الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الاستبراء
الاستِبراءُ لُغَةً. طَلبُ البَراءةِ.
وفِي الشَّرعِ: عِبارةٌ عَن تربُّصٍ واجبٍ بِسَببِ مِلْكِ اليَمينِ حُدوثًا أو زَوالًا، ذَكرَ ذلك الرَّافعي عن "التتمة".
ويُزادُ عليه حدوثُ الحلِّ في مِلْكِ الجَاريةِ كما سَيأتِي، وفِي التتمة نصٌّ بهذا الاسمِ لِتَقريرِه بأقَلِّ ما يَدُلُّ على البراءَةِ مِن غَيرِ تَكرُّرٍ وتَعَدُّدٍ (1) فيهِ.
وخُصَّ التربُّصُ الواجبُ بِسَببِ العِدةِ اشتِقاقًا مِن العَددِ لِما فيه مِن التعدُّدِ.
وهذا الذي قاله صاحب "التتمة" مردودٌ.
والأصلُ في الاستِبراءِ مِن السُّنة: عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَفَعَه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في سَبايَا أوطاس (2): "لا تُنْكَحُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً".
(1) في (ب): "تحكم".
(2)
أوطاس -بفتح أوله وبالطاء والسين المهملتين- واد في بلاد هوازن، وبه كانت غزوة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هوازن.
رواهُ أبُو داودَ وغيرُه بإسنادٍ صالحٍ للاحْتِجاجِ بِهِ (1).
ورواه الشعبي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلًا (2).
(1) حديث ضعيف: رواه أبو داود (2157) من طريق شريك، عن قيس بن وهب، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا.
ورواه الدارمي (2/ 171)، وأَحمد (3/ 62 و 87)، والدارقطني (4/ 112)، والحاكم (2/ 195)، والبيهقي (7/ 449).
وأعله ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(3/ 122) بشريك، وقال: وشريك مختلف فيه، وهو مدلس.
قال البغوي في شرح السنة: في هذا الحديث أنواع من الفقه:
منها: أن الزوجين إذا سبيا، أو أحدهما، يرتفع النكاح بينهما، ولولا ذلك، لكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يبيح للسابي وطء المسبية بعد أن تضع الحمل، أو تحيض حيضة من غير فصل، وفيهن ذوات أزواج.
ولم يختلف أهل العلم في سبي أحد الزوجين دون الآخر، أنَّه يوجب ارتفاع النكاح بينهما، واختلفوا فيما لو سبيا معًا:
فذهب جماعة إلى ارتفاع النكاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح وطأهن بعد وضع الحمل، أو مرور حيضة بها من غير فصل بين ذات زوج، وغيرها، وبين من سبت منهن مع الزوج، أو وحدها، وكان في ذلك السبي كل هذه الأنواع، فدل أن الحكم في ذلك واحد.
وإلى هذا ذهب مالك، والشافعي، وأبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا سبيا معًا، فهما على نكاحهما.
(2)
قال ابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 28): حدثنا أبو خالد الأحمر عن داود، قال: قلت للشعبي: إن أَبا موسى نهى يوم فتح تستر، أن لا توطأ الحبالى، ولا يشارك المشركون في أولادهم، فإن الماء يزيد في الولد، هو شيءٌ قاله برأيه، أو رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم أوطاس أن توطأ حاملٌ حتَّى تضع، أو حائلٌ حتَّى تستبرأ، انتهى. =
وروى أبو داود وغيرُه مِنْ حَديثِ رُويفعِ بْنِ ثَابتٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه: أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ يَوْمَ حُنينٍ: "لا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ" -يَعْنِي: إِتْيَانَ الْحَبَالَى- "وَلا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْي حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا"(1).
وفِي حديثِ ابنِ إسحاقَ: "بحيضةٍ"(2).
قال أبو داود: الحَيضةُ ليسَتْ بِمَحفوظةٍ (3) -يعنِي مِن حديثِ رُويفعٍ، وقد سَبقَ في حَديثِ أبي سَعيدٍ ذِكْرُ الحَيضةِ.
