الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمان وسبعين خلعوا العادل سلامش، وبايعوا الملك المنصور قلاوون، واستقل بالملك، وأمسك جماعة أمراء ظاهرية، واستعمل مماليكه على نيابة البلاد.
وكسر التتار سنة ثمانين، ونازل حصن المرقب (1) وفتحه سنة أربع وثمانين، وفتح طرابلس، وأنشأ بالقاهرة بين القصرين المدرسة العظيمة والبيمارستان العظيم الذي لم يكن مثله (2) ، وتوفي في سادس القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ظاهر القاهرة، وحمل إلى القلعة وملك بعده ولده الأشرف، فلما كان مستهل سنة تسع أنزل من القلعة في تابوته إلى تربته، وفرق الذهب على القراء، وكان ملكاً عظيماً لا يحب سفك الدماء، إلا أنه كان يحب جمع الأموال، وأبقى الله تعالى الملك في بيته من بنيه ومماليكه وبني بنيه إلى الآن، رحمه الله تعالى.
400 -
(3)
قيس ابن ذريح
قيس بن ذريح - بالذال المعجمة - الكناني صاحب لبنى؛ قال صاحب " الأغاني ": كان رضيعاً للحسن بن علي عليهما السلام، مر بخيام بني كعب والحي خلوف فوقف على خيمة لبنى بنت الحباب، فاستسقى ماء فسقته،
(1) كان حصن المرقب بساحل جبلة حينئذ للاسبتارية، وقد أخرجهم قلاوون من ذلك الحصن إلى طرابلس.
(2)
قال المقريزي (السلوك 1: 716) وفيها (ي سنة 681) اشتريت الدار القطبية بين القصرين من القاهرة من خالص مال السلطان
…
وقام الأمير علم الدين ستجر الشجاعي في عمارتها مارستاناً وقية ومدرسة باسم السلطان الملك المنصور قلاوون، فأظهر من الاهتمام في العمارة ما لم يسمع بمثله.
(3)
الأغاني 9: 174 والمؤتلف: 120 والسمط: 710 والموشح: والنجوم الزاهرة 1: 182 والشعر والشعراء: 524 والزركشي: 248 وصفحات متفرقة من تزيين الأشواق؛ والترجمة في ر.
وكانت امرأة مديدة القامة شهلاء حلوة المنظر والكلام، فلما رآها وقعت في نفسه فشرب الماء، فقالت: انزل فتبرد عندنا، قال: نعم، ونزل، فجاء أبوها فنحر له وأكرمه، وانصرف قيس وفي قلبه النار من لبنى، فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروي، ثم أتاها يوم آخر وقد اشتد وجده بها، فظهرت له فشكا إليها ما يجده من حبها وشكت إليه مثل ذلك، وانصرف إلى أبيه يسأله زواجها فأبى عليه وقال: بنات عمك أحق بك، وكان ذريح كثير المال، فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه به، فاستعان بأمه على أبيه فلم يجد عندها ما يحب، فأتى الحسن بن علي رضي الله عنهما وشكا إليه ما به، فقال: أنا أكفيك، ومشى معه إلى أبي لبنى، فلما رآه أعظمه، فقال له: قد جئتك خاطباً ابنتك لقيس بن ذريح، فقال: يا ابن بنت رسول الله ما كنا لنعصي لك أمراً، وما بنا عن الفتى رغبة، ولكن نحب أن يخطبها أبوه ذريح، فإنا نخاف إن لم يسمح أبوه أن يكون علينا عار وسبة، فأتى الحسن رضي الله عنه ذريحاً وقومه فأعظموه، فقال لذريح: أقسمت عليك إلا خطبت لبنى لقيس، فقال: السمع والطاعة، ثم قام في وجوه القوم وخطبها لابنه وزوجه إياها وزفت إليه، فأقام معها مدة لا ينكر أحد منهم من صاحبه شيئاً. وكان أبر الناس بأبيه، فألهاه عكوفه على لبنى عن ذلك، ووجدت أمه في نفسها فقالت لأبيه: لقد خشيت أن يموت قيس ولم يترك ولداً، وقد حرم الولد من هذه المرأة، وأنت ذو مال فيصير مالك إلى غير ولدك، فزوجه بغيرها لعل الله يرزقه ولداً، وألحت عليه، فأمهل قيس (1) حتى اجتمع قومه وقال له: يا قيس إنك اعتللت هذه العلة فخفت عليك ولا لي ولد سواك، وهذه المرأة ليست بولود فتزوج غيرها من بنات عمك لعل الله يهب لك ولداً تقر به أعيننا،
(1) كذا في ر.
