الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
إذا جُنَّ القاضي، أو أغميَ عليهِ (1)، أو ذهبتْ أهليَّةُ اجتهادِهِ وضبطِه لغفلةٍ أو بيان أو عمًى انعزلَ، ويستثنى من العزلِ بالعمَى ما إذا سمعَ البينةَ وهو بصيرٌ، وقبلَ البينةَ واستوفى الشروط، ولم يبقَ إلَّا قولُه حكمت، أو ثبتَ عنده بطريقٍ غيرَ البينةِ ألْحِقَ، ولم يبقَ إلَّا الحكمُ به.
والصورةُ أنَّ الحكمَ لا يحتاجُ إلى إشارةٍ، فإنَّهُ إذا حكم بعد عماهُ فيما صُوِّر نفذ حكمُهُ على الأصحِّ، كما قاله شيخُنا؛ لأنَّ العمى إنَّما يمنعُ الحكمَ لاحتياجِه إلى البصرِ في كثيرٍ من الأحوالِ، وما نحنُ فيه لا يحتاجُ إلى ذلك، وإذا فسقَ القاضِي فالصوابُ الذي يقتضيهُ كلامُ الشافعيِّ وأصحابِهِ كما قالَ شيخُنا: القطعُ بالانعزالِ بالفسقِ المنافِي لابتداءِ الولايةِ.
فإن زالتْ هذه الأحوالُ لم تعدْ ولايتُهُ (2)، إلَّا في المرضِ المانعِ من الاجتهادِ من غيرِ. . . (3) إغماء، فإنه وإن لم ينفذ حكمه فيه، لكنه إذا كان. . . (4) الزوال فإنه لا ينعزلُ، فإذا زالَ المانعُ فالولايةُ مستمرَّةٌ قطعًا، وللإمامِ. . . (5) فوض إليه الإمام عزل قاض في ولايته خلل، ويكفي في الظهورِ غلبة الظنِّ باستفاضةٍ أو قرائن ونحو ذلك، إذا كانَ غيرَ مشهورٍ فإنْ لم يكنْ مَن يصلح للقضاءِ غيرُه لم يجزْ عزلُهُ بمجردِ ظهورِ الخللِ الذي يقتضي انعزالُه، ولا بتحقيق الخللِ الذي لا يقتضي انعزاله، وهذا لا توقُّف فيه، ولو لم يظهر الخلل، وهناك
(1)"منهاج الطالبين"(ص 337).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 337).
(3)
مقدار كلمة لم أستطع قراءتها في الأصل.
(4)
مقدار كلمة لم أستطع قراءتها في الأصل.
(5)
مقدار كلمة لم أستطع قراءتها في الأصل.
صالح، نظر إن كان أفضل منه جازَ عزلُهُ، وإن كان مثلَهُ أو دونه، وكان في العزل مصلحةُ كتسكين فتنة ونحوها جاز عزلُهُ، وإلَّا فلا.
لكن ينفذ العزلُ (1) حيث لم يكنْ المتولِّي متعينًا أو لم يكن، ولكن عزله بمن هو دونه، فلا ينفذ حينئذٍ، والمذهبُ أنَّه لا ينعزلُ قبل بلوغِه خبرَ عزلِه، إذا لم يكنْ متعينًا، كأن كان متعينًا لم ينعزل، وإن بلغه خبر عزلِهِ وغير المتعينِ إذا بلغه خبر عزلِه وله نوابٌ لم يبلغْهم خبرُ عزلِ أصلِهم، وكانُوا ممنْ ينعزلونَ بعزلِهِ لا ينعزلُون حتى يبلغهم خبر عزلِه.
وتبقَى ولايتُهُ مستمرَّةً حكمًا، وإن كانَ لا ينفذُ حكمُهُ، ويستحقُّ ما رتِّبَ على الولايةِ التي يحصلُ بها سدُّ الوظيفةِ، حتى يبلغَ نوابَهُ خبرُ عزلِهِ.
ولو انعكستِ المسألة بأنْ بلغَ النائبُ خبرَ عزلَ أصلِهِ، ولم يبلغْ أصله ذلك، قال شيخُنا: فالقياسُ أنَّ النائبَ لا ينعزلُ حتَّى يبلغَ أصلَهُ خبرُ العزلِ، وينفذُ حكمُه كما ينفذُ حكم أصلِه. ولم أرَ مَن تعرَّضَ لذلك. انتهى.
