الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّضَاعَةِ} يَقتضِي وُجودَ رَضاعٍ في الزَّمنِ الماضِي، ولو قَبْلَ البعثةِ] (1)، وكذلك [ما صَحَّ مِن] (2) قولِه صلى الله عليه وسلم:"يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ"(3).
ولِلرَّضاعِ أَثرٌ في تَحريمِ النِّكاحِ وقَطْعِه، وإيجابِ مَهْرٍ أوْ نِصفِه أو بعضِهِ، أو مُتْعَةٍ على مَا سيأتِي تفصِيلُهُ، وثُبوتِ المحرميَّةِ المُقتضيَةِ لِجوازِ النَّظرِ والخَلوةِ، وعدمِ انتِقاضِ الوُضوءِ على أصحِّ القوليْنِ، وغسلِ الميتِ، والمُسافَرَةِ، دونَ سائِرِ أحكامِ النَّسبِ مِن ميراثٍ ونفقةٍ وإعفافٍ وعتقٍ بملكٍ وسقوطِ قِصاصٍ وتَحَمُّلِ عاقلةٍ وحضانةٍ وولايةٍ وولاءٍ ورَدِّ شهادةٍ وحكمٍ وغيرها (4).
* * *
وشَرْطُ الرَّضاع المحرِّمِ
(5):
(1) ما بين المعقوفين سقط من (ل).
(2)
ما بين المعقوفين سقط من (ل).
(3)
لفظه لمسلم (2/ 1444) من حديث عائشة رضي الله عنها وهو في "صحيح البخاري"(2645) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: ". . . ما يحرم من النسب" ورواه مسلم (12/ 1447) عنه ولفظ: ". . . ما يحرم من الرَّحم".
(4)
"روضة الطالبين"(9/ 3).
(5)
قال المَحَامِلِي: لا يقع التحريم بالرضاع إلا بوجود خمسة شرائط:
أحدها: أن يكون لبن المرأة.
الثاني: أن يكون الرضاع أو الحلبات في حال حياة المرأة.
الثالث: أن يمون دون الحولين.
الرابع: أن يصل إلى الجوف.
الخامس: أن يكون خمس رضعات، كل رضعة إلى الشبع.
راجع: "الأم"(5/ 30 - 31)، و"مختصر المزني"(ص 332 - 333)، و"الإقناع"(ص 159 - 160) للماوردي، و"المنهاج"(ص 117).
1 -
أَنْ يكونَ مِن آدمِيَّةٍ (1)، ولم يقُلْ مِن (2) امرأةٍ.
وقال الشافِعِيُّ رضي الله عنه في "الأم"(3) في الرضاع (4): "إنَّمَا يُحَرِّمُ لَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ".
فعلى هذا؛ الرَّضاعُ مِن بَهيمةٍ أو ما يظهرُ مِن البحرِ على شَبَهِ الإنسانِ -وهُو أُنثى- لا يثبُتُ بِهِ التَّحريمُ (5).
أمَّا في البهيمةِ فنصَّ عليه، واتَّفق عليه الأصحابُ (6).
فلو ارتَضَعَ طِفلانِ مِن بَهيمةٍ فَلَا أُخوةَ بينهما بسببِ الَّلبنِ المذكورِ، لأنَّ الأُخوَّةَ مِن قِبَلِ الأُمومةِ (7)، ولا أُمومةَ، فَلَا أُخُوَّةَ مِن جهتِها، وقد ثبتَ (8) في الرَّضاعِ أُخوةُ الأبِ، وإنْ لم تثبتِ الأُمومةُ، كما في المُستَوْلَدَاتِ ونحو ذلك، وسيأتِي (9).
(1) في (ل): "آدمي".
(2)
"من" زيادة من (ل).
(3)
"الأم"(5/ 28) وتمام كلامه: ولو شرب غلامٌ وجاريةٌ لبن بهيمة من شاة أو بقرة أو ناقة لم يكن هذا رضاعًا إنما هذا كالطعام والشراب ولا يكون محرمًا بين من شربه إنما يحرم لبن الآدميات لا البهائم.
(4)
في (ل): "في الرضاع في الأم".
(5)
"الروضة"(9/ 3).
(6)
"مختصر المزني"(ص 333) و"الحاوي"(11/ 375) و"أسنى المطالب"(3/ 416) و"الغرر البهية في شرح البهجة الوردية"(4/ 373).
