إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لما صارت الخلافة إليه بعد أبي بكر، كان يكتب في كتبه:«من عمر بن الخطاب خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلان» فلما تلقّب بأمير المؤمنين على ما تقدّم في المقالة الثالثة، أثبت هذا اللّقب في كتبه، وزاد في ابتدائها لفظ «عبد الله» قبل اسمه، ليكون اسمه نعتا له، فكان يكتب:«من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى فلان» وباقي الكتاب على ما مرّ في كتب النبيّ صلى الله عليه وسلم، والصدّيق بعده في التصدير والتعبير عن نفسه بلفظ الإفراد، مثل أنا ولي وعليّ، وعن المكتوب له بكاف الخطاب، مثل لك وعليك، وتاء المخاطب، مثل قلت وفعلت، وتبعه الخلفاء على ذلك. وعنونتها «من عبد الله فلان أمير المؤمنين»
في الجانب الأيمن، ثم «إلى فلان الفلاني» في الجانب الأيسر كما تقدّم ترتيبه.
فمن ذلك ما كتب به أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، إلى عمرو بن العاص وهو يومئذ أمير مصر، وهو:
«من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص، سلام عليك.
أمّا بعد، فقد بلغني أنّه فشت لك فاشية من خيل وإبل وبقر وعبيد، وعهدي بك قبل ذلك ولا مال لك، فاكتب إليّ من أين أصل هذا المال» .
ومن ذلك ما كتب به معاوية بن أبي سفيان في خلافته إلى ابنه يزيد، وقد بلغه مقارفته اللذات، وانهماكه على الشّهوات، وهو:
«من معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين إلى يزيد بن معاوية.
أمّا بعد، فقد أدّت ألسنة التصريح إلى أذن العناية بك ما فجع الأمل فيك، وباعد الرّجاء منك إذ ملأت العيون بهجة، والقلوب هيبة؛ وترامت إليك آمال الرّاغبين، وهمم المتنافسين؛ وشحّت بك فتيان قريش وكهول أهلك، فما يسوغ لهم ذكرك إلا على الجرّة المهوّعة «1» ، والكظّ الجشء «2» . اقتحمت البوائق «3» ، وانقدت للمعاير، واعتضتها من سموّ الفضل، ورفيع القدر؛ فليتك يزيد إذ كنت لم تكن. سررت يافعا ناشئا، وأثكلت كهلا ضالعا، فواحزناه عليك يزيد! ويا حرّ صدر المثكل بك! ما أشمت فتيان بني هاشم! وأذلّ فتيان بني عبد
شمس! عند تفاوض المفاخر ودراسة المناقب! فمن لصلاح ما أفسدت، ورتق «1» ما فتقت؟ هيهات خمشت الدّربة وجه التصبّر بك، وأبت الجناية إلا تحدّرا على الألسن، وحلاوة على المناطق! ما أربح فائدة نالوها، وفرصة انتهزوها! انتبه يزيد للّفظة، وشاور الفكرة، ولا تكن إلى سمعك أسرع من معناها إلى عقلك. واعلم أنّ الذي وطّأك وسوسة الشّيطان، وزخرفة السّلطان، مما حسن عندك قبحه، واحلولى عندك مرّه، أمر شركك فيه السّواد ونافسكه الأعبد، لا لأثرة تدّعيها أو حبتها لك الإمرة، وأضعت بها من قدرك، فأمكنت بها من نفسك، فكأنك شانيء «2» نفسك، فمن لهذا كله؟
اعلم يا يزيد، أنك طريد الموت وأسير الحياة، بلغنى أنك اتخذت المصانع والمجالس للملاهي والمزامير كما قال تعالى: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ
«3» وأجهرت الفاحشة حتّى اتخذت سريرتها عندك جهرا.
اعلم يا يزيد، أن أوّل ما سلبكه السّكر معرفة مواطن الشّكر لله على نعمه المتظاهرة، وآلائه المتواترة، وهي الجرحة العظمى، والفجعة الكبرى، ترك الصّلوات المفروضات في أوقاتها، وهو من أعظم ما يحدث من آفاتها، ثم استحسان العيوب، وركوب الذّنوب، وإظهار العورة، وإباحة السّرّ. فلا تأمن نفسك على سرّك، ولا تعقد على فعلك. فما خير لذة تعقب الندم، وتعفّي الكرم؟ وقد توقّف أمير المؤمنين بين شطرين من أمرك، لما يتوقّعه من غلبة الآفة واستهلاك الشّهوة. فكن الحاكم على نفسك، واجعل المحكوم عليه ذهنك ترشد إن شاء الله تعالى. وليبلغ أمير المؤمنين ما يردّ شاردا من نومه، فقد أصبح