وفِي "صحيح مسلم"(4) مِن حديثِ أبي الدَّرداءِ رضي الله عنه عَن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه أُتِي بامْرَأةٍ مُجِحٍّ (5) على باب فُسطاطٍ فقال: "لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا؟! "، فقالُوا:
= وكذلك رواه عبد الرزاق في مصنفه (7/ 226): أخبرنا سفيان الثوري عن زكريا عن الشعبي، قال: أصاب المسلمون نساءً يوم أوطاس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقعوا على حامل حتَّى تضع، ولا على غير حامل حتَّى تحيض حيضةً.
(1)
رواه أبو داود (2158) من طريق محمَّد بن إسحاق، حَدَّثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق، عن حنش الصنعاني، عن رويفع بن ثابت الأنصاري. . الحديث.
(2)
قال أبو داود رحمه الله في "سننه"(2159): حَدَّثَنَا سعيد بن منصور، حَدَّثَنَا أبو معاوية، عن ابن إسحاق، بهذا الحديث قال:"حتَّى يستبرئها بحيضة" زاد فيه "بحيضة". وهو وهمٌ من أبي معاوية وهو صحيحٌ في حديث أبي سعيد. زاد "ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يركب دابةً من فيء المسلمين، حتَّى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين حتَّى إذا أخلقه رده فيه". قال أبو داود: الحيضة ليست بمحفوظة وهو وهمٌ من أبي معاوية.
(3)
في (ل): "محفوظة".
(4)
"صحيح مسلم"(139/ 1441).
(5)
في (ب): "فجج".
نَعَم، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنةً تدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ (1) لَا يَحِلُّ لَهُ؟ أم (2) كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَه؟! "(3)، انتهى (4).
المُجِحُّ: بضمِّ المِيمِ، وكسرِ الجِيمِ وبعدها حاءٌ مهملةٌ، وهي الحامِلُ المقرِبُ.
وثَبَتَ في "صحيح البخاري" مِنْ حَديثِ أَنَسٍ ما يَقتضِي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم استَبَرأَ صَفيَّة، ثم تزوَّجَها -يعني: بعد أَنْ أَعتَقَهَا، قال أنسٌ: فخَرَجَ حتَّى بَلَغَ بِها سَدَّ الصَّهْباءِ (5) حلَّتْ، فبَنَى بها رَسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم (6).
(1)"هو" سقط من (ل).
(2)
"أم": زيادة من (ز).
(3)
معناه: أنَّه قد تتأخر ولادتها ستة أشهر، بحيث يحتمل كون الولد من هذا السابي، ويحتمل أنَّه كان ممن قبله، فعلى تقدير كونه من السابي يكون ولدًا له ويتوارثان، وعلى تقدير كونه من غير السابي لا يتوارثان، هو ولا السابي، لعدم القرابة، بل له استخدامه لأنه مملوكه، فتقدير الحديث: أنَّه قد يستلحقه ويجعله ابنًا له ويورثه، مع أنَّه لا يحل توريثه، لكونه ليس منه، ولا يحل توارثه ومزاحمته لباقي الورثة، وقد يستخدمه استخدام العبيد ويجعله عبدًا يتملكه، مع أنَّه لا يحل له ذلك، لكونه منه إذا وضعته لمدة محتملة كونه من كل واحد منهما، فيجب عليه الامتناع عن وطئها خوفًا من هذا المحظور.
(4)
ذكر ابن القيم في "زاد المعاد في هدي خير العباد"(5/ 730) عدة فوائد في الكلام على هذا الحديث، فليراجعها من أراد.
(5)
في (ب): "الصبهاء".
(6)
"صحيح البخاري"(2893) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طلحة: "التمس غلامًا من غلمانكم يخدمني حتَّى أخرج إلى خيبر" فخرج بي أبو طلحة مردفي، وأنا غلامٌ راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرًا يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل =
ولا خلافَ في أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم استَبرَأَ صَفيةَ.