(7)
في (ب): "مِن قِبَلِ الأُمومةِ فرعُ الأمومة".
(8)
في (ب): "ثبتت".
(9)
قال الماوردي في "الحاوي"(11/ 375): وقال بعض السلف -وأضيف ذلك إلى =
وأما الجِنِّيَّةُ فيُحْتَمَلُ أن يحرِّمَ لبنُها؛ لأنَّها مِن جِنس المُكلَّفين، بِخِلافِ البهيمةِ وأُنثى البحرِ، وظاهِرُ النصِّ يقتضِي أنَّ لبنَهَا لا يُحرِّمُ (1)، وهذا إذا كان لها لَبنٌ، فإنْ لم يكُنْ لها لبنٌ، فالصُّورةُ مُحالة، وكذلك أُنثى البحْرِ (2).
فإن قيل: فقد ذُكِر عن أُنثى البحْرِ أنَّها حبلتْ مِن آدمِيٍّ (3)، قلتُ (4): لا (5) تصِحُّ هذِهِ الحكايةُ، وإن صحَّتْ فليستْ مِن جِنسِ المُكلَّفين.
وخَرَج بِـ "الآدميَّةِ": الرجلُ والخُنثى، فلو دَرَّ لرجُلٍ لبنٌ، فأرضَعَ بِهِ أُنثى، لم تَحْرُمْ عليهِ، لكِنْ يُكرهُ له نكاحُها؛ نصَّ عليه في "البويطي"(6).
وفِي "الأم"(7): لَا أَحْسَبُهُ يَنْزِلُ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ، فَإِنْ نَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ (8) مَوْلُودَةً (9) كَرِهْتُ لَهُ نِكَاحَهَا وَلِوَلَدِهِ، وإِنْ نَكَحَهَا لَمْ أَفْسَخْهُ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ رَضَاعَ الْوَالِدَاتِ، وَالْوَالِدَاتُ إنَاثٌ، وَالْوَالِدُونَ غَيْرُ الْوَالِدَاتِ، وَذَكَرَ الْوَالِدَ بِأَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ الرَّضَاعِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْآبَاءِ حُكْمَ الْأُمَّهَاتِ
= مالك وقد أنكره أصحابه-: إن لبن البهيمة يحرم، ويصيرا بلبنها أخوين؛ استدلالًا باجتماعهما على لبن واحد، فوجب أن يصيرا به أخوين كلبن الآدميات.
(1)
في (ل): "أنه لا يحرم".
(2)
"الإقناع"(2/ 477) للشربيني، ونقله الرملي في "حاشيته"(3/ 415).
(3)
في (ب): "آدمية".
(4)
في (ل): "قلنا".
(5)
في (ب): "إلا"!
(6)
ذكره النووي في "روضة الطالبين"(9/ 4).
(7)
"كتاب الأم"(5/ 38).
(8)
في (ل): "منه".
(9)
في (ز): "مولود".
وَلَا حُكْمُ الْأُمَّهَاتِ حُكْمَ الْآبَاءِ وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ عز وجل بَيْنَ أَحْكَامِهِمْ (1).
وما نَصَّ عليه رضي الله عنه هو المشهورُ، وفيهِ وجهٌ يُنسب إلى الكَرَابِيسي (2) بالتَّحرِيم (3).
وقيل: إنه مخرَّج.
وقد سَبَقَ في النَّجاساتِ أنَّ ابنَ الصَّباغ قال: إنَّه نجسٌ يحرُمُ شربُهُ (4)، وهو خلافُ مقتضى حكايتِهِ (5) عن الشافِعِيِّ رضي الله عنه وهي: أنَّه حَضَرَ رجلٌ عندَ الرَّشِيدِ له لَبَنٌ أَرْضَعَ منه، ولم يُنكِر ذلك الشافِعِيُّ (6).
(1) في "ب، ل، ز": "أحكامهن" والمثبت من الأم.
