الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
407 -
(1)
"
صاحب الرحبة
"
مالك بن طوق التغلبي صاحب الرحبة؛ أحد الأشراف والفرسان الأجواد، ولي إمرة دمشق للمتوكل، كان ينادي على باب داره بالخضراء - وكانت دار الإمارة - بعد المغرب: الإفطار يرحمكم الله، قال: والأبواب مفتوحة يدخلها الناس؛ توفي سنة تسع وخمسين ومائتين.
وهو الذي بنى الرحبة التي على الفرات وإليه تنسب، وسبب ذلك أن هارون الرشيد ركب على حراقة مع ندمائه في الفرات ومعهم مالك بن طوق، فلما اقترب من الدواليب قال: يا أمير المؤمنين لو خرجت إلى الشط لنجوز هذه الدواليب، قال: أحبك تخاف هذه؟ قال: الله يكفي أمير المؤمنين كل محظور، قال الرشيد: قد تطيرت بقولك، ثم صعد إلى الشط، فلما بلغت الحراقة إلى الدواليب دارت دورة ثم انقلبت بما فيها، فتعجب الرشيد من ذلك وسجد شكراً لله تعالى وتصدق بأموال كثيرة، وقال لمالك: وجبت لك علينا حاجة فسل ما تحب، قال: يعطيني أمير المؤمنين هنا أرضاً أبنيها فتنسب إلي، قال: قد فعلنا وساعدناك بالأموال والرجال، فلما عمرها واستوثقت أموره فيها وتحول الناس فيها أنفذ إليه الخليفة يطلب منه مالاً، فتعلل ودافع ومانع وتحصن وجمع الجيوش، وطالت الوقائع بينه وبين عسكر الرشيد، إلى أن ظفر به صاحب الرشيد وحمله مكبلاً، فمكث في السجن عشرة أيام، ثم أمر بإحضاره في جمع
(1) معجم البلدان (رحبة مالك بن طوق) ودول الإسلام 1: 123 والنجوم الزاهرة 3: 20 والشريشي 1: 145.
من الرؤساء وأرباب الدولة، فقبل الأرض ولم ينطلق، فعجب الرشيد من صمته وغاظه ذلك وأمر بضرب عنقه، وبسط النطع وجرد السيف وقدم مالك، فقال الوزير: يا مالك تكلم فإن أمير المؤمنين يسمع كلامك، فرفع رأسه وقال: يا أمير المؤمنين أخرست عن الكلام دهشة، وقد أدهشت عن السلام والتحية، فأما إذ إذن أمير المؤمنين فإني أقول: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلالة من طين، يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدين، ولم بك شعث الأمة، وأخمد بك شهاب الباطل، وأوضح بك سبيل الحق، إن الذنوب تخرس الألسنة الفصيحة وتصدع الأفئدة، وايم الله لقد عظمت الجريمة وانقطعت الحجة، ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك، ثم أنشأ يقول بعد ما التفت يميناً وشمالاً:
أرى الموت بين النطع والسيف كامناً
…
يلاحظني من حيث ما أتلفت
وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي
…
وأي امرئ مما قضى الله يفلت؟
يعز على الأوس بن تغلب وقفة
…
يهز علي السيف فيها وأسكت
وأي امرئ يد لي بعذر وحجة
…
وسيف المنايا بين عينيه مصلت
وما بي من خوف أموت وإنني
…
لأعلم أن الموت شيء مؤقت
ولكن خوفي صبية قد تركتهم
…
وأكبادهم من حسرة تتفتت
كأني أراهم حين أنعى إليهم
…
وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا
فإن عشت عاشوا آمنين بغبطة
…
أذود الردى عنهم، وإن مت موتوا
فكم قائل لا يبعد الله داره
…
وآخر جذلان يسر ويشمت قال: فبكى هارون الرشيد وقال: لقد سكت على همة، وتكلمت على حلم وحكمة، وقد عفوت لك عن الصبوة ووهبتك للصبية؛ فارجع إلى ولدك ولا تعاود، فقال: سمعاً وطاعة، وانصرف.