الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3851 -
"
عوف بن ملحم الخزاعي
"
عوف بن ملحم الخزاعي، أحد العلماء الأدباء الرواة الفهماء الندماء الظرفاء الشعراء الفصحاء؛ كان صاحب أخبار ونوادر ومعرفة بأيام الناس، اختصه طاهر بن الحسين لمنادمته ومسامرته، فلا يسافر إلا وهو معه، فيكون زميله وعديله.
قال محمد بن داود: إن سبب اتصاله به أنه نادى على الجسر أيام الفتنة بهذه الأبيات، وطاهر منحدر في حراقة له بدجلة، وأنشده إياها، وهي هذه 2:
عجبت لحراقة ابن الحسي
…
ن كيف تعوم ولا تغرق
وبحران من تحتها واحد
…
وآخر من فوقها مطبق
وأعجب من ذاك عبدانها
…
وقد مسها كيف لا تورق فضمه طاهر إليه وبقي معه ثلاثين سنة لا يفارقه، وكلما استأذنه في الانصراف إلى أهله ووطنه لم يأذن له، فلما مات طاهر ظن أنه قد تخلص، وأنه يلحق بأهله، فقربه عبد الله بن طاهر، وأنزله منزلته من أبيه، وأفضل عليه حتى كثر ماله وحسنت حاله، وتلطف بجهده أن يأذن له بالعودة، فاتفق أن خرج عبد الله بن طاهر إلى خراسان فجعل عوفاً عديله، فلما شارف الري سمع صوت عندليب يغرد بأحسن تغريد، فأعجب ذلك عبد الله والتفت إلى عوف وقال: يا ابن محلم، هل سمعت بأشجى من
هذا؟ فقال: لا والله، " فقال عبد الله ": قاتل الله أبا كبير حيث يقول:
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر
…
وغصنك مياد ففيم تنوح؟
أفق لا تنح من غير شيء فإنني
…
بكيت زماناً والفؤاد صحيح
ولوعاً فشطت عربة دار زينب
…
فها أنا أبكي والفؤاد قريح فقال عوف: أحسن والله أبو كبير، إنه كان في الهذليين مائة وثلاثون شاعراً ما فيهم إلا مفلق، وما كان فيهم مثل أبي كبير، وأخذ عوف يصفه، فقال له عبد الله: أقسمت عليك إلا عارضت قوله، فقال عوف: قد كبر سني وفني ذهني وأنكرت كل ما أعرف، فقال له عبد الله: بتربة طاهر إلا فعلت، فقال عوف رحمه الله:
أفي كل عام غربة ونزوح
…
أما للنوى من ونية فتريح
لقد طلح (1) البين المشت ركائبي
…
فهل أرين البين وهو طريح
وأرقني بالري نوح حمامة
…
فنحت وذو البث الغريب ينوح
على أنها ناحت ولم تذر دمعة
…
ونحت وأسراب الدموع سفوح
وناحت وفراخها بحيث تراهما
…
ومن دون أفراخي مهامه قيح
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر
…
وغصنك مياد ففيم تنوح؟
عسى وجود عبد الله أن يعكس النوى
…
فيلقي (2) عصا التطواف وهي طليح
فإن الغنى يدني الفتى من صديقه
…
وعدم الفتى بالمعسرين طروح فاستعبر عبر الله ورق له وجرت دموعه، وقال له: والله إني ضنين بمفارقتك شحيح على الفائت من محاضرتك، ولكن والله لا أعلمت معي خفاً ولا حافراً إلا راجعاً إلى أهلك، وأمر له بثلاثين ألف درهم، فقال له عوف:
(1) في المطبوعة: ظلع، والتصويب عن طبقات ابن المعتز وياقوت.
(2)
الطبقات: فتضحي.
يا ابن الذي دان له المشرقان
…
وألبس (1) الأمن به المغربان
إن الثمانين وبلغتها
…
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وبدلتني بالشطاط انحنا
…
وكنت كالصعدة تحت السنان
وقاربت مني خطى لم تكن
…
مقاربات وثنت من عنان
فأنشأت بيني وبين الورى
…
عنانة من غير نسج العنان
ولم تدع في لمستمتع
…
إلا لساني وبحبسي اللسان
أدعو بالله وأثني على
…
صنع الأمير المعصبي الهجان
وهمت بالأوطان وجداً بها
…
لا بالغواني أين مني الغوان؟
فقرباني بأبي أنتما
…
من وطني قبل اصفرار البنان
وقبل منعاي إلى نسوة
…
أوطانها حران والرقتان (2)
سقى قصور الشاذياخ الحيا
…
من بعد عهدي وقصور الميان
فكم وكم من دعوة لي بها
…
أن تتخطاها صروف الزمان وكر راجعاً إلى أهله فلم يصل إليهم، ومات في حدود العشرين ومائتين.
ومن شعر عوف بن محلم رحمه الله تعالى (3) :
وكنت إذا صحبت رجال قوم
…
صحبتهم ونيتي الوفاء
فأحسن حين يحسن محسنهم
…
وأجتنب الإساءة إن أساءوا
وأنظر ما يسرهم بعين
…
عليها من عيونهم غطاء وقال:
وصغيرة علقتها
…
كانت من الفتن الكبار
بلهاء لم تعرف لغر
…
تها يميناً من يسار
كالبدر إلا أنها
…
تبقى على ضوء النهار
(1) في المطبوعة: وأكثر؛ والتصويب عن الطبقات.
(2)
الطبقات: فالقرمتان.
(3)
انظر الطبقات: 191.