(2)
الكرابيسي أبو على الحسين بن عليّ بن يزيد العلامة، فقيه بغداد، أبو علي الحسين بن عليّ بن يزيد البغدادي، صاحب التصانيف. كان من بحور العلم، ذكيًّا، فطنًا، فصيحًا، لسنًا. تصانيفه في الفروع والأصول تدل على تبحره، إلا أنَّه وقع بينه وبين الإِمام أَحْمد، فهجر لذلك، وهو أول من فتق اللفظ، ولما بلغ يحيى بن معين أنَّه يتكلم في أَحْمد، قال: ما أحوجه إلى أن يضرب، وشتمه. قال حسينٌ في القرآن: لفظي به مخلوقٌ، فبلغ قوله أَحْمد، فأنكره، وقال: هذه بدعةٌ. فأوضح حسينٌ المسألة، وقال: تلفظك بالقرآن -يعني: غير الملفوظ-. وقال في أَحْمد: أي شيء نعمل بهذا الصبي؟ إن قلنا: مخلوقٌ، قال: بدعةٌ، وإن قلنا: غير مخلوق، قال: بدعةٌ. فغضب لأحمد أصحابه، ونالوا من حسين.
راجع: تاريخ بغداد 8/ 64، 67، طبقات الفقهاء للشيرازي 83، وفيات الأعيان 2/ 132، 133، ميزان الاعتدال 1/ 544، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 117/ 126.
(3)
نقله النووي في "الروضة"(9/ 3) والعمراني في "البيان"(11/ 156).
(4)
يعني قياسًا على الميتة كما في "البيان"(11/ 156) للعمراني.
(5)
في (ب): "حكاية".
(6)
نقل العمراني في "البيان"(11/ 157) هذه الحكاية فقال: وحكي عن الشافعي: أنَّه قال: (رأيت رجلًا يرضع في مجلس هارون الرشيد) ..
وأما الخُنثى (1): فإن اسْتُدِلَّ بلبنِهِ على أُنوثتِهِ عندَ (2) فَقْدِ سائِرِ الأَماراتِ فهو مُحَرِّم (3).
وعن أبِي إسحاقَ (4): يُعرض اللبنُ على القَوَابِلِ، فإنْ قُلْنَ: إنَّ مثلَ هذا اللبَنَ (5) لا يكونُ إلَّا لِلإناثِ، حُكِمَ بأُنُوثتِهِ، وَحَرَّمَ.
والمذهبُ أنَّه لا يثبُتُ بِهِ أُنوثةٌ؛ فعلى هذا يوقفُ التحريمُ على تبيُّنِ حالِهِ، فإنْ بأن أنَّه أُنثى ثَبَتَ التحريمُ، فإنْ قال بعد ذلك:"أنا ذَكَرٌ" لم يُقبلْ منهُ، وإنْ بأن أنَّه ذَكَرٌ، فَلَا تَحريمَ (6) إلَّا على وجهِ الكَرَابِيسيِّ (7).
* * *
2 -
ومِن شرطِ ذاتِ اللبَنِ: أَنْ تكونَ حيةً حالَةَ (8) انفِصالِ اللبَنِ منها، فلو ارْتَضَعَ مِن مَيتةٍ أو حُلب لبَنُها (9) وهي ميتةٌ: لم يتعلَّقْ بِهِ التحريمُ (10).
(1)"روضة الطالبين"(6/ 419).
(2)
في (ل): "بعد".
(3)
قال في "المجموع"(2/ 65): ولو ثار له لبن لم تثبت به أنوثته على المذهب فلو رضع منه صغير يوقف في التحريم فإن بأن أنثى حرم لبنه وإلا فلا.
(4)
يعني المروزي.
(5)
"اللبن" سقط من (ل).
(6)
في (ب): "يحرم".
(7)
راجع "البيان"(11/ 157).
(8)
في (ل): "حال".
(9)
في (ل): "منها".
(10)
راجع "روضة الطالبين"(9/ 3) و"إعانة الطالبين"(3/ 286)، و"فتح الوهاب"(2/ 194).
ولو حُلِب في حياتِها و (1) أُوجِرَهُ الرضيعُ بعد موتِها: حرَّم على النَّص المعتمَدِ (2)؛ لِخروج اللبنِ مِنها وهِي حيةٌ، وفِيه وجهٌ: أنَّه لا يُحَرِّم، إذْ لا أُمومةَ بعدَ الموتِ بِخِلاف الأُبوَّةِ بعدَ الموتِ، فإنَّها تثبُتُ اتِّفاقًا.