وإذا كتبَ الإمامُ إليه إذا قرأتَ كتابِي فأنتَ معزولٌ، فتأمَّلهُ، وهو ممن يحسنُ القراءةَ انعزلَ، وإن كانَ أُمِّيًّا فقرئ عليه انعزلَ قطعًا، وكذا إن كتبَ إليه الكتابَ بالعبرانيِّ وهو لا يُحسنُهُ، ويحسنُ العربيَّ، وإن لم يكنْ أُميًّا فلا ينعزلُ إذا قرئَ عليهِ، خلافًا لما صحَّحه في "المنهاجِ"(2)، تبعًا لأصلِه.
وينعزلُ بموتِ القاضي، وانعزالُه من أذن لَهُ في شغل معين كبيعِ مال ميت ليس له يتيم، والأصحُّ عدم انعزال نائبه المطلق إن لم يؤذنْ له في الاستخلافِ أو قيل لهُ:"استخلفْ عن نفسِكَ، أو أطلق"، خلافًا لمن صحَّح خلافَ ذلك، فإن قيلَ له:"استخلفْ عنِّي" فلا ينعزلُ قطعًا، ولا ينعزلُ قاضٍ بموتِ الإمامِ،
(1)"منهاج الطالبين"(ص 337).
(2)
"منهاج الطالبين"(ص 337).
ولا بانعزالهِ، وحكى الماورديُّ وجهًا، أنَّ القضاةَ ينعزلونَ بموتِ الإمامِ، واستثنى شيخُنا من أن القاضي لا ينعزلُ بموتِ الإمامِ الذي أقامَهُ قاضيًا ليحكم بين الإمامِ وبين خصمائِه، فإنَّه ينعزلُ بموتِ الإمامِ لزوالِ المعنى المقتضَى لذلك.
ولا ينعزلُ ناظرُ وقفٍ من جهةِ القاضِي، ولا ناظرُ يتيمٍ بموتِ قاضٍ على الأصحِّ، إلَّا إذا شرطَ الواقفُ النظرَ لقاضِي البلدةِ فلان، فأقامَ عنهُ ناظرًا ثم ماتَ القاضي، فإنَّهُ ينعزلُ الناظرُ الذي أقامَهُ من جهتِهِ.
ولا يقبلُ قولُهُ بعدَ انعزالِهِ: "حكمتُ بكذا"، إلَّا إذا انعزلَ بالعمَى، فإنَّه يقبلُ قولُهُ بعدَ عماهُ "حكمتُ بكذا"، لأنَّهُ إنَّما انعزلَ بالعمَى فيما يحتاج إلى الإبصارِ، وقوله:"حكمتُ بكذا" لا يحتاج إلى إبصارِ. فيقبلُ قولُهُ لبقاءِ ولايتِهِ فيه.
ولا يقتصر عدمُ القبولِ على "حكمتُ"، بل يتعدَّى أيضًا إلى قولِهِ:"لست حكمت بكذا"، فلا يقبلُ منهُ، ولا يقبلُ منهُ:"ثبتَ عندي كذا"، ولا "عقدتُ عقد النكاح على فلانة لفلان"، ولا "بعتُ كذا على فلانٍ"؛ لأنَّه كان تحت حجري من جهة الحكم أو كان ممتنعًا من وفاء الدين، نعم لو قال:"صرفت مال الوقف بجهته العامة" قُبِلَ منه ذلك، ولو قال:"صرف في عمارتِهِ كذا" مما يقتضيهِ الحالُ؛ فإنَّهُ يقبلُ منهُ ذلك.
ولو قالَ: "المالُ الذي في يد الأمين سلمته إليهِ زمنَ قضائي، وهو لزيدٍ" وصدَّقه الأمينُ على أنَّه تسلَّمهُ منه، وادعَى أنه لعمرٍو، فالقولُ قولُ القاضي بلا يمينٍ، ولا يغرمُ الأمينُ لعمرٍو شيئًا على الأرجحِ.
ولو لم يصدقه الأمينُ في تَسَلُّمِه فالقولُ قولُ الأمينِ، ولو شهدَ مع آخرَ بحكمِهِ لم يُقبلْ على الصحيحِ، أو يحكم حاكم جائز الحكم قُبلتْ على الأصحِّ إذا لم يعلم القاضي أنَّه شهد على فِعْلِ نفسِهِ، فإن علم فلا فرقَ بين