ويُتعجَّبُ مِن الحافظ (1) البيهقيِّ في تَرْكِ (2) ذِكْرِ هذا الحديثِ الثابتِ والاقتصارِ (3) على حديثِ أنَسٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم استبَرَأَ صَفيَّةَ بِحَيضةٍ.
قال البيهقيُّ: في إسنادِهِ ضعفٌ (4).
= والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال" ثم قدمنا خيبر فلما فتح اللَّه عليه الحصين، ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قتل زوجها، وكانت عروسًا، فاصطفاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها حتَّى بلغنا سد الصهباء، حلت فبنى بها، ثم صنع حيسًا في نطع صغير، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "آذن من حولك". فكانت تلك وليمة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على صفية.
(1)
"الحافظ": زيادة من (ز).
(2)
في (ب): "كيف ترك".
(3)
في (ب): "واقتصر".
(4)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 739) من طريق إسماعيل بن عياش، عن الحجاج بن أرطأة، عن الزهري، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة. . وقال: في إسناده ضعفٌ.
ورواه من هذا الوجه الطبراني في "الأوسط" برقم (27) وقال: لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا الحجاج بن أرطأة. تفرد به: إسماعيل بن عياش.
قلت: الحجاج بن أرطأة بن ثور بن هبيرة ويكنى أَبا أرطأة وكان شريفًا مريا، كان في صحابة أبي جعفر فضمه إلى المهدي فلم يزل معه حتَّى توفي بالري، والمهدي بها يومئذ في خلافة أبي جعفر، وكان ضعيفًا في الحديث.
والحديث رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(24/ 69) وعبد الرزاق في "المصنف"(7/ 226، 269) عن محمَّد بن إبراهيم الأسلمي قال: أخبرني إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "استبرأ صفية بحيضة". وإسناده ضعيف، لضعف الأسلمي، ورواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "زوائد الحارث"(502، 1005) للهيثمي: حدثنا العباس بن الفضل، ثنا حميد بن الأسود، ويزيد بن =
فإنْ قيلَ: لَعلَّه أَرادَ ما يتعلَّقُ بِحيضةٍ (1).
قلتُ (2): الحديثُ الثابتُ يَقتضِي ذلك، وعلي الجُملةِ فذِكْرُ الحديثِ الثابتِ متعيَّنٌ.
* * *
يجِبُ الاستِبراءُ (3) بوَاحدٍ مِن سَبعةِ أسبابٍ:
= إبراهيم، عن حميد، عن أنس: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة، فقيل له: أومن أمهات المؤمنين أم من أمهات الأولاد؟ قال: "من أمهات المؤمنين".
(1)
في (ل): "بقية".
(2)
في (ل): "قلنا".
(3)
الاستبراء ضربان! فرض، ومستحب.
فالفرض خسمة.
أحدها: أن تنتقل من حرية إلى رق كالمسبية.
والثاني: أن تنتقل من رق إلى حرية كالمعتقة وأم الولد إذا أعتقها سيدها أو مات عنها.
والثالث: أن تنتقل من ملك إلى ملك كالمشتراة، والموهوبة، والمرهونة، والموروثة، والمطلقة.
والرابع: أن يستبيح وطأها بعد التحريم كالمطلقة قبل الدخول، والمكاتبة إذا عجّزها سيدها.
والخامس: أن يريد إنكاح أمته من غيره، فإنَّه يستبرئها أو لا.
وأما المستحب فتارة يكون في الإماء، وتارة في الحرائر، مثل: أن يكون تحته أمة فاشتراها فالمستحب له أن يستبرئها.
ومثل: أن يموت ولد امرأته من غيره، ولم يكن له ولد، ولا ولد ابن، ولا أب، ولا جدّ فالمستحب أن يستبرئها؛ لإمكان أن يكون بها حمل فيرثه، وما شابه ذلك. =