الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وسبعمائة.
وكان موصوفاً بالديانة والخير والرفق بالرعية، ونقل تابوته إلى تربته بسفح قاسيون بدمشق، وجرى في أيامه الغلاء العظيم بالديار المصرية، وكان يبكي ويقول: هذا بخطيئتي، وفيه يقول الوداعي لما تسلطن وخلع على أهل دمشق:
إنما العادل سلطان الورى
…
عندما جاد بتشريف الجميع
مثل قطر صاب قطراً ماحلاً
…
فكسا أعطافه زهر الربيع 404 (1)
العتابي
كلثوم بن عمرو العتابي الشاعر؛ أصله من الشام من أرض قنسرين، صحب البرامكة وصحب طاهر بن الحسين، وكان حسن الاعتذار في رسائله وشعره، وهو أديب مصنف له من الكتب " كتاب المنطق " و " كتاب الآداب " و " كتاب فنون الحكم " و " كتاب الخيل " و " كتاب الألفاظ ". وتوفي في حدود العشرين والمائتين.
وكان تزهد ومدح الرشيد والمأمون، وكان قد نقل إلى الرشيد عنه ما أهدر به دمه، فخلصه جعفر فقال فيه شعراً:
(1) تاريخ بغداد 13: 488 وطبقات ابن المعتز: 261 والشعر والشعراء: 740 ومروج الذهب 4: 14 والأغاني 13: 107 والفهرست: 181 وكتاب بغداد: 69، 87 - 89 ومعجم المرزباني: 251 والوزراء والكتاب: 181 والموشح: 449 والبيان والتبيين 1: 51 ومعجم الأدباء 17: 26 واللباب 2: 118 وابن خلكان 4: 122 (وهو مما انفردت به إحدى النسخ وليس من شرط المؤلف) والزركشي: 249؛ وبقيت من هذه الترجمة في ر بقية يسيرة.
ما زلت في غمرات الموت مطرحاً
…
يضيق عني فسيح الرأي من حيلي
فلم تزل دائماً تسعى بلطفك لي
…
حتى اختلست حياتي من يدي أجلي وكلم يحيى بن خالد في حاجة بكلمات قليلة فقال له يحيى: لقد نزر كلامك اليوم وقل، فقال: وكيف لا يقل وقد كفيتني ذل المسألة وحيرة الطلب وخوف الرد؟ فقال له يحيى: لئن قل كلامك لقد كثرت فوائده.
ومن شعره:
ولو كان يستغني عن الشكر حامد
…
لعزة ملك أو علو مكان
لما أمر الله العباد بشكره
…
وقال اشكروا لي أيها الثقلان ولما دخل على المأمون كان عنده إسحاق الموصلي، فسلم عليه فرد عليه وأدناه وقربه حين دخل عليه وقبل يده، وأقبل عليه يسأله عن حاله وهو يجيبه بلسان طلق، فاستظرفه المأمون وأقبل عليه بالمداعبة والمزاح، فظن أنه استخف به فقال له: يا أمير المؤمنين الإيناس قبل الإبساس، فاشتبه على المأمون، وأقبل على إسحاق مستفهماً، فأومأ إليه وغمزه على معناه حتى فهمه، فقال: يا غلام، ألف دينار، فأتي بذلك فدفعها إلى العتابي، ثم غمز المأمون إسحاق الموصلي عليه، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه، فبقي العتابي متعجباً، ثم قال: يا أمير المؤمنين أيذن لي في مسألة هذا الشيخ عن اسمه، فقال: نعم سله، فقال لإسحاق: يا شيخ من أنت؟ وما اسمك؟ فقال: أنا من الناس واسمي كل بصل، فتبسم العتابي، وقال: أما أنت فمعروف وأما الاسم فمنكر، فقال إسحاق: ما أقل إنصافك، أتنكر أن يكون اسمي كل بصل واسمك كل ثوم؟ وما كل ثوم من الأسماء؟ أليس البصل أطيب من الثوم؟ فقال العتابي: لله درك ما أحجك! أيأذن لي أمير المؤمنين أن أصله بما وصلني به؟ فقال: لا بل هو موفر عليك ونأمر له بمثله، فقال إسحاق: أما إذ أقررت فتوهمني أنت، فقال:
ما أظنك إلا إسحاق الموصلي الذي يتناهى إلينا خبره، قال: أنا حيث ظننت، فأقبل عليه بالتحية والسلام، فقال المأمون وقد طال الحديث بينهما: أما إذ اتفقتما فانصرفا متنادمين، فانصرف العتابي إلى منزل إسحاق وأقام عنده.
وقال عمر الوراق: رأيت العتابي يأكل خبزاً على الطريق بباب الشام فقلت له: ويحك أما تستحي؟ فقال: أرأيت لو كنا في دار فيها بقر أكنت تحتشم أن تأكل وهو يراك؟ فقلت: لا، فقال: فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر، ثم قام فوعظ وقص ودعا حتى كثر الزحام عليه، فقال لهم: روي لنا من غير وجه أنه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار، قال: فما بقي أحد منهم إلا أخرج لسانه نحو أرنبة أنفه ويقدره هل يبلغها أم لا، فلما تفرقوا قال العتابي: ألم أعلمك أنهم بقر؟
ودخل العتابي على عبد الله بن طاهر، فلما مثل بين يديه أنشده:
حسن ظني وحسن ما عود الل
…
هـ بسؤلي (1) منك الغداة أتى بي
أي شيء يكون أحسن من حس
…
ن يقين حدا إليك ركابي فأمر له بجائزة، ثم دخل عليه من الغد فأنشده:
ودك يكفينيك في حاجتي
…
ورؤيتي كافية عن سؤال
وكيف أخشى " الفقر " ما عشت لي
…
وإنما كفاك لي بيت مال؟ فأمر له بجائزة، ثم دخل عليه في اليوم الثالث فأنشده:
بهجات الثياب يخلقها الده
…
ر وثوب الثناء غض جديد
فاكسني ما يبيد، أصلحك الل
…
هـ فإني أكسوك ما لا يبيد " فأمر له بكسوة وجارية "(2) .
(1) ر: سؤالي.
(2)
زيادة من المطبوعة.