فقال قيس: لا أتزوج غيرها أبداً، فقال أبوه: إن في مالي سعة فتسرى بالجواري، قال: ولا أسوؤها بشيء، فقال: أقسمت عليك إلا طلقتها، قال: الموت عندي والله أسهل من ذلك، ولكن أخيرك خصال، قال: ما هي؟ قال: تزوج أنت لعل الله يرزقك ولداً غيري، قال: ما في فضل لذلك، قال: فدعني أرحل عنك بأهلي واصنع ما أنت صانع لو مت في علتي هذه، قال: ولا هذه، قال: فأدع لبنى عندك وأرتحل عنك فلعلي أسلوها فإنها تطيب نفسي أنها في حبالي، قال: ولا هذه، ولا أرضى إلا أن تطلقها، ثم حلف أنه لا يكنه بيت ولا سقف إلا أن تطلق (1) لبنى، وكان يخرج فيقف في الشمس فيجيء قيس ويقف إلى جانبه ويظلل عليه بردائه ويصلى هو بحر الشمس حتى يفيء الفيء، فينصرف عنه فيدخل إلى لبنى فيعانقها ويبكي وتبكي معه وتقول له: يا قيس إياك أن تطيع أباك فتهلك وتهلكني، فيقول: ما كنت لأطيع فيك أحداً أبداً. فيقال إنه مكث كذلك سنة، وقيل بل أربعين يوماً، ثم طلقها، فلما بانت بطلاقها وفرغ من الكلام لم يلبث أن استطير عقله ولحقه مثل الجنون، وأسف وجعل يبكي وينشج، وبلغها الخبر فأرسلت إلى أبيها، فأقبل بهودج على ناقة وإبل تحمل أثاثها، فلما رأى قيس ذلك أقبل على جاريتها وقال: ويلك! ما دهاني فيكم؟ قالت: لا تسألني وسل لبنى، فذهب إلى لبنى ليسلم عليها فمنعه قومها، وأقبلت عليه امرأة من قومه وقالت له: مالك تسأل كأنك جهل أو تتجاهل؟ هذه لبنى ترحل الليلة أو غداً؛ فسقط مغشياً عليه لا يعقل، ثم أفاق وهو يقول:
وإني لمفن دمع عيني بالبكا
…
حذار الذي قد كان أو هو كائن
وقالوا غداً أو بعد ذلك بليلة
…
فراق حبيب لم يبن وهو بائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي
…
بكفك إلا أن ما حان حائن
(1) كذا في ر.
ورحلت لبنى واشتد مرضه، فسأل أبوه فتيات الحي أن يعدنه ويتحدثن عنده ويعللنه، فأتينه وجلسن عنده، وجاءه طبيب يداويه فقال قيس:
عدن (1) قيساً من حب لبنى، ولبنى
…
داء قيس، والحب داء شديد
فإذا عادني العوائد يوماً
…
قالت العين: لا أرى (2) ما أريد
ليت لبنى تعودني ثم أقضي
…
إنها لا تعود فيمن يعود
ويح قيس ماذا تضمن منها
…
داء خبل والقلب منه عميد فقال الطبيب: مذ كم وجدت العلة بهذه المرأة؟ فقال:
تعلق روحي روحها قبل خلقنا
…
ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهد
فزاد كما زدنا فأصبح نامياً
…
وليس إذا متنا بمنفصم العهد
ولكنه باق على كل حادث
…
وزائرنا في ظلمة القبر واللحد ومن شعره:
وفي عروة العذري أن مت أسوة
…
وعمرو بن عجلان الذي قتلت هند
وبي مثل ما قد نابه، غير أنني
…
إلى أجل لم يأتني وقته بعد
هل الحب إلا عبرة ثم زفرة
…
وحر على الأحشاء ليس برد
وفيض دموع تستهل إذا بدا
…
لنا علم من أرضكم لم يكن يبدو وشكا أبو لبنى قيساً إلى معاوية، وأعلمه بتعرضه لها بعد الطلاق، فكتب إلى مروان بن الحكم بهدر دمه، وأمر أباها أن يزوجها بخالد بن حلزة من بني غطفان، فلما علم قيس جزع جزعاً شديداً، وقال:
فإن يحجبوها أو يحل وصلها
…
مقالة واش أو وعيد أمير
فلن يمنعوا عيني من دائم البكا
…
ولن يذهبوا ما قد أجن ضميري
(1) ر: عند.
(2)
ر: الذي.