ومحلُّ هذا الوجهِ فِيما إذا ماتَتْ قبلَ (3) حصولِ اللبَنِ في فيهِ، أمَّا إذا ماتَتْ (4) بعْدَ حُصولِ اللبَنِ في فَيهِ، ثُم شرِبهُ [بعدَ موتِها](5)، فإنَّه يحرِّمُ قطعًا.
وقِيل: الوجْهُ مُطلقًا، وهو الأرجحُ.
ولو خَرَجَ اللبَنُ مِن غيرِ الطرِيقِ المُعتادِ بأنْ خَرَجَ مِن ثُقبٍ في [الثَّدي، فالقياسُ أنَّه يُحرِّمُ، ولو قُطِع الثَّديُ فشُرِبَ مِن اللبَنِ الخَارِج مِن أصلِهِ حرَّم، وللمسألةِ شَبَهٌ بِخُروج المنيِّ مِن ثقبٍ في](6) الذَّكَر أو في الأُنْثَيين أو انكسر صلبُهُ فَخَرَجَ مِنه المَنِيُّ (7)، لكن الأرجحُ هُنا التحريمُ؛ لوجود الغِذاءِ بِهِ، ومحلُّ ذلِك فِيما إذا كان مُسْتحيلًا، أمَّا إذا كان دمًا، فَلَا أثرَ له قطعًا.
* * *
(1)"و" سقط من (ب).
(2)
راجع "الأم"(5/ 31) / و"مختصر المزني"(ص 227).
(3)
في (ب): "وقت".
(4)
"أما إذا ماتت" مكررة بـ (ب).
(5)
ما بين المعقوفين سقط من (ل).
(6)
ما بين المعقوفين سقط من (ب).
(7)
"حواشي الشرواني"(8/ 285).
واعلمْ أنَّه لَا يُشْتَرَطُ لثبوتِ التَّحريم بقاءُ الَّلبنِ المُحرِّم على هيئتِهِ حالةَ انفِصالِهِ عنِ الثَّدي، فلو تغيَّر بحموضةٍ أو انعقادٍ أو غليٍ (1)، أو صار جُبنًا، أو أقِطًا، أو زُبدًا، أو سَمنًا، أو مخيضًا، أو مصْلًا، أو مشًّا، وتناوَلَ ذلك الرضيعُ ثَبَتَ التحريمُ بشرطِهِ؛ لِوصولِ الَّلبنِ إلى الجَوْفِ، وحصولِ التَّغذِّي بِهِ (2).
وقد نصَّ في "الأم" و"المختصر"(3) على الجُبنِ، فقال:"وَلَوْ جَبُنَ اللَّبَنُ فَأُطْعِمَهُ كَانَ كَالرَّضَاعِ"(4).
فلم يتْبَع الشافعيُّ اسمَ اللبن؛ قال الغزالِيُّ (5): اعتَبَرَ الشافعيُّ اسمَ الإرْضاع، ولم يعتَبِرْ اسمَ اللبنِ (6).
وما قاله الغزاليُّ مُشكلٌ مِن أجلِ أنَّ الرَّضاعَ والإرضاعَ لا يُشْترطُ وجودُ حقيقتِهِما.
(1) في (ل): "أُغْلِيَ".
(2)
"روضة الطالبين"(9/ 4).
(3)
"مختصر المزني"(ص 333).
(4)
قال الماوردي في "الحاوي الكبير"(11/ 375): وهذا أبلغ في سد المجاعة من مائع اللبن، فوجب أن يكون أخص بالتحريم، ولأن ما تعلق به التحريم مائعًا تعلق به جامدًا كالنجاسة والخمر، ولأن انعقاد أجزائه لا يمنع من بقاء تحريمه كما لو ثخن، ولأن تغيير صفته لا توجب تغيير حكمه كما لو حمض. انتهى.
وراجع "التنبيه"(ص 204) و"المهذب"(3/ 144) و"المجموع"(18/ 221).
وقال أبو حنيفة: لا يتعلق به التحريم استدلالًا بقول اللَّه تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وهذا مفقودٌ في المجبن والمغلي، ولأن زوال اسم اللبن موجبٌ لارتفاع حكمه بناءً على ما قاله في المشوب.
(5)
"الوسيط"(6/ 180).
(6)
"نهاية المطلب"(15/ 356).